هل حقا سنبيع أرامكو؟ «1»
الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة اليوم
هل حقا ستُباع «أرامكو»؟ أرامكو ستطرح، ولكن هل حقا سنبيعها لتصبح ملك آخرين، وهل ستغادرنا لتلتحق بملاكها الجدد بعد أن مكثت معنا عقودا؟ أرامكو قوة دافعة، كانت ولا تزال تمدنا بالمال والأعمال. وحاليا، وبعد أن اكتسبت خبرة وحنكة، فبوسعها أن تمارس دورا إضافيا وجوهريا، بأن تصبح «حفازا» وليس مجرد «حفار».
سبق أن كتبت هنا قبل نحو عامين، أن أرامكو هي «الحوت الأزرق» في دنيا الطاقة، ليس بوسع أحد احتواؤه وشراؤه حتى لو قررنا بيعه. انظر حولك «لأسماك صغيرة بالمقارنة» لشركاتٍ عائلية طرحت حصصا منها في السوق طرحا عاما، وعلى الرغم من ذلك فما زال المؤسسون يسيطرون على مجلس الإدارة، بل ما زالت الشركة المطروحة طرحا عاما تحمل اسم المؤسس أو اسم عائلته، رغم أنه ما طرح منها يتجاوز 5 بالمائة بكثير!
وعمليا، ثمة منافع من التحضير لطرح أرامكو بدأت تظهر، وهي ليست منافع هامشية، فبالنظر للكم الهائل من المقالات والأبحاث التحليلية التي نُشرت في الدوريات والصحف العالمية حول أرامكو، التي كانت طوال الوقت صندوقا مصمتا مما أتاح معرفة أعمق للشركة الضخمة «أرامكو»، وعندما أظهرت نتائج الشركة الاستشارية التي كُلفت بالتقصي عن احتياطات أرامكو، تأكيد تلك الاحتياطيات. وهذا ينهي قصة كانت تظهر وتخبو داخليا وخارجيا حول دقة تقديرات الشركة لاحتياطاتها.
وواقعيا، لا يوجد في العالم من يستطيع شراء شركة أرامكو السعودية، نقطة آخر السطر! والسبب أنها أغلى وأثمن وأضخم من أن يتمكن أحد من شرائها، فلا أحد يملك المال الكافي لذلك. هذا في حال لو عُرضت برمتها «أي بقضها وقضيضها للبيع». هناك من قدر قيمة أرامكو بعشرة أضعاف قيمة اكسون موبيل، أي نحو 3.5 ترليون دولار. وطبعا، هذه مقارنة فجة، فلا يوجد في دنيا النفط إلا حقل «غوار» واحد، والحقيقة هو ليس حقلا، بل بحيرة نفط، ما عليك إلا أن تحفر ويخرج الزيت مُغدقا مُتدفقا، وهذا يعني أن تكلفة الإنتاج متدنية بالمقارنة بما لدى اكسون موبيل من احتياطيات، فتكلفة الإنتاج الهامشية للنفط السعودي، الذي لدى أرامكو السعودية امتياز حصري لإنتاجه بلغت 3 دولارات بالنسبة للبرميل الواحد، وبالنسبة لاكسون - موبيل، وهي أكبر شركات النفط العالمية «حيث تنتج نحو 4 ملايين برميل مكافئ يوميا» فإن تكلفة الإنتاج للبرميل الواحد تقدر بنحو 34.5 دولار للعام 2014، وبقية الشركات الرئيسية أعلى منها تكلفة، واكسون - موبيل تمتلك أعلى الاحتياطيات من بين الشركات، وهي تعوض احتياطاتها 100 بالمائة كل عام، وهذا الأسلوب متبع كذلك فيما يتصل باحتياطيات المملكة من النفط، فهي لم تنقص رغم ما يُنتج؛ بسبب أن الاكتشافات الجديدة تعوض ما يُستخرج، وقد أكدت سلامة الاحتياطيات الشركة الاستشارية التي كُلفت بالتيقن من الاحتياطيات. النقطة هنا، أن ليس بوسع مستثمر محلي أو أجنبي أن يحمل حقل «الغوار» على كتفه ويرحل به!
وقيمة أرامكو السعودية، ليست فقط احتياطاتها الضخمة من النفط، الذي يقدر بعشرة أضعاف احتياطيات اكسون - موبيل، وأعلى من تلك الشركة كفاءة باعتبار أن تكلفة استخراج وتصدير البرميل أقل بكثير مما ينعكس ربحية في نهاية المطاف، مما يجعل تقدير قيمة أرامكو بأنها عشرة أضعاف قيمة شركة اكسون موبيل تقييما بخسا. ولذا فمن يقل إن قيمة أرامكو هي عشرة أضعاف القيمة السوقية لشركة اكسون موبيل، أي نحو 3.5 ترليون دولار، - في تقديري - لم ينصف أرامكو السعودية، فمعيار الربحية هو الأهم، إذ ليس هدف تلك الشركات مجرد استخراج النفط بل تحقيق الأرباح للمساهمين، وفي حال المقارنة من جانب الربحية، فأرامكو «تشييخ» على بقية الشركات بفارقٍ هائل.
الأمر الآخر، أن أرامكو السعودية، هي شركة بحكم نشاطها في السعودية تكليف محدد من حكومة المملكة، بأن تقوم بنشاط اجتماعي واقتصادي إيجابي كجزء أساسي من نشاطها، وبالفعل كان ذلك، فقبل استخراج النفط، لم تكن حواضر الظهران والدمام والخبر والثقبة موجودة كما هي الآن، فأدى وجود أرامكو إلى ازدهار أحد أكبر التجمعات السكانية في المملكة، ومن بين أكثرها إضافة للناتج المحلي الإجمالي لاقتصادنا الوطني، ليس فقط بسبب استخراج وتكرير وتصدير النفط، بل كذلك بسبب ازدهار العديد من الأنشطة الخدمية المتصلة باحتياجات أرامكو، سواء من البنية التحتية أو الخدمات الشخصية والاجتماعية. وعلى ذكر الاقتصاد، فكيفما نقيم أرامكو سنجد أن قيمتها تتجاوز قيمة الناتج المحلي الإجمالي السعودي بأضعاف عدة، أخذا في الاعتبار أن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة يبلغ نحو 750 مليار دولار أمريكي تقريبا.