الدولة العربيّة التي لا يحميها أبناؤها لا تحميها القواعد العسكريّة الأجنبيّة !
د. كاظم ناصر
في الدول العربية توجد جيوش جرّارة بأعداد أفرادها وضبّاطها، ونشتري لها أسلحة أمريكية وأوروبيّة بمئات مليارات الدولارات، وتضم ضباطا يلبسون أفخر الألبسة، ويعلّقون على أكتافهم أعلى الرتب العسكريّة، وتختفي بزّاتهم وقمصانهم العسكرية تحت … الأوسمة والنياشين … التي كسبوها وهم يأدّون التحيّة العسكريّة للقائد المعظّم، أو في المعارك التي خاضوها ضد المتظاهرين المسالمين المحتجّين على البطالة وغلاء المعيشة وعدم توفّر رغيف الخبز لهم ولأبنائهم ، أو بتعذيب السجناء السياسيين الأبرار حتى الموت ، أو في حروب قبليّة بين أبناء الوطن الواحد، أو بموأمرات داخليّة بين أفراد العوائل الوارثة للحكم، أو في حروب عربية – عربية قتلوا فيها أخوة لهم في العروبة والدين .
إن أوسمتهم ونياشينهم التي تزيّن صدورهم لا تخفي فشلهم، وجهلهم، وعدم قدرتهم على القيام بواجبهم في حماية أوطانهم ومواطنيهم .إنها أوسمة ملوّثة بدماء أبناء شعوبهم، … ولم يكسبوا واحدا منها في معركة أو حرب مشرّفة خاضوها ضد أعداء الأمة … لأنهم هزموا في كل ّواحدة من تلك المعارك والحروب في ساعات أو أيام .
في الدول الحديثة الديموقراطية التي تصان فيها حقوق الشعوب وكرامتها، ولا أحد يحكم فيها حتى يتوفاه الله أو يقتل كما يحدث عندنا، ويتم تبادل السلطة عن طريق نتائج صناديق الإقتراع بطرق سلمية وحضارية . في هذه الدول توجد جيوش حديثة غير مسيّسة مهمتها الدفاع عن الوطن والمواطن ، وشعوب موالية لأوطانها وتعتز وتفتخر بإنتمائها إليها، وتلتزم بالخدمة العسكريّة الإجباريّة لتتدرّب على السلاح وتكون مستعدة لمشاركة الجيش في الدفاع عنها وحمايتها إذا إعتدى أحد عليها.
الحاكم العربي لا يمثّل شعبه لأنه لم ينتخبه وفرض عليه بالوراثة أو سيطر على الحكم بالتآمر والبندقية . ولهذا فإن الشعب لا يثق به، وهو لا يثق في الشعب والجيش ورجال الدولة العاملين معه، ويتصرف بالوطن وكأنه مزرعته الخاصّة ، ويظل ” ولي الأمر” المستبد المتسلّط إلى أن يتوفّاه الله وهو على عرشه، وحتى عندما يمرض .. ويخرفن .. ويصاب بالكساح الجسديّ والعقلي فإنه يقود .. قبيلته .. وهو على كرسي متحرّك . إنه … توريثيّ بتكوينه العقلي والقبلي … ، ولهذا فإنّه يورّث العرش لأحد أبنائه ، ويورّث الجهل والمرض والخوف والذل والتخلّف لشعبه .
معظم حكامنا الفاشلين المضطهدين لشعوبهم باعوا السيادة الوطنية، وقبلوا وجود قواعد عسكرية أمريكية تضم عشرات آلاف الجنود ، وأعدادا كبيرة من الطائرات المقاتلة والدبابات والأسلحة الحديثة مقابل حمايتهم هم وعوائلهم وإبقائهم على عروشهم . إن دول الخليج جميعها فيها قواعد ضخمة كقاعدة الدوحة في الكويت، وقاعدة الأمير سلطان الجويّة في الرياض وهي أكبر قاعدة جويّة في الشرق الأوسط ، وقاعدة العديد أكبر مخزن للسلاح الأمريكي في العالم العربي في قطر، والقاعدة البحرية الأمريكية في البحرين التي تدير الوجود البحري الأمريكي في المنطقة، وقاعدة عمان للقاذفات بعيدة المدى ” بي آي ” وللطائرات التي تزوّد المقاتلات بالوقود، وقاعدتين جويّتين في كل من الإمارات والأردن وقاعدة في جيبوتي .
التاريخ شاهد على أن الدول الإستبداديّة المتخلّفة تبني جيوشا متخلّفة لا تستطيع أن تحميها . لقد ثبت لنا هذا نحن العرب في حروبنا مع إسرائيل . لقد هزمنا فيها جميعا لأن الجيوش التي خاضتها كانت .. متخلّفة عدّة وعلما وثقافة .. ولم تكن مستعدة لخوض غمارها، وإن الشعوب العربية كانت مغيّبة ولم تشارك فيها لأن الحاكم العربي أراد ذلك .
لو كانت الشعوب العربية حرّة وتعيش بكرامة في أوطانها، ومدرّبة ومسلّحة، وشاركت في تلك الحروب لما كان من الممكن لإسرائيل أن تنتصر فيها . في الحقيقة لو تركت إسرائيل للشعوب العربية والأسلامية بعد إقامتها لكان من المستحيل أن تظلّ موجودة كدولة صهيونية معتدية . إن تجارب الشعوب في فيتنام، وجنوب إفريقيا، وروديسيا تثبت أن الشعب الذي يسلّح ويعدّ ويسمح له بمنازلة أعدائه لا يهزم أبدا .
الحكام العرب الذين يعتقدون أن أمريكا وبريطانيا وإسرائيل ستحمي لهم .. دولهم القبائليّة وعروشهم .. يعيشون على أوهام ولم يتعلموا شيئا من التاريخ . أمريكا تخلّت عن الملك سعود عندما عزله إخوانه، وشاه إيران بعد قيام الثورة الإسلامية ولم تسمح له حتى أن يقيم كلاجىء سياسي فيها، وأمير قطر خليفة عندما عزله إبنه حمد، وزين العابدين بن علي ، وحسني مبارك الذي قدّم أعظم الخدمات للغرب وإسرائيل، وإنها لن تتردّد في أن تفعل بهم ما فعلته بغيرهم !
الشعوب الديموقراطية الواعية المدرّبة على حمل السلاح التي تحصل على حقوقها وتعيش بحرّية وأمن وكرامة في أوطانها تموت دفاعا عنها، وتنجح في حمايتها، ولا تحتاج لدول أجنبية ! الدول الأجنبية وقواعدها وإسرائيل لن تحمي الحكّام العرب عندما ينتهي دورهم ويحين وقت تغييرهم واستبدالهم بطواقم جديدة تخدم نفس الدول الأجنبية بطريقة أفضل من التي خدمها بها أسلافهم . الحاكم الذي يراهن على حماية الأجانب له لا يستحق أن يكون حاكما، لأنه يجلب لوطنه العار والدمار تماما كما فعل الحكّام العرب بنا .
.الدول العربية لا يحميها إلا شعوبها . لو أن الحاكم العربي أقام دولة عدالة وقانون ديموقراطية تحترم المواطن وتحميه، وتقدّم له ما يستحق من خدمات، وآمن بتبادل دستوري للسلطة، وفرض الخدمة الإجبارية ليتعلم الشعب كيف يستخدم السلاح ويدافع عن وطنه، لتمكن الشعب من حمايته هو ودولته والوطن، ولدخل التاريخ بطلا مخلّدا، ولما إحتاج إلى قواعد وعساكر أجنبية لتحميه .. مؤقتا .. وتدمر وطنه !