التركي والسعودي والجلباب الإسرائيلي.. العنوان و”ومقص” الميدان؟
الدكتور محمد بكر
تنتصر تركيا لكل الرؤى والاستراتيجيات الاسرائيلية، انتصارٌ يجاوز بكثير لجهة المتانة والثبات والصلابة ما كان قد أعلنه ووصّفه أرودغان خلال لقائه مجموعة من اللاجئين السوريين قبل أكثر من عامين على قاعدة “المهاجرين والأنصار”، فالمصالح ثم المصالح ثم المصالح، هي القاعدة التي يبني عليها أردوغان تطلعاته وأهدافه العميقة في المنطقة، ومنها تنبثق مايجيده الرجل في اللعب على الحبال، حتى السيلفي حظي بالنصيب التركي الإسرائيلي عندما جمع بين وزير الخارجية التركي والصهيونية تسيبي ليفني على هامش مؤتمر ميونخ للأمن.
يكتمل المشهد كلياً مع وصول ترامب، وما باحت به الصحف الإسرائيلية لجهة تشكل جبهة تركية إسرائيلية لمواجهة إيران، كان طبيعياً معه تصعيد الخطاب الأميركي والسعودي والتركي ضد طهران، كنتيجة وملامح أولية ومفرزات للتشكيل الجبهوي الجديد، الذي بدأت مفاعيل إعلانه تتبدى طروحاتٍ ولهجاتٍ أكثر قوة وصلابة، من هنا نقرأ ونفهم السرعة في إعلان “الوحدة” في بنية وفد المعارضة الذاهب إلى جنيف، وأمام عيونه فقط جزئية الانتقال السياسي، وكان طبيعياً كذلك عودة “حليمة” السعودية لعادتها القديمة وعودة نغمة الجبير الذي لا يستطيع أن يرى نهاية للحرب السورية فيما لو بقي الأسد.
الردود تواردت تباعاً على الجبهة الأخرى، فبالرغم مما أعلنه السيد حسن نصرالله لجهة تجاوز سورية مرحلة السقوط، لكن البعد عن الحل السياسي هو عنوان المرحلة القادمة، والتهديد بوصول المقاومة لمفاعل ديمونة هو دعوة للطرف الآخر للتفكير ملياً، بدوره أعلن الأسد مسبقاً عن إرادة الدولة السورية لجهة استعادة كل بقعة من الأرض السورية لتكون تحت سيطرة القوات الحكومية، وحدها روسيا بيت القصيد من كل مما يجري، لجهة ماهو شكل المستوى المتوقع أن يصل له الرد الروسي، لجهة الكباش والاحتدام الذي يعيد في صوره مشاهد التاريخ ويوميات الحرب الباردة وطبيعة التحالفات التي كانت سائدة حينها.
السؤال الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة هو لجهة تطورات الميدان في الأيام والأشهر القادمة، وماذا عن الاستراتيجية الأميركية في سورية التي يعاد تقييمها بطلب من ترامب لوزير الدفاع جيمس ماتيس، وماذا عن تكاثر الرغبة السعودية في إرسال قوات برية وبالتنسيق مع الأميركي لما قيل أنه منصب لمواجهة تنظيم داعش في سورية، والأهم، الخيارات التي سيرسمها محور دمشق فيما لو صارت الرغبات السعودية واقعاً على الأرض، ولاسيما أن السيد حسن نصر الله قد عد موسكو بأنها ليست جزءاً من محور المقاومة، وتالياً يغدو الفهم في أن طبيعة الرد من محور المقاومة على أي جديد ميداني سيكون ربما بمعزل عن التعويل على ضوء أخضر روسي، هو الحد الأدنى لكلام الأمين العام.
من الصعب التكهن بمآلات وتطورات المرحلة القادمة التي هي بلا شك مرحلة نضوج لكباش تحالفات وصراع محاور كانت ملامحه موجودة بطبيعة الحال لكن باتت اليوم أكثر وضوحاً ورسوخاً ونضوجاً، فأن يرتدي التركي والسعودي الجلباب الإسرائيلي، فإن جديداً سيرتسم فيما يخص المقاسات والتفصيل وبالتأكيد ليس من ” مقص ” جنيف والمفاوضات، بل من مقص الميدان والقدرات.
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا.