بل وثائق إدانة.. لا لوحات “بطولة”!
نبيل نايلي*
“إن أهداف تحالفنا واضحة ومحدّدة، سوف نُنهي نظاما وحشيا طالما كانت اعتداءاته وأسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها خطرا شديدا على العالم. وسوف تقوم قوات التحالف بالمساعدة على حفظ الأمن وسيادة القانون حتى يستطيع العراقيون أن يعيشوا في أمن وأمان”! مقتطف من نص رسالتيْ الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
منذ مغادرته البيت الأبيض في عام 2009، وتحويله دولة العراق إلى ما هي عليه الآن، وبعد تفرّغه للرسم الزيتي، عاد مجرم الحرب، الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، George W. Bush، إلى الأنظار مجدّدا من خلال نشره كتابا حمل عنوانا يتعارض تماما مع ما خلّفته حروبه غير الشرعية غير المنتهية من مآسي لماّ تندمل جراحاتها. كلاّ، لا يعتذر مجرم الحرب بوش عن جرائمه النكراء، ولا عن جرّه أفغانستان والعراق، والمنطقة بأسرها لاحقا، إلى دمار وخراب لا تزال تعاني منهما، وكيف يعتذر وغيره من مجرمي الحروب، وهم كثر، لم يُعرضوا أمام المحاكم الدولية، ولا حتى قدّم أصحاب القضية أنفسهم-رفعا للعتب- قضايا ضدّهم، الآن وقد تبيّن للقاصي والداني زيف الحجج الباطلة التي سوّقوا لها أيام قرعهم طبول حربهم المستدامة؟
“لوحات من الشجاعة، Portraits of Courage”، هو العنوان الذي اختاره ليكرّم “القائد الأعلى، A Commander in Chief” مجموعة من قدامى محاربي الجيش الذين جرّعوا العراق وماجداته ورجاله علقم العامرية وعار أبو غريب وغيرهما من مسارح مآسي العراق. هكذا نوّه الكتاب في عنوانه الفرعي “بتكريم الرئيس القائد لمحاربي أمريكا”!
كتاب ضمّ لوحات لــ98 من الجنود الأمريكيين القدامى والجرحى الذين أُصيبوا بجروح بليغة أثناء الحرب أو عادوا من العراق أو أفغانستان بصدمات نفسية. كل لوحة ترافقها حكاية يرويها بوش عن الجندي أو الجندية تشريفا “لتضحية وشجاعة المحاربين أمريكا القدامى”! كلّ ذلك دون مجرّد الإشارة لما ارتكبوه من فظاعات ولا زالت مضاعفاتها على أجيال متعاقبة! فلا بواكي على العراق وأهله!
جورج بوش الذي لم يعرب عن ذرّة أسف عمّا اقترفه سواء في أفغانستان عام 2001، أو في العراق عام 2003، وما تسبب فيه من موت مئات الآلاف من الضحايا، مدنيين وعسكريين، اكتفى بالإعلان، على حسابه في إينستاغرام، أنه بهذا “يعرض جهوده لمساعدة بعض “رجال ونساء مرموقين أُصيبوا أثناء تنفيذهم أوامري”!
بوش أضاف أنه يفكّر فيهم في “يوم المحاربين القدامى، وفي كل يوم يمرّ”، وهو يظهر بصدد رسم لوحة انطباعية لأحد المحاربين التي كانت في معرض “مركز جورج بوش، George W. Bush Presidential Center” في دالاس.
طبعا فإن مداخيل لوحات بوش الذي يتغنّى ب”شجاعة محاربيه القدامى وبطولاتهم” و”شرف مهنتهم”، وهم ينفّذون أوامر جريمته النكراء، ومبيعات الكتاب الذي سيخلّد ذكراهم، ستعود إلى المركز –غير الربحي- كلّ ذلك لن يطمس مطلقا حقائق بشعة لعمود الخيمة، العراق، مقطّع الأوصال ينزف منذ قرّروا العودة به “محرّرا” إلى ما قبل التاريخ! وثائق إدانة وكوابيس سترافق مجرمي الحرب وتقض مضاجعهم وإن جمّلوا بشاعة صنيعهم وخلّدوه!
لا نستغرب صمت من استجداه التدخّل يومها، كما يستجدي اليوم دكّ ما تبقّى من حصون سوريا، غير متّعظ بدروس العراق المريرة، وهم من بلغ مسمعهم ما قاله عنهم الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، ولم تهتز لهم قصبة! لا أحد منهم استنكر أو ندّد أو اعترض أو حتى علّق –صونا للعرض- عن تصريحات ترامب المهينة والمقرفة، أنّ “الأموال الخليجية مقابل البقاء” وأنهم “لا يملكون غير المال ولا وجود لهم بدونها”!!! فكيف سيقاضون جورج بوش أو توني بلير أو غيرهما وهم أعجز حتى من مجرّد الردّ على هكذا تصريحات؟
يوم تنهض هذه الأمة واقفة –لو جهنّم صُبّت على رأسها- سنقاضي مجرمي الحرب، ونقيم لهم المحاكم القومية والدولية، فمثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم!
*باحث في الفكر الإستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.