السعودية و السقوط المنتظر
أحمد الحباسى
عادة ما يكون الفشل العسكرى فى الحروب سببا لسقوط الانظمة التى اشعلت تلك الحروب ، هذا حصل مع المانيا و مع ايطاليا و اخيرا مع أمريكا بعد فشلها العسكرى فى العراق، السقوط الامريكى بالطبع اتخذ اشكالا مختلفة و متعددة بين ما هو اقتصادى و عسكرى و بين ما هو استراتيجى لان ما يحدث اليوم من رجوع الدب الروسى الى المنطقة سببه عدم قدرة الادارة الامريكية التى ورثت الهزيمة المذلة من الرئيس بوش الابن على مواجهة روسيا العائدة بقوة الى سوريا و الى المنطقة ، اليوم تعانى السعودية من انهيار اسعار النفط الممول الوحيد للخزانة السعودية و للحرب الدموية الدائرة فى اليمن و لمتطلبات الدعم المالى للجماعات الارهابية العاملة فى سوريا و العراق ، هذا المأزق الحاد الذى يجد النظام الخائن نفسه فيه هو نتاج لحالة من الغرور و البحث عن لعب دور اقليمى اتضح انه اكبر بكثير من قدرة المملكة السياسية و العسكرية و المالية مجتمعة ، فبين الطموح الطفولى و الواقع الصعب و متطلباته المتتالية هناك فرق شاسع.
البحث عن دور طليعى فى المنطقة لا يكون بإثارة العداوة مع الدول الاقليمية المسلمة أو محاولة اسقاط أنظمتها بالقوة أو لعب أدوار مشبوهة تخدم الصهيونية و لذلك كان لاغتيال الشهيد الكبير نمر باقر النمر و الهجوم الوحشى على الشعب اليمنى و المشاركة الفاعلة فى محاولة اسقاط الرئيس السورى و الوقوف ال جانب شق معين فى مصر على حساب شق اخر اضافة الى الوقوف المباشر مع “اسرائيل” ضد ايران و العراق مفعول عكسى أطاح بالطموح السعودى بانتزاع دور اقليمى فى المهد و خلق حالة غير مسبوقة من العداء و النفور الشعبى المتصاعد ضد حكام المملكة و سياستها القذرة فى المنطقة و كشف وجههم القبيح كأحد رموز الفساد و العمالة للمشاريع الصهيونية الامريكية التى ارادت دائما تدمير و تفتيت الدول العربية و بالذات الدول التى اظهرت دائما عداءها المستمر و المعلن للصهيونية و الامبريالية الامريكية ، الواضح هنا أن الملك السعودى الجديد لم ينتبه أنه قد ورث من سابقه عبد الله مملكة ايلة للسقوط داخليا و خارجيا و تعمد البناء على جدار متصدع بحثا عن هذا الدور الاقليمى الضائع ، بطبيعة الحال كانت هذه القيادة الجديدة فى حاجة ملحة الى دعم شرعيتها المهزوزة داخليا و خارجيا و كانت فى رحلة بحث عن دور معين خاصة بعد انكماش الدور المصرى و سقوط الدور القطرى بعد أن فشلت القيادة القطرية العميلة فى اسقاط الرئيس السورى فى اسابيع قليلة حسب وعدها “لإسرائيل” و للإدارة الامريكية ، و لان هذا البحث كان متسرعا و غير مخطط له على سنوات كما يفترض فقد جاء الفشل نتيجة حتمية.
بطبيعة الحال ، كانت وسائل الاعلام السعودية تغرد دائما خارج الحقيقة و المنطق و كانت تسوق لدور سعودى قادم و الى متانة العلاقات السعودية الامريكية، لكن الادارة الامريكية لم تكن تنظر الى تصرفات المملكة بنفس الرؤية المتفائلة و الموضوعية و تبين لها ان محاولة النظام السعودى لعب هذا الدور فى هذه المرحلة المتقلبة بالذات غير مطلوب و مستنكر بحيث تعددت علامات التبرم الامريكية على لسان كثير من القادة الامريكان و على رأسهم طبعا جون كيرى وزير الخارجية الاسبق، فى نفس هذا السياق كان على هذه الادارة ان تلقن مملكة العمالة درسا قاسيا فى كيفية رؤية هذه الادارة للمصالح الامريكية و الصهيونية و أن تضعها فى موقف مذل يتساوى مع حجمها فى عيون الساسة الامريكان و بالتالى فقد جاء قرار الكونغرس الامريكى او ما يسمى بقانون ” جاستا ” الذى وصف النظام السعودى بكونه دولة تمارس الارهاب و حمله دفع التعويضات الخيالية لضحايا اعتداء 11 سبتمبر 2001 صفعة مدوية على خد الملك سلمان و حاشيته الدبلوماسية الملعونة اسالت كثير من علامات الاستهزاء لدى الرأى العام الدولى بالطموح السعودى و بما سمى بمتانة العلاقة السعودية الامريكية التى يتداول فى الاعلام السعودى ، هذا الصدع فى العلاقات الامريكية السعودية ليس المؤشر الوحيد على فشل السياسة السعودية داخليا و خارجيا بل كان مؤشرا قويا لأنه يصدر من حليف دائم للمملكة .
يبدو ان الملك السعودى لم يهضم لحد الان استمرار الشعب اليمنى فى الصمود و انتزاع انتصارات معنوية كبيرة في الميدان جعلته يتكبد خسائر عسكرية كثيرة، و كما صورت القيادة القطرية للأمريكان امكانية اسقاط النظام السورى فى دقائق و ساعات قليلة فقد صورت القيادة العسكرية العميلة للملك سلمان قدرتها على محو الشعب اليمنى من الخريطة فى ساعات لإعادة العميل عبد ربه منصور الى انقاض الدولة اليمنية ، يبدو أيضا أن القيادة السياسية قد صورت للملك العميل أن اعدام الشيخ باقر النمر سيصنع الانقسام فى المنطقة بين مؤيد للنظام و رافض للوجود الايرانى و أن ايران سترتكب حماقة سياسية أو عسكرية تجعل النظام السعودى يكسب نقاطا مهمة لكن الحنكة السياسية الايرانية افشلت الحلم السعودى المريض و جعلته رمادا و بلا معنى ، أيضا لم يكن الملك السعودى يتصور أن الكبار سيتفقون مع ايران فى الملف النووى و أن “اسرائيل” الحليفة للسعودية لن تتمكن فى النهاية من احباط هذا الاتفاق بضغط من اللوبى الصهيونى الحاكم فى امريكا ، كل هذا الفشل السياسى له ارتداداته المرعبة فى منطقة يجب فيها قراءة الاحداث و التعامل معها بصورة عقلانية و موضوعية و رؤية شاملة لخفاياها و ارهاصاتها و هذا ما يؤكد أن هذا النظام قد خسر كل المعارك السياسية الاستراتيجية الكبرى و خسر كل حربه الارهابية التى ارهقت خزانته المالية بشكل جعلها عاجزة لأول مرة فى تاريخ المملكة .
يدرك المتابعون اليوم ان السعودية قد ارادت دائما تصوير العداء المعلن لإيران على انه صراع بين الشيعة و السنة لكن الصراع فى الحقيقة هو صراع جيواستراتيجى و حرب زعامة سعودية فشل النظام فى فرضها على دول المنطقة بما فيها دول مجلس التعاون الخليجى و من بينها سلطنة عمان و قطر و الامارات ، و عندما يسقط هذا النظام فى عيون الادارة الامريكية فى مقابل صعود اسهم القيادة الايرانية فى روسيا ندرك طبعا لماذا تشعر المملكة بالقلق خاصة و ان التدخل الروسى الى جانب سوريا و حزب الله و ايران قد حسم المعركة عسكريا و انتزع زمام المبادرة من المجموعات الارهابية ميدانيا، و عندما تأخذ الحرب الدموية فى اليمن كل هذا الوقت الغير المتوقع فان هذه بعض علامات فشل جيواستراتيجى سعودى تحدث عنها كثير من وسائل الاعلام العالمية و العربية ، بل لنقل بمنتهى الصراحة ان ايران بوقوفها و دعمها للشعب اليمنى قد كانت شريكا فى صموده و رده العنيف ضد كثير من الاهداف العسكرية داخل المملكة نفسها و هو مؤشر مرعب يقض مضاجع العائلة المالكة و يدفع بعض الاصوات الى ابداء نوع من التبرم و الغيظ من الطريقة التى يقود بها الملك سلمان العمليات العسكرية اضافة الى فشله الثابت فى السياسة الخارجية ، هنا يمكن التأكيد ان استمرار العجز المالى فى ميزانية الحكومة السعودية قد يهددها باستنفاذ احتياطها النفطى و هو ما سيكون له انعكاس و تأثير على قدرة المملكة فى معالجة الاوضاع الاقتصادية للشعب السعودى الذى بدأ يفقد الامل تدريجيا مع استمرار اخبار الفشل السعودى على كل الاصعدة .