لماذا نطالب بتحرير مقدسات المسلمين في فلسطين والحجاز؟..
أحمد الشرقاوي
الذين يفرقون اليوم بين وضع المسجد الحرام في مكة المكرمة ووضع المسجد الأقصى في القدس الشريف من مدخل وجوب التمييز بين النظام “السعودي” والنظام الصهيوني لما بينهما من فرق ديني وسياسي، هم أبعد ما يكون عن فهم الدين والسياسة معا, لأن القاسم المشترك بين النظامين هو الإجرام والإرهاب واستباحة حرمة الدم والعرض والكرامة الإنسانية، ومع ذلك، وبرغم ذلك، أصبحت فلسطين بالنسبة لليهود أرضا مقدسة تسمى “إسرائيل”، وأصبحت شبه الجزيرة العربية مملكة مقدسة تسمى “السعودية”..
وبالمحصلة، تحوّل اليهود المستعمرين إلى حراس للعقيدة اليهودية، وتحوّل ‘آل سعود’ المحتلين إلى “خدام للحرمين الشريفين”، لهم ذات الحرمة التي لمكة والمدينة في لاوعي الغالبية العظمى من المسلمين البسطاء.
ومعلوم أن طلا النظامين يتميز بنزعة عنصرية حاقدة، وميول شديد نحو تضخيم الذات من خلال الاستكبار والغطرسة والشعور بالتفوق والتمييز، ولهذا، نرى “إسرائيل” تحتقر كل الأمم والشعوب و”السعودية” تحتقر العرب والمسلمين.
هذه النزعة لها أصول توراتية عميقة، ومن يتسم بها يعتبر يهودي العقيدة من دون أن يعلن عنها كما يتبين من الحالة “السعودية”، ومن يراجع ثقافة الدم والتكفير في نصوص الوهابية سيصل إلى قواسم مشتركة بينها وبين النصوص العدوانية الإجرامية والإرهابية في الثقافة اليهودية..
فمثلا يقرأ اليهود في (سفر التثنية: 14: 2) ما نصه “لأنك شعب مقدس للرب إلهك وقد اختارك الرب لتكون له شعبا خاصّا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض”.. وفي دعوة تتعلق باجتثاث الشعب العربي في فلسطين يقول (سفر التثنية 7: 1 – 3) ما نصه “متى أتلا بك إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوبا كثيرة من أمامك فإنك تفنيهم ولا تقطع لهم عهدا ولا تشفق عليهم”.
وهذا ما حدث للشعب الفلسطيني بالأمس ويحدث اليوم للشعوب العربية المجاورة التي يعتبرها اليهود تهديدا وجوديا لهم، وبالتالي، ليس من قبيل الصدفة أن تصبح إيران وحلفائها ألذ أعداء “إسرائيل” و”السعودية” معا، وأن يوضعوا على رأس أولويات المخاطر التي تتهددهما، وقد رأينا كيف أن العالم الغربي برغم الفرق بين النظام الصهيوني و”السعودي” يقف على قلب رجل واحد في دعمهما ضدا في القيم والمبادئ الإنسانية التي يقول أنه يدافع عنها، ما يفسر العلاقة العضوية والمصير المشترك بين النظام “الإسرائيلي” والنظام “السعودي”، ويكشف لمن لا تزال على بصره وبصيرته غشاوة أن للصراع طبيعة دينية لا سياسية.
وإذا كانت “إسرائيل” تلقى آذانا صاغية واستجابة عملية من قبل الغرب لمعاداة إيران وحلفائها، فإن “آل سعود” من جهتهم لا يحتاجون إلى العزف على نفس الوثر الذي تعزف عليه “إسرائيل” أنغاما مزعجة إلا من باب التأكيد على طبيعتهم الصهيونية ونجاحهم في خداع المسلمين بالنفاق، لدرجة أنهم كلما رفعوا الصوت محذرين من الخطر “الشيعي” إلا واستجاب لدعوتهم المتأسلمين “السنة” الذين يشكلون الدراع الضاربة للماسونية العالمية في المنطقة، ونقصد بذلك حركات السلفية الوهابية التكفيرية والإخونجية الماسونية المنافقة، وهي الحركات التي تشبعت بزبالة فكر الكهنة المؤسسين وفهموا أصول لعبة المال والسلطة، واعتقدوا أنهم باستغلال الدين في السياسة لمصلحة الغرب و”إسرائيل” سيحققون حلمهم في الوصول إلى الحكم ويشبعون جشعهم للمال والجاه ونعيم الدنيا.
لأنه بسبب لعبة الدين والسياسة، أصبح ‘لـ’آل سعود’ اليهود المغتصبين لمقدسات المسلمين في الحجاز شرعية دينية لا يستحقونها، ولليهود المحتلين لفلسطين والقدس الشريف شرعية سياسية اكتسبوها بسبب خيانة الحكام العرب وغباء المسلمين السدّج تحديدا، وليس بسبب قوة اليهود وانتصاراتهم الوهمية وفق ما يزعمون، لأن من هُزم في الحروب التي شنتها “إسرائيل” على العرب هم الحكام لا الشعوب، في حين انتصرت إرادة الشعوب من خلال المقاومات الشريفة في لبنان وفلسطين، وأيضا في العراق وسورية واليمن، باعتبار أن الحروب الأخيرة تعد استمرارا لفتن اليهود التي لا تنتهي ضد الأمة.
وما نراه اليوم من كوارث ومآسي أصابت العرب والمسلمين هي نتيجة طبيعية لهذا الفهم الخاطئ لجوهر الصراع، والموقف المتخاذل من الاحتلال السياسي لمقدسات المسلمين المقنّع دينيا في الحجاز، والاحتلال الديني لمقدسات المسلمين والمسيحيين المقنّع سياسيا في فلسطين.
من هنا نشأت فكرة ضرورة عزل الديني عن السياسي، لنزع الطابع الديني عن الصراع في فلسطين وإلباسه جبة السياسي لتصوير الصراع كما لو أنه على الأرض لتمرير الحل في إطار اقتسامها، هذا علما أن التوراة تحرم كما أسلفنا في النص السابق على اليهود أعطاء العهد لغير اليهود، وقد تبين بالتجربة التاريخية أن “إسرائيل” لا ترغب في سلام ولا تسعى إليه، والذي عقدته مع مصر والأردن هو من باب التكتيك لتحيدهما لتتفرغ لغيرهما قبل أن عود لتنقض عليهما.
وهي القناعة التي وصل إليها العرب اليوم بعد أن يئسوا من وهم السلام، فقرروا التخلي عن القضية لفائدة “إسرائيل”، ونقل الفلسطينيين إلى وطن بديل في مكان بعيد على شكل جزيرة اصطناعية على الماء كما كشف ولي عهد البحرين قبل أيام..
وحتى لو قبل الشعب الفلسطيني افتراضا بهذا الحل، فما لا يريد أن يفهمه العرب هو أن “المشروع الإسرائيلي” وإن كان في ظاهره قومي، إلا أن باطنه يؤكد طبيعته التوراتية بامتياز، وأن غايته الكبرى هدفه الدفين هو الانتقام من نبي المسلمين الذي وهبه الله شرعية العهد بعد أن انتزعها من اليهود الظلمة من خلال تدمير أمته بكل الوسائل الممكنة والسبل المتخيلة.
وبهذا المعنى، فمن الصعوبة بمكان، إن لم يكن من المستحيل، التفريق بين الصهيوني واليهودي، لأن كل من يقيم في فلسطين هو صهيوني محتل، وكل من يقيم خارجها في عواصم القرار هو يهودي العرق صهيوني العقيدة يدعم الاحتلال بالموقف السياسي وبالمال والسلاح وكل ما يملك من أمكانات الفعل والتأثير تحقيقا لما يعتقد أنه الوعد الإلهي لشعبه المختار، كما وأن التوراة بما طالها من تحريف لا تمثل رسالة السماء في طهرها ونقائها كما كانت زمن موسى عليه السلام، ناهيك عن أنه لم يعد في الأرض يهودي واحد من سلالة نبي الله يعقوب المسمى بـ (إسرائيل) عليه السلام. والقلة القليلة جدا ممّن يناهضون الاحتلال من اليهود إنما يدافعون عن الشعب الفلسطيني من منطلق إنساني أكثر منه ديني.
*** / ***
نقول هذا، لأنك لو انطلقت في فهمك لحقيقة الصراع من الرؤية القرآنية، لحصل لديك فهم سليم وإدراك واعي بحقيقة اللعبة وخطورتها، ولوصلت إلى محصلة حاسمة ونهائية تقول، أنه عندما سقطت الحجاز وتبعتها فلسطين سقط العرب المؤتمنين على الرسالة، واستحقوا كل ما حل ويحل بهم من مصائب وويلات، ولا غرابة والحال هذه أن ينفذ الله وعده فيهم فيستبدلهم بقوم آخرين، ولعل هذا هو ما نراه يحصل اليوم بتبني إيران لقضية فلسطين ووحدة المسلمين والدفاع عن المستضعفين، ما أدى بالصهاينة العرب واليهود لإعلان الحرب عليها وعلى حلفائها باعتبارهم خطرا وجوديا يهدد كراسيهم ومراكزهم ومنافعهم الدنيوية الفانية.
وستدرك أيضا، أن من يدّعون أنهم يدافعون عن الإسلام باسم “السنة” من الحكام العرب هم أبعد ما يكون عن الإسلام المحمدي وثوابته ومبادئه وقيمه، كما أنك ستكتشف بذهول أن فقهاء السلاطين الذين يحملون لقب “العلماء” وليس لهم من العلم إلا التسمية، هم في حقيقة الأمر كهنة أسوء من كهنة فرعون، وأن الحكام العرب وفقهائهم ليسوا سوى خداما لليهود الصهاينة، وعلى رأسهم من برّروا للخائن السادات وعاهر الأردن توقيع اتفاقية السلام مع “إسرائيل” قياسا على معاهدة الحديبية.
هذا في ما طبيعة معاهدة الرسول أنها لا تفرط في حق ولا تسلم أرض، بقدر ما كانت اتفاقية وقف الأعمال القتالية من أجل السلام في الجزيرة العربية، وقد نقدها اليهود الخونة كما أكد ذلك القرآن الكريم فاستحقوا بذلك المواجهة. أما اتفاقية السلام مع الصهاينة في عصر المقبور السادات والعاهر الأردني الحالي، فكانت تفريطا في الأرض والمقدسات وفرصة لكسب المال الحرام من خلال تسويق مقولة “التطبيع من أجل السلام ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني”، هذا في ما الشعب الفلسطيني لم يوكل المقبور السادات ليتفاوض نيابة عنه مع الصهاينة المحتلين.
وقد رأينا كيف أن الأزهر فقد شرفه وتحول إلى مؤسسة كهنوتية في خدمة فرعون الطاغية عندما برر اتفاقية كامب ديفيد قياسا بما لا يقاس، ونقصد بذلك معاهدة الحديبية، هذا مع العلم أنه ليس في القرآن الكريم آية واحدة تدعو إلى تسوية أو معاهدة على أساس التفريط في حقوق المسلمين في الأرض العادية فما بالك عندما يتعلق الأمر بالمقدسات، وتحديدا المسجد الأقصى الذي يزعم اليهود زورا وبهتانا ومن غير دليل تاريخي أو علمي أنه أقيم على أنقاض هيكل سلميان عليه السلام.
لذلك نقول ونؤكد أن لا فرق بين قبلة المسلمين الأولى والثانية، وأن من يفرق بين بيت الله الحرام في مكة الكرمة والمسجد الأقصى في القدس الشريف لا يمكن أن يكون مؤمنا حتى لو صلى وصام وحج البيت الحرام.. لأن حج البيت الحرام لا يغفر لصاحبه الذنوب ولا يضمن له دخول الجنة إذا كانت الشعائر الدينية تمارس في ظل الاحتلال والاستسلام المهين والتخلي عن فريضة الجهاد المقدس والله تعالى يقول (ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتهم الأعلون إن كنت مؤمنين) آل عمران: 139.. فأين نحن من هذا الإيمان؟..
وبالتالي، فمن يدعى حماية الحرمين الشريفين ويقتل المسلمين بالإرهاب على امتداد جغرافية المنطقة والعالم، لا يمكن أن يكون مسلما فأحرى مؤمنا وتكون له حرمة وشرعية الدفاع عن المسجد الحرام في مكة، لأن حرمة النفس المسلمة أقدس عند الله من حرمة بيته بمكة، وإذا كان ذبح المسلمين في العراق وسورية وغيرهما يتم بالوكالة، فإنه في اليمن يتم بالأصالة ضد شعب مؤمن وفقير لا ذنب له سوى أنه أراد أن يعيش حرا كريما وسيدا، الأمر الذي لا يدع مجالا للشكل حول حقيقة إجرام وإرهاب وعنصرية ‘آل سعود’ اليهود التي لا تختلف في شيئ عن إجرام وإرهاب وعنصرية “إسرائيل”، ويكشف للعالن إلى أي حد اصبح الدم المسلم رخيصا في عهدهم.
ولو كان ‘آل سعود’ كما قال سماحة السيد استثمروا ما أنفقوه بسخاء في ذبح العرب وتمويل حروب أمريكا و”إسرائيل” ضد الأمة في مشاريع تنموية تعود على الشعوب بالخير والرفاه لما بقي في هذه الأمة جاهل أو عاطل أو احتلال، ولتحولت الدول العربية والإسلامية إلى قلاع وشعوبها إلى جنود مجندة للدفاع عن ‘آل سعود’ من أي خطر يتهددهم أو يتهدد أي دولة مسلمة، ولأصبحت دعوتهم إلى الجهاد يستجاب لها من كل أصقاع المعمور، ولتحول الغرب أمامهم إلى قزم يخطب ودهم وعطفهم.
*** / ***
ودليلنا على ما نقول، يتمثل في ثابتة إيمانية تقول، أن القرآن نفسه الذي هو كلام الله الحي الذي لا يموت، يربط بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى من خلال واقعة الإسراء والمعراج التي لم يفهم منها الكثيرون سوى أنها معجزة خارقة، وظل الخلاف قائم حول إن كانت قد تمت بالروح أم بالجسد، وهو نقاش شبيه بجنس الملائكة، لأن العقل يقول أن المعراج لا يمكن أن يتم إلا بالروح لا بالجسد، والقلب يقول إن الله على كل شيئ قدير.. هذا في حين أن مراد الله من ربط المسجد الحرام بالمسجد الأقصى ومنهما بسدرة المنتهى في السماء السابعة له معنى أعمق بكثير من ظاهر الرحلة الخارقة نفسها.
لأن هذا الربط الجغرافي الكوني إن صح التعبير، يدل بما لا يدع مجالا للشك على ارتباط شبه الجزيرة العربية بأرض الشام المقدسة وكلاهما بالسماء مباشرة، بمعنى وحدة الجغرافية التي اختارتها السماء لتكون أرض الرسالات ومهد الحضارات، وليس غريبا أن تجزئة بلاد الشام بالأمس زمن “سايكس وبيكو” وما يحدث في سورية اليوم هو لضرب هذه الوحدة تحديدا بما يعنيه ذلك من هدم لأهم ركن من أركان الوحدة الإسلامية في الوعي الجمعي للأمة، لأن هدمها وتفتيتها يؤدي وفق اعتقادهم إلى قطع الحبل الذي يربط الناس بالأرض المقدسة في مكة والقدس أفقيا وبالسماء عموديا، وبالتالي، المطلوب هو محو صورة هذا المثلث المقدس الذي رسمته رحلة الإسراء والمعراج في وعي الأمة وتحول إلى أحد ثوابت عقيدتها التي لا تصح إلا به.
والدارس لتاريخ المنطقة يدرك أن كل الحروب والصراعات التي دارت زمن الإمبراطوريات القديمة ولا تزال، مصدرها الأراضي المقدسة، لأن جوهرها ديني وإن اتخذت لبوس السياسة والاقتصاد، لأن من يحتكر الخطاب الديني ينتج القيم ويتكلم بلسان الله ليتحكم في عقول الناس وقلوبهم.
وحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الشهير الذي قال فيه (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، يؤكد على هذا الربط الجغرافي المقدس، ويفيد من وجهة نظر منطقية، أنه لا يمكن أن تتم الزيارة إلى هذه المساجد المقدسة إلا إذا كانت محررة وطرقها آمنة تحت سيادة المسلمين للوافدين إليها من مشارق الأرض ومغاربها.
كما وأن الرسالة السماوية من وراء معجزة الإسراء والمعراج تقول بكل اللغات، أن العهد الذي أعطي لبني إسرائيل قد انتهى بمقدم عيسى عليه السلام من غير صلبهم كما سبق وأوضحنا في مقالة سابقة، وأن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو وارث هذا العهد من جده إبراهيم خليل الله وأبو الأنبياء والرسل عليهم السلام جميعا، وبالتالي، لا شرعية لليهود الظلمة بعد الإسراء والمعراج في القدس وفلسطين، وأن أمة محمد هي المؤتمنة على مقدسات المؤمنين من مسلمين ومسيحيين وغيرهم، لأن رسالة ربها لها جاءت جامعة ومكملة لكل الرسالات السماوية السابقة بعد أن طالها التحريف والتزوير والتحوير، بدليل إمامة محمد لكل الأنبياء والرسل عليهم السلام في المسجد الأقصى قبل العروج إلى سدرة المنتهى، وفي ذلك دلالة بالغة على هذا المعنى.
كما أنه لا شرعية لـ’آل سعود’ اليهود في مكة والمدينة وشبه الجزيرة العربية، لأنهم فرطوا في العهد بظلمهم وخانوا الأمانة بتسليم مقدسات المسلمين لليهود الصهاينة، وبدل الجهاد في أعداء الأمة لتحريرها جاهدوا بأموال المسلمين في المسلمين لإدامة الاحتلال، وتأبيد الظلم والفساد، وضرب الإسلام من قواعده بعد أن فسدت النخب وأصبحت علمانية التوجه صهيونية الهوى.
هذه الحقيقة القرآنية العظيمة يترتب عليها موقف وعمل، الموقف يقول، أن كل من يدعي غير هذه الحقيقة يكون إما جاهلا أو غبيا أو متآمرا حتى لو ادعى الدفاع عن الإسلام باسم القرآن والسنة.. أما الموقف، فالقرآن والسنة النبوية يضعان المؤمن أما خيار واحد لا ثاني له، ألا وهو تحرير مقدسات المسلمين بالجهاد والقتال حتى يكون الدين كله لله، وكل تنازل عن هذا الواجب هو خيانة لله ورسوله وتعاليم دينه، والجهاد يكون ببدل الجهد والمجاهدة بالكلمة الصادقة والموقف السياسي والمال وكل ما في استطاعة المؤمن تقديمه للقضية. أما القتال فواضح ولا يحتاج إلى تفسير، ويكون بالإرادة والتضحية وعشق الشهادة وتوفير كل ما يمكن من أسباب القوة تحت قيادة رشيدة وصادقة، وله أوجه كثيرة من الانتفاضة إلى المواجهة الشاملة، ومبرره القرآني قوله تعالى (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق…) الحج: 39 – 40. وغيرها كثير مما لا يسع المجال لعرضه في هذه العجالة.
هذه الحقيقة القرآنية العظيمة، تفضح كل من يدعي كذبا ونفاقا أنه يدافع عن الإسلام ومقدسات المسلمين، في حين أن مواقفه وأفعاله تؤكد صباح مساء أنه يتآمر على الأمة وعلى دينها ومقدساتها خدمة لأعدائها، مرة بوهم السلام، ومرات بالحروب المباشرة والناعمة على المستضعفين منهم، وليس أدل على ذلك من قوله تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله)، ونهى أمة محمد عن أن يتخذوا من اليهود والنصارى أولياء كما يفعل ‘آل سعود’ ومن يدور في فلكهم مع أمريكا و”إسرائيل” واعتبر من يفعل ذلك أنه منهم ويدخل في زمرة القوم الظالمين الذين سيهزمون ولن يكون لهم يوم لقاء الله من خلاص.
وفي هذا الإطار تحديدا يمكن فهم حقيقة الحرب الكونية التي شنت على سورية لإنهاء ما تبقى من بلاد الشام بالتقسيم العرقي والطائفي والمذهبي، ويتم المرور بعد ذلك لشبه الجزيرة العربية كي لا تقوم لأمة محمد بعد ذلك قائمة، لاعتقاد اليهود أن العهد الإلهي لم ينزع منهم، وأن لهم حقا إلهيا في فلسطين وفق الرؤية التوراتية المزورة، وأن هذه الرؤية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال هزيمة المسلمين، ليس بالحروب والفتن فحسب، بل هزيمتهم في عقيدتهم على وجه الخصوص، من خلال تشويه دينهم والطعن في قرآنهم واتهامهم بالإرهاب ليتحولوا إلى أمة منبوذة في العالمين.
لهذه الأسباب، يعتبر القبول بـ”إسرائيل” في المنطقة وعقد اتفاقيات السلام معها والخضوع لـ’آل سعود اليهود’ قبول بالظلم والباطل وخضوع للذل والهوان، وهو ما لا يقبل به الله ولا يرضاه لعباده، ومن يقبل به يذله الله ولن يجد له نصيرا لا في أمريكا ولا تل أبيب ولا غيرها..
وقدر هذه الأمة أن لا تنهض من كبوتها حتى تستعيد وعيها وتعقد العزيمة على تحرير أرضها ومقدساتها واسترجاع كامل حقوقها غير منقوصة بما في ذلك سيادتها المغتصبة، وأن تسترخص في سبيل ذلك الغالي والنفيس، لأن ما عند الله خير من الدنيا وما فيها، وهذا هو الجهاد الحق الذي يعتبر فرض عين على كل مسلم قادر اليوم وغدا.