ما هي فرص نجاح الوساطة “الإماراتية” لتطويق الخلاف المصري السعودي التي يقوم بها محمد بن زايد؟
ولماذا جاءت بعد فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الامريكية؟ وهل ستعود المساعدات المالية الخليجية لمصر قريبا ووفق أي شروط؟
زيارة الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد امارة أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية المفاجئة الى القاهرة، ولقائه المغلق مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعكس قلقا خليجيا من فوز دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وتدهور العلاقات المصرية السعودية في مقابل تحسنها، أي المصرية، مع ايران وسورية وروسيا.
العلاقات الإماراتية مع مصر لم تكن جيدة في الفترة الأخيرة أيضا، واتسمت بالفتور لسببين رئيسيين:
الأول: انحياز دولة الامارات الى الموقف السعودي ولو ظاهريا، وعدم رغبة قيادتها في الظهور بمظهر اتباع سياسات إقليمية مستقلة عن الرياض في هذا الوقت الذي تواجه سياساتها، أي السعودية، بالكثير من الفشل في اليمن وسورية والعراق، وكون الامارات العضو الأهم في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في الحرب على اليمن.
الثاني: نأي دولة الامارات بنفسها عن مصر وازمتها الاقتصادية في الأشهر الستة الماضية، وخفوت حدة حماسها تجاه سلطتها، حتى ان الدكتور عبد الخالق عبد الله، احد ابرز مستشاري الشيخ محمد بن زايد، ابدى تأييده لغلاف مجلة “الايكونوميست” الذي صدر قبل شهر وجرى تخصيصه للحديث عن “خراب مصر”، وقيل انه هو الذي وقف خلف معظم المعلومات عن الاقتصاد المصري المتدهور، واكد ذلك بكشفه على حسابه على “التويتر” رفض مصر تنفيذ إصلاحات طلبتها الامارات، واتفق الدكتور عبد الله مع المجلة بضرورة عدم ترشح الرئيس السيسي نفسه في انتخابات عام 2018 الرئاسية.
آخر زيارة للشيخ محمد بن زايد للقاهرة كانت في شهر أيار (مايو) الماضي، وآخر زيارة لمسؤول مصري الى ابوظبي كانت لوزير النفط قبل أسبوع للمشاركة في مؤتمر دولي للطاقة، وتردد في حينها انه، أي الوزير المصري، قام بزيارة لإيران بعد أخرى للعراق بحثا عن بدائل للمنحة النفطية السعودية التي توقفت.
الشيخ بن زايد حط الرحال في القاهرة، وفي زيارة لم تكن مقررة، بعد يوم واحد من اعلان فوز دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وهو الإعلان الذي أثار حالة من القلق في دول الخليج، وخاصة السعودية، لانه لا يكن ودا لها، ويريدها ان تدفع ثمن الحماية الامريكية لها، علاوة على تمسكه ببقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم واعجابه، أي ترامب، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسياسته في الحرب على الإرهاب في سورية.
انها زيارة الهدف الابرز منها إزالة حالة “الجفوة”، بل “التوتر”، في العلاقات المصرية السعودية، و”تطييب” خاطر الرئيس السيسي الذي تعرض لاساءات سعودية، دفعته نحو ايران، وابرزها تطاول السفير السعودي عبد الله المعلمي على مصر لانها صوتت لصالح قرار روسي في مجلس الامن، وبعد ذلك “مزحة” اياد مدني، امين عام منظمة التعاون الإسلامي، التي تناولت “ثلاجة” الرئيس المصري بشيء من السخرية، وأخيرا الرد السعودي بوقف المساعدات النفطية المقدرة بحوالي 700 الف طن شهريا، للشهرين الماضيين “حردا” او غضبا.
وما يؤكد توجهات هذه “الوساطة” الإماراتية في هذا الشأن، ما ورد في البيان الرئاسي المصري عن طبيعة المباحثات بين الرئيس السيسي وضيفه الشيخ بن زايد، ونقتطف ابرزها، وبالتحديد الفقرة التي قالت “ان المباحثات شهدت تطابقا في رؤى البلدين بشأن تعزيز جهود لم الشمل العربي، وتعزيز وحدة الصف، والعمل على احتواء الخلافات القائمة إزاء سبل التعامل مع التحديات التي تواجه الوطن العربي”.
لا تعتقد ان الحديث في البيان عن تعزيز جهود لم الشمل العربي تشمل سورية والعراق واليمن، وانما الخلاف السعودي المصري تحديدا، الذي انعكس سلبا على العلاقات المصرية الخليجية.
لا نعرف ما اذا كان الشيخ بن زايد قد نجح في امتصاص الغضبة المصرية تجاه السعودية الناجمة عن طريق تعامل الأخيرة المتسمة بـ”التعالي” و”الغطرسة”، حسب توصيف مسؤول مصري كبير لـ”راي اليوم” مع مصر وقيادتها، ولكن من المؤكد انه قد يكون نجح في تطويق الخلاف، او تجميده كمرحلة أولى تمهد لبذل المزيد من الجهود لاعادة العلاقات المصرية السعودية الى حالتها الطبيعية.
مصر تحتاج الى قروض وودائع مالية في بنوكها بحدود ستة مليارات دولار تلبية لشروط قرض صندوق البنك الدولي، الذي تبلغ قيمته 12 مليار دولار، نجحت مصر في تأمين نصفها تقريبا من بنوك يابانية وعالمية، وسيكون إيداع دولة الامارات ملياري دولار او اكثر، مؤشرا على زوال مرحلة الفتور في العلاقات المصرية الإماراتية أولا، ونجاح الوساطة لـ”اصلاح” العلاقات السعودية المصرية، ولو الى حين.
دول الخليج قدمت اكثر من 40 مليارا من المساعدات والودائع لمصر لإنقاذ اقتصادها من الانهيار، ولكن المشكلة في نظر الكثير من المصريين تكمن في ان طريقة تقديم هذه المساعدات، وما رافقها من أساليب “المعايرة” و”التعالي”، و”التمنن”، من قبل بعضها اعطى نتائج سلبية جدا، فالمصريون مثلما عكس اعلامهم، يرفضون هذا الأسلوب، ويؤكدون ان مصر لن تكون “تابعا”، وتقبل بمصادرة قرارها المستقل خاصة تجاه ايران وسورية وتقبل بعقلية “الكفيل”.
لا نستبعد ان تكون “المرارة” المصرية هذه احتلت مكانا بارزا على جدول اعمال اللقاء المغلق بين الرئيس المصري وضيفه الاماراتي، كما لا نستبعد ان يطير الشيخ محمد بن زايد الى الرياض حاملا وجهة النظر المصرية، والنتائج التي تمخضت عنها “وساطته” ان لم يكن قد طار فعلا في زيارة سرية.
العالم كله يتغير بعد زلزال فوز ترامب، ومصر من ضمنه أيضا، وبقي ان تتغير “بعض” دول الخليج ايضا وتراجع سياساتها قبل فوات الأوان.
“راي اليوم”