الملك فيصل, قطع البترول ..سيرة و انفتحت
أحمد الحباسى
يعتبر آل سعود من أكثر العائلات الخليجية التي تعاملت و خدمت الاستعمار الغربي الصهيوني بكل أصنافه و أشكاله و لعلها من العائلات القليلة في العالم التي خدمت النوايا التوسعة الاستعمارية الصهيونية طيلة أكثر من قرن من الزمن، بالمقابل وفرت الصهيونية العالمية لهذه العائلة الفرصة للسيطرة على أهم مساحة نفطية في العالم العربي و حمت عرشها المتخاذل من كل الأنواء التي مرت و أهمها على الإطلاق الغزو العراقي للكويت ووصوله على الحدود السعودية و الذي كاد يقضى على هذا النظام الفاسد في عدة ساعات، و في مثل هذه الأيام التي نشيع فيها ذكرى حرب أكتوبر 1973 أو ما يسمى جزافا بحرب العبور المصرية كان لا بد من فتح الدفاتر القديمة حتى نفهم حقيقة ما حصل في تلك الفترة و نبعد الباطل عن الحق خاصة و أن مرور فترة من الزمن على تلك الذكرى قد أتاح للمتابعين الحصول و الإطلاع على كثير من الوثائق و الدراسات و الحقائق التي كانت مخفية أو تعمد البعض إخفاءها من باب التضليل متجاهلين أن الزمن كفيل بكشف المستور .
في حقيقة الأمر لا ينكر المتابعون أن كثيرا من الأحداث و الوقائع العربية مشوهة تشويها متعمدا بداية من “السير الذاتية” للحكام العرب إلى تاريخ المنطقة لان كتاب البلاط كثيرا ما تعمدوا النفخ في الأحداث و تزوير الوقائع و إعطاءها بعدا مزيفا و لعل الجميع اليوم بمقدورهم أن يكتشفوا حقيقة ما حصل في تلك الحرب و حقيقة بعض المواقف السعودية بالذات و على رأسها طبعا الرواية الرسمية لما يسمى بحادثة قطع الملك فيصل للبترول على الغرب و هي الحادثة التي نسجت حولها وسائل الإعلام السعودية و المصرية تحديدا كثيرا من الأساطير و الروايات المضللة المزورة بغاية إقناع الرأي العام العربي و الإيحاء إليه بأن هذا الملك قد وقف إلى جانب الحق العربي عن حسن نية و من باب المبادئ و الشهامة.
اليوم تتيح وثائق ويكيليكس الشهيرة للمتابعين الغيورين على الحقيقة و الذين شككوا في تلك الرواية و بقوا على شكهم طيلة هذه السنوات فرصا عديدة لمعرفة ما حصل بالتدقيق و بالحيثيات اليومية لان البرقيات المتبادلة بين نظام المافيا السعودي في تلك الفترة و بين الإدارة الأمريكية الاستعمارية الحامية للكيان الصهيوني الغاصب و كبريات الشركات النفطية الأمريكية تفيد أن هذا النظام و على لسان وزير الداخلية الأمير فهد قد سعى حتى تتأكد الإدارة الأمريكية من حرص المملكة على صيانة العلاقات بين الطرفين و أنه لم يكن لديها أية نية معادية و لا مجال لاستعمال سلاح البترول .
تقول الوثائق المسربة أن الملك فيصل نفسه قد سعى بنفسه إلى طمأنة الإدارة الأمريكية و استعمل لتأكيد ذلك عدة قنوات غربية و أمريكية، و لعل الملك قد وجد نفسه صبيحة يوم 6 أكتوبر 1973 أمام اختبار حدي و حقيقى للنوايا السعودية ، تتحدث البرقيات عن تلك الساعات الحرجة لتؤكد سرا لم يكن يعلمه الكثيرون بأن النظام لم يكن يعلم عن حقيقة النوايا المصرية السورية في تحديد ساعة الصفر يوم العاشر من رمضان الموافق ليوم 6 أكتوبر 1973 ، بل أن الوثائق المسربة تتحدث عن انزعاج الملك من شن مصر و سوريا لهذه الحرب التي اعتبرها عبثية و تضعه في موقف حرج إزاء تعهداته القذرة للإدارة الأمريكية الصهيونية، الوثائق المسربة تحدثت أيضا عن سر خطير يكشف لأول مرة بان الملك فيصل قد كان على علم مسبق بالمساعدة الأمريكية العاجلة بالأسلحة النوعية للكيان الصهيوني لمواجهة بداية الانتصار السوري المصري في تلك المعركة المفاجئة غير انه تعمد عدم الإفصاح عنها أو تسريبها للرئيس السادات أو الأسد بل أنه طلب من الصحافة السعودية عن طريق وزارة الإعلام كما كشفته الوثائق المسربة التعتيم الكامل عن كل الحيثيات بعلة عدم تهييج المشاعر الشعبية العربية ضد الأمريكان و لعل كتم الملك السعودي لسر تدفق الأسلحة الأمريكية لإسرائيل في تلك اللحظات الحرجة قد أنقذ الكيان من هزيمة محققة و كان سببا مباشرا في سقوط الجولان و قيام أريال شارون بما سمي بثغرة الدفرسوار الشهيرة التي أعطت للكيان جرعة أمل كبيرة في استعادة المبادرة وفرض وقف إطلاق النار على الجانب المصري تحدث عنها الفريق الراحل سعد الدين الشاذلي بكثير من التفاصيل المؤلمة .
لا شك أن البعض قد بنى على بعض التصريحات السعودية الصادرة مثلا عن وزبر الدولة للشؤون الخارجية عمر السقاف أو الأمير سلطان التي هددت بقطع النفط لكنها كانت تصريحات متأخرة جدا و لا تكشف حقيقة ما وقع فعلا في الكواليس بين النظام و بين الإدارة الأمريكية لان الوثائق تكشف مدى حرج الملك فيصل و عدم رغبته في قطع البترول عن الغرب و بالذات عن أمريكا و لعل مقابلة الأمير نواف بن عبد العزيز يوم 11 أكتوبر مع السفير الأمريكي في الرياض و تأكيده للجانب الأمريكي النيات الحقيقية للملك فيصل تغنى عن كل تعليق تبرز للمتابعين بما لا يدع مجالا للشك أن آل سعود قد خانوا هذه الأمة العربية في أكثر اللحظات صعوبة بل أن النظام لم يقطع العلاقات مع الأمريكان إلا بعد أن فات الأوان و تبين الخيط الأبيض من الأسود و تمكنت إسرائيل من إفتكاك زمام المبادرة و تحويل هزيمة عسكرية ساحقة إلى انتصار متأخر لكنه حاسم مكنها من الدخول في المفاوضات بكثير من الغرور ، لا بد هنا من الإشارة إلى حقيقة الدور العميل لوزير النفط السعودي السابق احمد زكى يماني الذي وقف دائما ضد قطع البترول و لعل دعوته للسفير الأمريكي لمشاركته قضاء عطلة العيد الذي جاء بعد أيام من تلك الحرب و في عز التوتر الحاد بين مصر و إسرائيل و دون مراعاة لدماء الشهداء المصريين و السوريين الذين سقطوا دفاعا عن كرامة الأمة العربية يؤكد مرة أخرى أن نظام آل سعود هو عار دائم على العرب .