«جيوبوليتيكال فيوتشرز»: التداعيات السياسية لتراجع الاقتصاد السعودي
ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد
تغير السعودية، البلد الإسلامي المحافظ التي كانت تعتمد تمامًا على صادرات النفط في الجزء الأكبر من وجودها، طبيعة نظامها بسبب المشاكل الاقتصادية التي نتجت عن انهيار أسعار النفط. ويعدّ تغييرها للطريقة التي كانت تدير بها الاقتصاد السياسي مهمة ضخمة، لكتنّ عدم قدرتها على تحقيق التوازن بين الإصلاحات والمجتمع يجعلها مهمة أكثر صعوبة بكثير. ومقارنةً بإصلاح النظام، فالإصلاح الاقتصادي مهمة سريعة وأقل تعقيدًا. ومع ذلك، فإنّ عدم قدرة البلاد على معالجة تلك المشاكل الاقتصادية من الممكن أن يقود إلى اضطرابات اجتماعية في بلد اعتاد مواطنوها تدخل الحكومة بتسديد جزء كبير من فاتورة حياتهم اليومية. حتى الآن هذا لم يحدث، ولكن نظرًا لحجم المشكلة والحاجة إلى تعديل النظام، فإنها مسألة وقت فقط قبل أن ينهار الاستقرار الاجتماعي الفريد في الرياض.
(1) اعتمدت السعودية على عنصر رئيسي واحد في تشكيل البلاد البترودولار.
(2) هذه ليست أزمة مؤقتة قد يتم حلها بتغير ظروف العرض والطلب في أسواق النفط الدولية.
(3) وصلت شؤون المملكة إلى موقف حرج، حيث لم يعد لديها خيار سوى التغيير الجذري للطريقة التي أدارت بها السياسة والاقتصاد.
(4) قد يؤدّي حجم التغيير المطلوب إلى تفكك القوة العربية الوحيدة المتبقية في الشرق الأوسط.
مقدمة
في 30 من نوفمبر/ تشرين الثاني، وافقت الدول الأعضاء بمنظمة أوبك على تفعيل اتفاق سبتمبر/ أيلول بتقليص حجم الإنتاج في محاولة لزيادة سعر النفط الخام. وبعد مقاومة طويلة لهذا الإجراء، وافقت السعودية أخيرًا على تحمل المسؤولية في الجزء الأكبر من التخفيض (486 ألف برميل يوميًا).
واضطرت السعودية لاتخاذ هذا الإجراء خوفًا من أن يؤدي استمرار انخفاض سعر النفط إلى تآكل احتياطيها من النقد الأجنبي لتغطية العجز المستمر في الميزانية. (كانت التحليلات تشير إلى تآكل احتياطيات السعودية بالكامل بحلول عام 2020 إذا ما استمر الوضع كما هو). ويأتي هذا التغيير متزامنا مع تحولات أخرى كبيرة داخل المملكة، الأمر الذي يتضح في تغيير وزيري المالية والنفط في وقت سابق هذا العام.
الأزمات المالية في المملكة
وانخفض احتياطي الرياض بنسبة 27%، ليهبط من 737 مليار دولار في أواخر عام 2014، ويصل في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2016 إلى 535.9 مليار دولار، بانخفاض بلغ 10 مليارات دولار في الشهر الأخير فقط. وعانت المملكة من عجز في الميزانية بلغ 98 مليار دولار عام 2015، وتأمل ألّا يتخطى العجز هذا العام 87 مليار دولار. ونفّذت المملكة عدة إجراءات من أجل الوصول لهذه النتيجة، بما في ذلك جملةً من تدابير التقشف، وبيع لسندات حكومية، وخصخصة جزءً من كيانات القطاع العام التي تتعامل مع مجموعة من الخدمات، وفرض الضرائب.
ونجحت المملكة في أول إصدار للسندات لتحصل على 17.5 مليار دولار منتصف أكتوبر/ تشرين الأول. ووصلت طلبات المشترين إلى 4 أضعاف المتاح من السندات. وجاء الإقبال الكبير على السندات السعودية نتيجة أنّها تقود تصدير النفط في العالم وثاني أكبر المنتجين ولديها ديون منخفضة للغاية. لكنّ لجوء المملكة لبيع السندات لأول مرة في تاريخها يكشف مدى الضغوط الاقتصادية التي تتعرض لها المملكة.
ونستدل على مدى حاجة الاقتصاد السعودي لإعادة الهيكلة باستبدال المملكة لاثنين من كبار المسؤولين، حيث تمّ استبدال وزير المالية «إبراهيم بن عبد العزيز العساف» بعد 20 عامًا من شغله للمنصب، وجاء ذلك فقط بعد نجاحه في بيع السندات لأول مرة. ثم تبع ذلك إقالة وزير النفط وتعيين اثنين من الوزراء الجدد. ويدل ذلك على إدراك السعوديين مواجهتهم لأزمة اقتصادية تاريخية لن تحل سوى بتحويل النظام السياسي والاقتصادي.
ووفقًا لوكالة موديز للتصنيف الائتماني، كانت نسبة ديون المملكة من الناتج المحلي تصل إلى 2.2% قبل 4 سنوات، إلا أنّها تتوقع وصول النسبة إلى 22% بحلول عام 2017. ومن المتوقع أن تصل إلى 30% بحلول نهاية العقد الحالي عام 2020. وقد أجبرت الضغوط الاقتصادية الكبرى المملكة لاتخاذ حملة تدابير تقشفية كبرى، تشمل خفضًا للرواتب وتقليصًا للدعم. وعلى سبيل المثال، فقد تم خفض 70% من النفقات الرأسمالية في الأشهر القليلة الماضية.
إنّ الوضع خطير للغاية للدرجة التي جعلت السعودية تقدم على تدابير لم تمارسها من قبل، من خفض للإنفاق الحكومي وتقليص للدعم، وسعت إلى توفير 17 مليار دولار بتقليص المزايا التي يتمتع بها 3 مليون موظف في القطاع العام، كما أخّرت الحكومة مستحقات عدة مؤسسات بالقطاع الخاص مثل شركات بن لادن السعودية وأوجيه. وبالرغم من ذلك، خصصت الحكومة السعودية 27 مليار دولار في نوفمبر/ تشرين الثاني من أجل تعويض تلك الديون. بالإضافة إلى ذلك، ألغت الحكومة مشاريع كان مقدّرا لها إنفاق بإجمالي 266 مليار دولار.
وبلغ الضيق الاقتصادي بالمملكة أن تستغل موقعها المقدس ونفوذها الإسلامي بإدارة الحج والعمرة، لفرض تأشيرة بلغت 533 دولارا على الملايين الذين يدخلون السعودية سنويًا لأداء الطقوس المقدسة، واستثناء فقط الذين يؤدون فريضة الحج لأول مرة.
وبالرغم من هذا التحول العظيم، يرى السعوديون أنّهم سيخسرون القليل ويكسبون الكثير من مثل ذلك الإجراء، بفرض رسوم على الزوار السنويين من غير المواطنين، حيث أنّ عدد الحجاج السنوي يكاد يكون ثابتا كل عام.
الاضطرابات المحتملة
على مدى عقود، استندت المملكة في نظامها على محورين أساسيين: النفط والإسلام. فمن ناحية، قدمت المملكة نفسها كدولة إسلامية واستغلّت في ذلك موقعها وإدارتها لأقدس مكانين لدى المسلمين، مكة والمدينة. لكنّها شهدت الكثير من التحديات والصراعات التي اتّهمت العائلة المالكة نفسها بخيانة الدين أو استغلال الدين للبقاء في السلطة. إلّا أنّها ومع تصديرها للنفط الخام وتدفق المليارات من الدولارات، استطاعت استغلال هذه الأموال في تثبيت أقدامها في السلطة، وفرض النظام. ورغم مواجهتها للكثير من المعارضة العنيفة وغير العنيفة، وأخطرها القاعدة والدولة الإسلامية، إلّا أنّها قد استخدمت أموال النفط في الحفاظ على ولاء القبائل والعشائر، والسيطرة على الجماهير، لاسيما في الفترة التي تلت الربيع العربي عام 2011، والتي ضاعفت فيها المملكة من الامتيازات الاقتصادية للمواطنين. والآن مع هذه الأزمات الاقتصادية الطاحنة، واضطرارها لتقليص تلك الامتيازات الاقتصادية، فمن غير المرجح استمرار التوافق مع الجماهير.
واعتمدت المملكة في بناء شرعيتها على فكرة أنّ الأسرة المالكة هي المدافع الأول عن الإسلام. ومع ذلك، فليس من المرجح أن تعمل تلك الفكرة في ظل الضغوطات الاقتصادية الهائلة. وبشكل عام، اعتاد المواطنون على الحصول على امتيازات عديدة من قبل الحكومة، إلا أنّ تلك الامتيازات يجري تقليصها بفعل الهبوط الحاد في أسعار النفط. وقديمًا اعتقدت المملكة أنّ الطلب على النفط سيظل في مستوياته العالية، إلّا أنّ ذلك الاعتقاد لا يسري الآن بعدما ارتفع إنتاج المنتجين الآخرين، وبخاصةً في أمريكا الشمالية مع ظهور وتطور ونمو الصخر الزيتي (النفط الصخري).
وللتغلب على الأزمة الحالية، لن تضطر المملكة إلى تغيير نهجها الاقتصادي فقط، بل ونهجها الاجتماعي أيضًا إلى نمط حياة أكثر تحررًا، وهو ما لم يعتد عليه المواطنون الذين عاشوا في بلد محافظة للغاية.
ولا تواجه السعودية ببساطة أزمة مالية يتحمل تبعاتها المواطن بشكل مؤقت، ولكنّ التداعيات طويلة المدى لذلك تصل إلى عدم يقين وتشكك في مدى قدرة الأسرة المالكة على إدارة شؤون الدولة في قادم السنوات. وتمتلئ وسائل الإعلام بقصص عن القلق العام حول الوضع، الأمر الذي يشير إلى أنّ الثقة العامة في تضاؤل مستمر.
الاقتصاد والسياسة في المملكة
وقد ينعكس هذا الانخفاض المحتمل بتداعيات مباشرة على ولي ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، البالغ من العمر 30 عامًا، والمتحكم الفعلي في الحكومة. وكوزير للدفاع ومهندس خطة رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني، يتمتع الأمير «محمد» بسلطة أكبر من ابن عمه الأمير «محمد بن نايف». وبالإضافة إلى اتخاذه قرارات اقتصادية داخلية هامة، فإنّ الأمير «بن سلمان» مكلّف أيضًا بقرارات خطيرة في السياسة الخارجية. والمثال الأبرز على ذلك، دوره في الضغط من أجل إنفاذ الحرب المكلفة في اليمن والتي كلفّت السعودية أكثر من 5 مليارات دولار في القتال فقط، بخلاف ما أنفقته للحفاظ على الحكومة اليمنية الموالية، وستنفق من جديد لإعادة الإعمار.
وبالإضافة إلى اليمن، فالسعودية متورطة في دول أخرى عديدة، حيث تعدّ السعودية القوة العربية الوحيدة المتبقية في المنطقة. ولمنع المنطقة من الخروج عن السيطرة، أنفق السعوديون عشرات المليارات من الدولارات في محاولة لاحتواء العديد من الصراعات. ويأتي هذا بالتزامن مع تهديدات خارجية وداخلية من قبل «الدولة الإسلامية» والحوثيين وإيران.
وبالنظر إلى افتقادها لثقافة المعارضة، من المرجح أن تخلق تلك الظروف القاتمة أزمة ثقة داخل النخبة السياسية أكبر من الضغط على المواطنين في الشارع. والعديد بالفعل داخل الأسرة المالكة يشعرون بخيبة أمل من أنّ ابن الملك عديم الخبرة تؤول إليه العديد من مفاتيح السلطة. وهناك سابقة للخلاف على العرش عندما تم إجبالا أول خليفة للعرش، الملك «سعود بن عبد العزيز آل سعود»، على التنازل عن العرش لصالح ولي العهد «فيصل بن عبد العزيز آل سعود» عام 1964، بعد صراع على السلطة بين الشقيقين، استطاعت الأسرة الصغيرة ذلك الوقت مع المؤسسة الدينية احتواءه لئلا يضر بالنظام. لكن الظروف الآن مختلفة، فلم تكن المملكة في ذلك الوقت تواجه تلك الظروف والاضطرابات المحلية والدولية. وهذا ما يزيد من فرص دخول النظام السعودي إلى نفق اللاعودة.
خاتمة
نظرًا للضغط الاقتصادي الحالي، فأي خلاف داخل الأسرة المالكة قد يؤدّي إلى مزيج من الهياج والعنف في الشارع. وفي الوقت الحاضر، لا توجد إشارات واضحة على أنّ الإجراءات التقشفية ستقود إلى عدم الاستقرار السياسي في المملكة. ومع ذلك، نظرًا لأنّ الفترة قد تطول قبل عودة الأسعار إلى مستوى 90 دولارا للبرميل من النفط (السعر الذي يؤكد السعوديون أنّه المطلوب لإعادة تحقيق التوازن)، فمن المنطقي توقع اضطرابات وعدم استقرار في المستقبل. ومن المفارقات، أنّ الإصلاحات الاقتصادية التي يضطر السعوديون إلى تبنيها من أجل تجنّب الاضطرابات، من المرجّح أن تقود هي إلى تفاقم الأمور.
المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز