صراع الاجندات الإماراتية السعودية في جنوب اليمن: المقدمات والمألات

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 3040
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

عبدالوهاب الشرفي
يبدوا المشهد في محافظات اليمن الجنوبية و على وجه الخصوص حاضرة تلك المحافظات و العاصمة الاقتصادية للجمهورية اليمنية محافظة عدن مشهدا مضطربا بقوة و بشكل بدأ يخرج عن السيطرة وتزداد حدة المواجهات فيه يوما عن يوم في مختلف الميادين السياسية و الامنية و الاقتصادية و العسكرية .
دخل التحالف السعودي الحرب على اليمن قبل مايقارب العامين حسب مايعلنه لاعادة مايسمى ” الشرعية ” الى السلطة ومنذ البداية واجه مشكلة تمثلت في ان هذه ” الشرعية ” لا تمتلك القوة على الارض لا العسكرية منها ولا القبلية ، وبالتالي كانت مسئلة توفير قوة مقاتلة ” للشرعية ” هي اول المهام التي عمل عليها التحالف السعودي ضمن مهامه في ما يسميه ” عاصفة الحزم ” .
كان المكون المرشح لتشكيل قوة ” الشرعية ” هو حزب الاصلاح باعتباره المنافس الطبيعي للقوى التي تسمى ” بالانقلاب ” – المؤتمر الشعبي و انصارالله – لكن هذه التشكيل للقوة كان متاحا في المحافظات الشمالية بينما لم يكن ذلك بالممكن في المحافظات الجنوبية لان هناك مكون فاعل في الجنوب يرفض الاصلاح كونه مكون سياسي محسوب على قوى الشمال و يراه شريكا في الحرب التي شهدها اليمن في 94 م ضد الجنوب – كما يراها هذا المكون و هو الحراك الجنوبي النازع للانفصال واستعادة دولة الجنوب قبل الوحدة اليمنية ، وهذا المانع هو من جهة بينما من جهة اخرى كان تكوين قوة من الاصلاح في الجنوب امرا مرفوضا امارتيا ليس في المحافظات الجنوبية فقط وانما في المحافظات الشمالية كذلك ، لكنها تغاضت عن الفكرة في محافظات الشمال لاعتبارين الاول انه ما من مكون اخر غير الاصلاح يمكن ان تشكل منه قوة ” الشرعية ” بالقدر الكافي للمعركة و الثاني ان الحكومة كانت لاتهيمن عليها قوى الاخوان – والاصلاح راس هذه القوى – فالرئيس هادي ليس اخوانيا و رئيس الحكومة خالد بحاح ذات الحال ، وكلاهما كانا في بداية الحرب على اليمن مقبولان امارتيا مع شيئ يسير من التفاوت ولصالح بحاح .
إرتئت السعودية و الامارات ان تتلاعبا على المكون الجنوبي الذي يمكن تنميته لتكوين قوة ” للشرعية ” في المحافظات الجنوبية ومن ثم توزيع الادوار بينهما فتتولى الامارات الحصة الاكبر من الادارة في محافظات الجنوب وتتولى المملكة الحصة الاكبر منها في محافظات الشمال ، و هو بالفعل ماتم وبدأت ” المغازلة السياسية ” للحراك الجنوبي بتصريح تكرر من رئيس وزراء الجمهورية اليمنية حينها خالد بحاح بان قضية انفصال الجنوب ستكون مطروحة على طاولة المفاوضات وهو ما شجع كثير من فصائل الحراك الجنوبي للتعاطي مع التحالف السعودي و بدأ التشكل في شكل ” مقاومة ” عسكرية ادارتها الامارات بشكل مباشر تبعا لتوزيع الادوار بينها وبين السعودية و في ضل حالة انسجام كامل بينهما سادت بداية حربهما على اليمن .
النجاح الذي حققه التحالف السعودي في محافظات الجنوب اغراء الامارات للمواصلة والتقدم باتجاه المحافظات الشمالية وتوجهت قوتها لمحافظة مارب لبدأ معركة ” تحرير ” المحافظات الشمالية قافزة فوق رفضها لقوة ” الاصلاح ” فقد كانت مطمئنة للسيطرة السعودية على تلك القوة و لكنها تلقت ضربة موجعة قتل فيها العشرات من الجنود الاماراتيين لتفيق من الضربة وتدرك انها تنزلق لمستنقع تتشكك فيه ان الاصلاح يلعب ضدها ويعمل على القصاص منها كرد فعل على اقصائه من الحضور في محافظات الجنوب ، و قررت الامارات ان تقف عن الانزلاق اكثر في محافظات الشمال تاركة الامر للسعودية على ان تسندها بفصائل مقاتلة من ابناء المحافظات الجنوبية للقتال في جبهات الشمال ، واقتصرت الامارات على ادارة المشهد في محافظات الجنوب .
كان توزيع الادوار هذا بين السعودية والامارات يتم في ضل حالة انسجام وتفاهم وتفهم بينهما ماسمح للامارات ان تحضر بشكل هيكلي في ادارة محافظات الجنوب ، وتبعا للضربة الموجعة التي تلقتها الامارات في مارب رفعت من حدة رفضها للاصلاح في الجنوب وعملت على اقصائه ما امكنها ذلك من الوجود ضمن اوعية السلطة في تلك المحافظات ، وكان هذا الامر يلقى تفهما او لنقل غض طرف من السعودية لفهمها حالة الصراع الاماراتي الاخواني على مستوى الاقليم وكانت تفسر كل الحوادث من هذا النوع انها انعكاس لحالة الصراع الاقليمي تلك .
كانت محطة الكويت التفاوضية بين المكونات اليمنية واحدة من اهم المحطات التفاوضية والتي اعد لها بشكل جيد اثر على هامش المناورة امام السعودي للتلاعب بالملف اليمني لمنعه من الوصول لحل قبل بلوغها لاجندتها من وراء الحرب على اليمن ، وكانت تتوجس ان يخرج الامر من يدها لفهمها ضعف موقف هادي في المبادرة الخليجية بانتهاء ولايته وفي القرار الاممي بدعمه لاستكمال التشاور حول مسئلة الحكم بين المكونات السياسية اليمنية ، ونظرا لذلك التوجس اضطرت السعودية ان تنسق مع هادي لخطوات احتياطية استباقية لاي مفاجاءات قد تحدث في الكويت و تمثلت تلك الخطوات في الاطاحة ببحاح من رئاسة الوزراء و بتعيين علي محسن نائبا للرئيس .
وجدت الامارات ان ” الشرعية ” التي تقاتل تحت عنوان اعادتها للسلطة قد مسخت تماما وباتت تمثل منظومة الاخوان في اليمن بشكل جوهري ولم يعد الامر قوة اخوانية تقاتل ” للشرعية ” وانما تم مسخ السلطة ” الشرعية ” ذاتها لتصبح منظومة الاخوان المسلمين هي الحاضر الاكبر فيما يسمى ” الشرعية ” من الناحيتين السياسية و العسكرية ، ورأت الامارات في مسخ السلطة بالاطاحة بالرجل الاقرب اليها و بالاتيان بنائب يحسب بانه الركن الاول لمنظومة الاخوان في اليمن خيانة سعودية لها ترتب عليها تحول الحالة في اليمن الى حالة تهديد لامن الامارات القومي بشكل مباشر وليس حالة سعي لتسوية الملعب اليمني تبعا للتصورات الخليجية كما كان الامر عند دخولها في ما يسمى التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن .
مسخ السلطة ” الشرعية ” هذا لصالح منظومة الاخوان قضى على حالة الانسجام التي سادت بين السعودية و الامارات قبله ، و نتيجة له ايضا اندفعت الامارات في استكمال تسوية ملعب الجنوب لصالحها بحدة لم تكن تبدوا عليها من قبل ، وكان الهدف هو اقصاء السلطة ” الشرعية ” لان اي وجود لها فضلا عن التمكين لها في المحافظات الجنوبية يعني وجود و تمكين لسلطة جوهرها منظومة الاخوان في اليمن وهو امر تراه الامارات تهديدا لامنها القومي بشكل مباشر في ضل حالة الصراع الاماراتي الاخواني على مستوى الاقليم فقيام سلطة يحظى الاخوان فيها بالجزء المحوري في المحافظات الجنوبية من اليمن تعني قيام سلطة للاخوان على حدودها وهو امر يمثل خطرا محدقا بالنسبة لها ولايجب التساهل تجاهه .
اعتمدت الامارات ثلاث اساليب للعمل في محافظات الجنوب لحماية نفسها مما تراه تهديدا لامنها القومي بعد مسخ السلطة ، تمثل الاول في تكوين فصائل عسكرية تحمل اجندات الانفصال بشكل صرف و تمثل الثاني في صنع اوعية ادارية تمنع اوعية سلطة ” الشرعية ” من الحضور و الاستقرار في المحافظات الجنوبية وتمثل الثالث في العمل على الاطاحة او مسخ اي عناصر قوة كانت قائمة وتحسب على ” الشرعية ” .
كانت السعودية تعتمد لحضورها في المشهد الجنوبي على عناصر ” الشرعية ” و وجدت نفسها تزاح من مشهد الجنوب بشكل شبه كلي نتيجة ستهداف الامارات ” للشرعية ” هناك ، فقد تم السطو على المنطقة الثانية الواقعة قيادتها في حضرموت و يتم تشكيل قوة جنوبية لحماية المنشاءات النفطية يراد لها تتبع المنطقة الثانية وليس قيادة ” الشرعية ” في مارب كما يتم السعي اماراتيا للتفرد بالحضور في جزر باب المندب وكذلك استهداف لاي عمليات تجنيد تتم لصالح ” الشرعية ” من ابناء المحافظات الجنوبية ، وتعمد لعدم تفعيل الخدمات للاساءة والنيل من ” الشرعية ” وسحب البساط من تحتها جماهيريا و تحريض المواطنين ضدها وغير ذلك من صور الاستهداف الاستهداف .
مثل السعي الاماراتي للتفرد بجزر باب المندب و بالتحديد جزر الاشقاء السبعة جرس انذار للسعودية بانها قد تقصى من المحافظات الجنوبية ككل بما في ذلك اهم نقطة تعنيها وهي الوجود في الهيمنة على باب المندب ومن هنا بدأت السعودية في فتح عينها على السعي الاماراتي للاستفراد بالجنوب و قررت العمل على اعادة فرض وجودها في المحافظات الجنوبية و شرعت بدورها في المشادة مع الامارات .
كانت الامارات تشادد ” الشرعية ” باستخدام الحراك الجنوبي الذي صنعته هي ولكون السعودية تعتمد في حضورها على عناصر ” الشرعية ” فقد كان رد السعودي هو عبر ” الشرعية ” كذلك ، وبدأ الرد السعودي في المحافظات الجنوبية ياخذ اكثر من اتجاه فمن اعادة قوة جنوبية تقاتل مع ” الشرعية ” في البقع بصعدة الى محافظة عدن ، الى الصراع على مسئلة قوة امن المطار ، الى الصراع على الحزام الامني لعدن و الحزام الامني لابين ، الى رفض إلحاق القوة الجنوبية المعدة لحماية منشات النفط بالقيادة ” الشرعية ” في مارب ، واخيرا الى دخول القوات السودانية على الحدث بشكل مباشر ومهاجمتها للقوة الامنية لمطار عدن والسيطرة على مواقع امنية في المطار بحجه التمرد على ” الشرعية ” .
لازال المشهد في المحافظات الجنوبية مفتوحا على التصعيد فالسعودية لن تقبل مطلقا بالاقصاء او بالدور الهامشي في باب المندب خصوصا في ضل انزياح اسواقها للنفط باتجاه جنوب اسيا لان ذلك سيعني ان المملكة لم تحقق شيئ على الاطلاق من وراء ماتسمية ” عاصفة الحزم ” ، كما ان التواجد لمنظومة الاخوان في المحافظات الجنوبية لن تقبل به الامارات على اي حال لان ذلك سيمثل عمقا استراتيجيا لخطر الاخوان يهدد امنها واستقرارها بشكل مباشر و خصوصا بعد التصعيد السوداني بالتدخل بالقوة في مطار عدن فالسودان بحد ذاتها تصنفها الامارات ضمن الانظمة الاخوانية المعادية في الاقليم .
هذا الصراع الاماراتي السعودي تبلور كلية في شكل حرب باردة بينهما تستخدم فيه الامارات القوى التي شكلتها كحراك جنوبي متطلع لدولة جنوبية و بات الاعتماد عليه يمثل حالة يمكن وصفها بالعملية الانقلابية على هادي ، وتستخدم فيه السعودية قوى ” الشرعية ” – ومنظومة الاخوان ركيزتها الاساسية – في محاولة لاستعادة حضورها في المشهد الجنوبي حتى لو ادى ذلك الى مواجهات عسكرية ولا مانع من تفعيل الجماعات الارهابية التي بدأت تمدها بالاسلحة في ابين .
ما يجعل هذا الصراع الاماراتي السعودي مرشحا للاستمرار هو عدم جنوح السعودية للمخرج الذي كانت الامارات تريده للورطة في اليمن والمتمثل في اعادة صياغة السلطة ” الشرعية ” بالاطاحة برجل منظومة الاخوان الاول محسن من موقع نائب الرئيس والاتيان بنائب توافقي و باعادة تشكيل الحكومة بصورة توافقية تعيدها لوضعها المتناسب مع اتفاف السلم والشراكة الذي انبثقت عنه حكومة بحاح ، وتبعا لذلك تسوية المشهد اليمني بالكامل بالشكل الذي كان عليه قبل مايسمى بعاصفة الحزم من ناحية توازن القوى في اليمن ، لكن هذه الرغبة الاماراتية لاتزال بعيدة المنال للمعارضة السعودية لها حتى اللحضة .
رئيس مركز الرصد الديمقراطي ( اليمن )