ولد الشيخ احمد عندما يحصر مهمته في تدمير الصواريخ البالستية اليمنية!!
عبدالعزيز ظافر معياد
في واحدة من مقابلاته التلفزيونية القليلة، ظهر إسماعيل ولد الشيخ احمد، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدث الى اليمن ،مساء الثلاثاء الماضي ،على شاشة فرانس 24 ،ليتحدث فيها عن تفاصيل مهمته و القضايا الخلافية التي تحول دون التوصل الى تسوية سياسية تضع نهاية لحرب توشك على دخول عامها الثالث في اليمن، والمفاجئة التي جاءت في المقابلة لم تكن في اشارته المقتضبة والخجولة لخطر المجاعة المحدق الذي يهدد ملايين اليمنيين ،أو في عدم اكتراثه بها رغم وصف المنظمات الدولية المختلفة بانها الكارثة الإنسانية الأكبر في الوقت الراهن.
-كانت المفاجأة في الأهمية البالغة التي اولاها ولد الشيخ لمسألة الصواريخ البالستية اليمنية وما تمثله من خطورة على الامن السعودي ،فقد اعرب عن اقتناعه بأن اليمن لن يشهد استقرار على المدى الطويل إلا بتسليم الأسلحة البالستية، وهو كلام فيه ادانة للسعودية -دون ان يقصد ذلك بالطبع –بعدم السماح باستقرار اليمن في ظل امتلاك صنعاء للصواريخ البالستية حتى في حال كان هناك نظام غير معادي للرياض.
-المهم هنا ان ولد الشيخ كشف في حديثه ان مصير هذه الصواريخ ما زال محل نقاش ، وان المطروح على الطاولة هو أما تسليمها إلى طرف ثالث، أو إلى لجنة عسكرية، او تدميرها؟ جراء ما تمثله من خطر على الرياض، وجدة ومكة وغيرها، وكان لافتا تأكيده مجددا على انه “لن يكون هناك حل إلا إذا دمرت هذه الصواريخ” بصورة توحي بأن هذه المسألة أمرها محسوم كشرط لوقف الحرب.
-صحيح أن قضية الصواريخ الباليستية، ليست جديدة ،والجميع يعرف بإثارة الرياض لها ،لكنها المرة الأولى التي يكشف عن كونها قضية وشرط رئيسي لتوقف الحرب بل ان ولد الشيخ ربطها باستقرار الأوضاع في اليمن لعقود قادمة ،وهذا الامر يظهر الأولوية المطلقة التي يوليها ولد الشيخ لضمان استقرار السعودية في أي اتفاق سياسي وتقديمه ذلك على الاستقرار في اليمن نفسه.
-كما ان الامر الاخر اللافت في مسألة الصواريخ البالستية ،يتمثل في ان ما كان يثار بشأنها هو مسألة تسليمها الى الطرف الثالث –الذي يفترض انه يمني من الوية وقيادات عسكرية محايدة لم تشارك في الحرب-بمعنى ان الجيش اليمني سيبقى محتفظا بالصواريخ ولم تطرح مسألة تدميرها من قبل ،لكن يبدو من الحديث عن خيار اتلافها ان هناك حرصا سعوديا لإبقاء الجيش اليمني منزوع السلاح او ما يتعلق بالنوع الهجومي منه على الأقل ،وهذا الامر لن يكون ممكنا الا بإجراءات أخرى تتمثل في فرض حظر على دخول السلاح الى اليمن لعقود من الزمن، إضافة الى إبقاء جميع مناطقه تحت اعين ورقابة فرق التفتيش الدولية مع عمليات متتالية من المداهمات الفجائية والمصرح بها في أي وقت ومكان تحدده تلك الفرق ،وبصورة تعيد الى الاذهان المطالبات الامريكية من نظام صدام بتسليم وتدمير مخزون الصواريخ التي كانت لديه وعمليات التفتيش التي تمت، والتي لم تحول دون اسقاط نظام صدام.
-هناك نقاط عديدة تطرق اليها ولد الشيخ في مقابلته مع فرانس 24 لعل أكثرها إيجابية يتمثل في استمرار تفاؤله بإمكانية الحل السلمي للازمة اليمنية بل واظهاره ثقة بقرب التوصل الى تسوية سياسية خلال الأسابيع المقبلة بصورة قد لا تتناغم مع التصعيد المتواصل للعمليات القتالية على الارض، وربما مرجع ثقته نابع من ضرورات عمله لضمان استمراره في منصبه اكثر من كونه معبرا عن معطيات واقعية ينطلق منها، أو لشعوره ان اسقاط ميناء الحديدة عسكريا في عملية تنتظر الضوء الأخضر من واشنطن، كفيل برفع الحوثيين وصالح للراية البيضاء والعودة مجبرين الى طاولة التفاوض للتوقيع على السلام وفق الرؤية التي يروج لها .
-كما ان اقتناعه بأن الحل السياسي هو الوحيد الذي يمكن ان ينجح ، في حين ان الحل العسكري حتى في حال تمكن احد طرفي الصراع من حسمه لصالحه لن يصمد طويلا وسترجع الازمة من جديد، هو أمر ايجابي وصحيح، لكن المشكلة في طرفي الصراع ،اللذان يظهران عدم اكتراث بهذه الحقيقة، كما يوحي كلام ولد الشيخ بقناعته ان التطورات العسكرية الحالية لا تصب في مصلحة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق، وان هناك تحولا جذريا حدث في موازين القتال على الأرض خلال العامين الماضيين، وهى قراءة واقعية للتطورات ،لكن الأهم هنا مدى تأثيرها على وضع الطرفين في التسوية السياسية المنتظرة .
-ابدى المبعوث الاممي تمسكا بخارطة الطريق المقدمة من قبله نهاية العام الماضي، مبررا ذلك بانها حصيلة مفاوضات الكويت وليست كما يروج له بأنها أفكار قدمها وزير الخارجية الأمريكي السابق كيري، والغريب هنا انه لم يشر لا من قريب او بعيد للقرار الدولي الجديد 2342،وكأنه لم يصدر بالمرة او بعدم تأثيره على مسار التسوية المقرة من قبل وصول إدارة ترامب الى البيت الابيض.
-كان لافتا عدم خوضه بالتفصيل بشأن ما دار في اجتماع اللجنة الرباعية زائدا واحد في لندن الاثنين الماضي والنتائج التي تمخض عنها، ما يؤكد انه كان مجرد اجتماع لتبادل الآراء ومناقشتها واقرب ما يكون الى الاجتماع التحضيري لاجتماع آخر مقبل للجنة الدولية على مستوى وزراء الخارجية، كما تجنب ولد الشيخ الحديث عن موعد استئناف جولته التي قطعها في المنطقة قبل ذهابه الى لندن، ويبدو انه ينتظر ما ستسفر عنه زيارة محمد بن سلمان الحالية لواشنطن وبصورة توحي ان تحركاته ووتيرة نشاطه لا يتحكم بها وانما تملى عليه من قبل الرياض.
-هناك نقاط أخرى تطرق اليها ولد الشيخ احمد في حواره يمكن اعتبارها نقاطا في غير صالح الحوثيين والرئيس السابق منها:
-اظهر بصورة ضمنية ان الأمم المتحدة تتعامل مع طرفي الازمة كشرعية ومتمردين أكثر من كونها قوى سياسية متصارعة كما تطالب به قوى صنعاء، ورغم تجنبه الإشارة الى ذلك صراحة ،لكنه حرص على تأكيد شرعية هادي وحكومته واعترافهم وتمسكهم بهم كمنظمة دولية.
– اكد على محورية ودور هادي في الازمة وفي أي حل سياسي مقبل ،ما يعني اغلاق الباب امام أي مطالب بتنحيته او وضعه على الرف خاصة من حيث دوره في المصادقة على أسس التسوية المقبلة، لكن الامر الأكثر أهمية ليس في حرص الرياض على اشراف هادي على ما تبقى من خطوات لاستكمال عملية الانتقال السياسي في اليمن بقدر ما هو تأكيد على شرعية هادي وإقرار الحوثيين وصالح بها لان اقرارهم بذلك معناه الإقرار بشرعية الحرب التي شنتها السعودية عليهم باعتبارها جاءت بناء على طلب الرئيس الشرعي، ومن ثم اغلاق الباب مستقبلا امام رفع أي دعاوي بحقها امام المحاكم اليمنية والدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
-تحدث ولد الشيخ للمرة الأولى عن وجود شكوك لديه بشأن مدى التزام الحوثيين وصالح بتنفيذ الإجراءات الأمنية المتعلقة بهم في التسوية المقترحة، وهذا الامر معناه انه سيحرص على تضمين الاتفاق كل الإجراءات اللازمة الكفيلة بمعالجة الشكوك بشأن التنفيذ.
-كما تحدث عن اعتراف الحوثيين بتلقيهم دعم من ايران دون ان يكشف تفاصيل ذلك ،لكن حديثه جاء بصورة حاول من خلالها تأكيد صحة الاتهامات الموجهة لإيران بوجود يد لها في الازمة ،بل وحاول اظهار كذبها بحديثه عن انكار الإيرانيين لأي دور لهم في ذلك في وقت يقر فيه الحوثيين بذلك.