الرئيس المعزول مبارك يرش “كيس ملح” على جرح الخلاف المصري السعودي الملتهب بتأكيده “مصرية” جزيرتي “صنافير” و”تيران”..

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2399
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لماذا فجر “قنبلته” هذه الآن؟ وما علاقة ذلك برفضه العنيد لإقامة الجسر نفسه فوق خليج العقبة قبل عشر سنوات؟
عبد الباري عطوان
رش الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك المزيد من الملح على جرح الخلاف المصري السعودي الملتهب المتعلق بالنزاع على جزيرتي “تيران” و”صنافير” في مدخل خليج العقبة، عندما أكد في تسجيل هاتفي مع موقع “مصراوي” الاخباري المحلي، انهما، أي الجزيرتين، “مصريتان وفقا لاحكام القضاء المصري”، مشيرا بذلك الى قرار قضائي نهائي اصدرته المحكمة الإدارية المصرية العليا الشهر الماضي في هذا الخصوص.
وببساطته المعهودة، قال الرئيس الأسبق “المحكمة قالت انها مصرية.. تبقى مصرية.. وهل يمكن ان اقول كلاما ضد المحكمة.. المحكمة ادرى مني”، وكان صوته خافتا ينبيء عن حالته الصحية المتدهورة.
مثل هذه التسجيلات، تماما مثل التسريبات الأخرى لمكالمات لمسؤولين كبار في الدولة، تأتي في اغلب الأحيان لتحقيق اهداف سياسية، وإحراج القيادة المصرية الحالية التي تواجه معارضة شعبية قوية لقرارها التنازل عن الجزيرتين المذكورتين للسيادة السعودية.
***
لا نعتقد ان تسجيل هذه المكالمة للرئيس مبارك، وفي هذا التوقيت بالذات كان عفويا، وان كان استغل مناسبة مرور ستة أعوام على اطاحته وحكمه، في ثورة شعبية عارمة، أي 11 شباط (فبراير) عام 2011، فالذين اجروا هذه المكالمة، لم يكن هدفهم الاطمئنان عن صحته، او نقل تمنياته للمصريين بالخير، مثلما جاء في نصها، وانما “استنطاق” معارضته للاتفاقية التي وقعتها الحكومة المصرية في نيسان (ابريل) الماضي، اثناء زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز للقاهرة، تنص حرفيا على عودة الجزيرتين للسيادة السعودية مقابل إقامة جسر يربط اليابسة السعودية بسيناء المصرية، ورزمة مساعدات واستثمارات اقتصادية ضخمة، من بينها إقامة منطقة تجارية حرة في الجانب المصري من الجسر، مساعدات سنوية سعودية مقدارها ملياري دولار سنويا.
صحيح ان الحكومة المصرية الحالية قدمت مستندات الى المحكمة الإدارية المصرية العليا تعود الى فترة حكم الرئيس مبارك تؤكد حق السعودية في السيادة على الجزيرتين، ورسائل متبادلة بين وزير الخارجية المصري والسعودي في حينها خلال عامي 1988 و1989، تضمنت طلبا للأخير (الأمير سعود الفيصل) بإعادة الجزيرتين الى السيادة السعودية بعد انتهاء أسباب اعارتهما، ولكن الصحيح أيضا ان الرئيس حسني مبارك رفض عرضا سعوديا بإقامة الجسر نفسه فوق خليج العقبة رغم العروض المالية المغرية، قبل عزله بعدة سنوات.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول الأسباب الحقيقية لرفض الرئيس مبارك هذا العرض بقوة رغم علاقاته الوثيقة مع القيادة السعودية في حينها، وهي القيادة (الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز)، التي طالبت إدارة الرئيس أوباما بقوة للتدخل عسكريا لمنع سقوطه ونظامه، ودخلت في صدام جدي معها نتيجة رفضها هذا الطلب.
الرئيس مبارك لم يشرح مطلقا أسباب هذا الرفض، كما انه لم يكشف تفاصيل الفوائد المالية التي يمكن ان تعود على الخزينة المالية من جراء إقامة الجسر، وان كانت بعض التسريبات أفادت بأنه لا يريد تدفق السياح السعوديين الى منتجعات شرم الشيخ التي كان يقضي معظم اوقاته فيها، بعد ان حولها نظامه الى درة تاج السياحة المصرية، فهل كان العرض السعودي بإقامة الجسر مرهونا بالتنازل عن الجزيرتين، وهو ما لم يرده الرئيس الأسبق، لمعرفته مدى حساسية هذه المسألة (التنازل عن الأرض) لدى الشعب المصري، وفضل اللجوء الى أساليب المراوغة والمماطلة لعدم اغضاب السعوديين؟
هذه النقطة تحتاج في رأينا الى دراسات وابحاث وتنقيب في وثائق الأرشيف السياسي المصري، ومحاضر اللقاءات بين المسؤولين المصريين ونظرائهم السعوديين في تلك الفترة، للوصول الى الحقيقة، من منطلقات قانونية واكاديمية بحتة.
***
كاتب هذه السطور، كان وما زال من مؤيدي الثورة المصرية الشرسين، ومنعه نظام الرئيس مبارك من دخول مصر 18 عاما تقريبا، ومنع صحيفته التي كان يرأس تحريرها من الطباعة والتوزيع في الأراضي المصرية، ولم يدخل القاهرة الا بعد سقوطه، وبدعوة شخصية من الرئيس المنتخب محمد مرسي، فك الله اسره، الذي التقاه لمدة ساعة تقريبا في قصر الاتحادية قبل شهر من الانقلاب الذي أطاح به، وربما عاد بعدها الى قوائم المنع السوداء مجددا.
ما كنا نتمنى ان يكون هناك أي نزاع بين البلدين الشقيقين حول الجزيرتين يؤدي الى توتير العلاقات بالصورة التي نراها حاليا، خاصة في مثل هذا التوقيت الذي تعيش فيه الامة العربية اضعف فترات تاريخها، ونختم بالقول “سامح الله من كان السبب في اثارة هذه الفتنة”، ونكتفي بهذا القدر.