“عندما يكون المستهدف وطنا يكون الحياد خيانة”.. عن العلاقات المصرية السعوديه..
محمود كامل الكومى
لحظة فارقة تمر بها مصر من خلال علاقاتها مع المملكة السعوديه, والمتتبع للدور الأقليمى للمملكة منذ وفاة الزعيم جمال عبد الناصر الى الآن , يراه فى تنامى وتصاعد دائم , وكما حددته ال C I A .
والدور الأقليمى قد يكون ذات تأثير ايجابى لدولة القياده فى محيطها الأقليمى والمثال على ذلك مصر الناصريه فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى وتصاعد وتنامى دورها فى محيطها العربى والشرق أوسطى حين قادت
حملات التنوير والتحديث خاصة فى دول الخليج وفى السعوديه تحديداً , وكيف ساهمت فى الحفاظ على التراث واللغه العربيه من الاندثار خاصة فى دول شمال أفريقيا التى رزحت تحت نير الاستعمار الفرنسى عقودا كانت كفيله بمسح ذاكرتها الثقافيه لولا الدور المصرى والمعلم المصرى ,ومصر بقيادة “جمال عبد الناصر” قادت الأمه العربيه الى التحرر من الأستعمار الفرنسى فى الجزائر ومن الاستعمار البريطانى فى الجنوب العربى , ووقفت مع الشعوب العربيه لنيل حريتها السياسيه والأجتماعيه فى كل البلدان العربيه التى ثارت على الظلم والطغيان وعلى حكامها العملاء للأستعمار والصهيونية ,ونزعت شعوبها الى التطلع والتقدم نحو الوحدة العربيه التى رأت فى
القيادة المصريه ” عبد الناصر” أملها لتحقيق هدفها الأستراتيجى الوحدوى.
تصاعد تأثير مصر الناصريه فى محيطها العربى وصارت مصدر الهام ووعى الشعب العربى , حين قضت على الأمبراطوريتين الفرنسيه والبريطانيه فى السويس , وكانت على على قدر التأثير ولم تترك سوريا أثيرة التهديدات الأسرائيليه التى كانت تمهد لحرب 1967 عليها فدخلت الحرب معها , وعلى الرغم من النكسه اِلا أن الشعب تمسك بزعامة مصر ولم يقبل تنحى جمال عبد الناصر وطالبة بقيادة الأمه العربية حتى أزالة آثار العدوان لأدراكه أن جمال عبد الناصر فى صراعة مع العدو الصهيونى صراع وجود وليس صراع حدود وأن هدفه أعادة فلسطين الى حضن الأمه العربيه كهدف تكتيكى لتحقيق الوحده العربية كهدف أستراتيجى , ومن هنا مات جمال عبد الناصربعد أن أوقف نزيف الشعب الفلسطينى وحماه من الأباده فى أيلول الأسود .
والدور المصرى ذات شعاع وبريق أضاء وأثر فى الشرق الأوسط وأسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتنيه , من خلال قوافل الأزهر الشريف التى جابت العالم الاسلامى من اجل نشر التقافه الاسلاميه الوسطيه , وكذلك مساعدة شعوبها
على التحرر والتقدم . وأرساء قواعد التعاون والتكتل ضد هيمنة الدول الكبرى وكان ذلك من خلال قيادة مصر (عبد الناصر) لدول عدم الأنحياز .
من جميع ماتقدم صارت مصر دولة أقليمية تؤثر بالموجب فى محيطها الأقليمى خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضى وأصبحت القاهرة مركز أشعاع حضارى وثقافى وأعلامى وثورى يشع ويضىء أنوار التقدم والأزدهار فى المحيط العربى والشرق أوسطى , وبدا الشعب العربى بوعيه وحسه يدرك مدى تأثير مصر وقيادتها الثوريه ومدى خطورة التآمر عليها الذى يعنى اندثار وهزيمة للشعب العربى وشعوب العالم الثالث , اذا سقطت مصر او نجح التآمر على قيادتها الناصرية .
وعلى الجانب الآخر فاِن الدور الأقليمى لدولة القيادة قد يكون ذو تأثير سلبى فى محيطها الأقليمى وهو ما يتبدى الآن من خلال حكم آل سعود للمملكة العربية السعوديه وصعودها كدولة أقليمية , لكن هذا الدور يتنافر بالطبع
كتنافر الموجب والسالب , و يبقى الفارق شاسعا فى أن قيادة مصر كدولة أقليميه صاغتها زعامة جمال عبد الناصر الوطنية والقوميه وأنحيازه لشعوب العالم الثالث التى تعانى القهر والتبعيه من الاستعمار العالمى , فى حين بدت قيادة المملكه السعوديه كدولة أقليمية كدور سخرته لها قوى الاستعمار والصهيونية العالميه له جذوره منذ فرض الأستعمار البريطانى أسرة آل سعود على حكم الحجاز , وتصاعد الآن الى الدور المرسوم لها من جانب الموساد وال C I A, ليصل الى حد تدمير دول الأمة العربية وتمويل كل التنظيمات الأرهابية التى تسعى الى القضاء على ديموجرافية الشعوب ونشر الفوضى الخلاقه فى ربوع بلدان المحيط العربى وأخضاع الشعوب الأسلامية للفكر الوهابى الارهابى المتقطاع مع الفكر الصهيونى الأمبريالى عن طريق المَنِ والمنح بالبترودولار وأستغلال معاناة الشعوب الفقيره فى جعلها أسيرة حفنه من المال فى مقابل اخضاعها والغاء فكرها والسيطره على عقلها خاصة من خلال الإعلام الخليجى المُسَير بفعل الصهيونيه والذى يمارس الديموجاجيه على شعبنا العربى من اجل تشتيت فكره والغاء عقله , والكفر بكل قيمه فى الحريه والأستراكيه والوحده .
ومن هنا صار الفارق جوهرى بين الموجب الذى وضعت فيه القياده الناصريه المصريه محيطها الأقليمى حين نمت فكره وعقله ودفعته الى حريه الاراده والأستقلال وتنامى الشعور الوحدوى من اجل خير المحيط الأقليمى وتقدم
شعوبه , وبين السالب الذى مارسته أسرة الحكم السعودى على المحيط الأقليمى فساهمت فى تدنى الفكر والأخلاق ونشر الفوضى والارهاب والأمتثال لأهداف الأعداء من اجل تفتيت المحيط العربى وخلق فوضى خلاقه فى المحيط الشرق أوسطى تجعل من أسرائيل دوله محوريه فى نظام اقليمى جديد تقوده فى شرق أوسط جديد .
من هنا أيضاً كان الدور السعودى فى خلق آليه صهيونيه ” مجلس التعاون الخليجى” لتدمير الجامعة العربية , وتابعت بخطوات على أرض الواقع , فساهمت فى تدمير ليبيا وخلق الفوضى فيها الى الآن , ثم أتجهت الى سوريا
تمول كل ارهابى العالم من اجل تفتيتها والقضاء على جيشها العربى , وهى الى الآن ومع قرب دخول العام الثانى تمارس عدوانها المخطط صهيونيا وأمريكيا على شعبنا وارضنا فى اليمن ,وبكل ضراوة وحقد فاق فعل الصهاينه
على أرض فلسطين تبيد طائرات التحالف السعودى الأنسان والزرع فى اليمن وقد تجسد ذلك مؤخرا فى قصفهم لمجلس عزاء فى صنعاء نتج عنه 700 أنسان مابين قتيل وجريح حتى المسعف وسيارات الأسعاف لم تسلم من حقد الطيران السعودى الأسود , ويبدو كل هذا الدمار تحت راية أن السعوديه دولة أقليميه فى المحيط الأقليمى .
وماهو مخطط أمريكيا وصهيونيا للدور الأقليمى السعودى فى المحيط الأقليمى لايتحقق لها اِلا بالقضاء على مصر وجيشها , لذا فاِن ماتحدثه السعوديه من تأثيرات بالسالب فى المحيط الأقليمى هى أهداف تكتيكيه لتحقيق الهدف الأستراتيجى وهو مصر وجيشها .
ويبدو أن تجنيد العميل النائم الذى أوكلت دور تجنيده المخابرات الأمريكيه لكمال أدهم رجل المخابرات السعودى فى مصر , والذى أيقظته عقب وفاة جمال عبد الناصر , وقد حقق لها أهدافها فى الصلح مع اسرائيل وعقده معها
اتفاقية كامب ديفيد بتشجيع من حكام السعوديه ,وعودة سيناء مقيده ومنزوعة السلاح فى بعض اراضيها وأقامة سفارة أسرائيليه فى القاهره , هو بداية الدور السعودى لتحقيق مأربها فى القضاء على مصر وجيشها , ومن أجل ذلك كان ربط الأقتصاد المصرى بالرأسمالية العالمية وهيمنة المستثمرين السعوديين التابعين للأمبرياليه العالميه على الأستثمار المصرى وتابعيهم من مافيا رجال الأعمال المصريين وبارونات المخدرات . فحولوه الى استثمار رأسمالى ترفى غير منتج, يفرغ الأقتصاد المصرى من قواعده بييع المصانع والقطاع العام وبالتالى التخلى عن حقوق الفقراء ونزح الأحتياطى من العملات والهروب بالأموال الى خارج البلاد , وهو ما يؤدى الى الأعتماد على
القروض والمنح من حكومات السعوديه التى ترهن أستقلال مصر وتفقدها حرية قرارها وتؤدى الى تبعيتها , وهذا ما يجعل السعوديه تنفرد أكثر بالدور الأقليمى لها فى المحيط الأقليمى العربى على الأقل وتضمن عدم منافسة مصر
لها مستقبلا فى هذا الدور .
وعلى ذلك فأن المتتبع للعلاقات المصريه السعوديه يراها وقد تمحورت حول فرض شروط السعوديه على صانع القرار المصرى باِيعاز من الأدارة الأمريكيه, لتصوير مصر وهى تلهث وراء الحكم السعودى من أجل قرض هنا أو تمويل هناك ,وقد سايرت الأدارة المصريه مؤخراً ذلك المنطق من خلال التصريحات التى تداعب لعاب حكام السعوديه خاصة شبابها الأهوج وبدى تصريح “مسافة السكه”هو الأمثل ثم الأنضمام للتحالف فى حرب السعوديه على اليمن لايبارح تصريح أو أعلان , وصارت أتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعوديه هى الأخطر خاصة فى نصها أن تيران وصنافير سعوديتان , لولا وقفة الشعب المصرى وقضائه الشامخ .
وتبقى القشه التى قصمت ظهر البعير والتى تمثلت فى تصويت مصر فى مجلس الأمن على مشروع القرار الروسى بشأن سوريا , وأدراك مصر أن سوريا هى أمن قومى مصرى وأن وحدتها وجيشها خط أحمر , وحيث أن آل سعود يأملون الأنتهاء من الموضوع السورى وتدمير سوريا وجيشها والخلاص من رئيسها , لكى تتفرغ قوى الشر والارهاب العالمى التى تمولها السعوديه وتقودها اسرائيل وأمريكا لتفتيت مصر والقضاء على جيشها , لذا كان الفِراق , ولاحت جليا النيه المبيته لآل سعود فى خنق الشعب المصرى , بعد أن اوصلت الأقتصاد المصرى
منذ انفتاح السادات السداح مداح الى الأعتماد على المنح والقروض العالميه والسعوديه , فكان قرار شركة”أرامكو السعوديه بالتراجع عن تعهداتها بأمداد مصر بالمنتجات البتروليه بما قيمته 27 مليار دولار خلال خمس سنوات ,وما
سبق ذلك من رفض المملكه لقرض ضمان بقيمة 3 مليار دولار , واخيرا اتخاذ خطوات من اجل طرد المصريين العاملين بالمملكه .
ومن هنا يتجلى الدور الأقليمى ذات التأثير السلبى فى المحيط الأقليمى وهو فى الحاله المصرية يتدنى من سلبى الى شيطانى , وهو يهدف الى أستغلال معاناة الشعب المصرى فى خلق فوضى خلاقه تطيح بالأخضر واليابس قبل أن تطيح بقيادته .
وحيث أن المستهدف هنا هو الوطن المصرى , وفى حالة أستهدافه يبقى الأقليم وقد فقد تركيبته البيولوجيه وتحول الى كيان تقوده الصهيونيه وقد أسالت فيه المملكه السعوديه أموالها وبترودولارها ودماء الأبرياء من اجل
الشيطان .
من هنا فأن أتخاذ كثير من الكتاب وأفراد الشعب المصرى موقف الحياد من الأزمة التى تدفعها أسرة الحكم فى الشأن المصرى يرقى الى مستوى الخيانه , ففى هذه اللحظه الفارقه التى تستهدف فيها السعوديه كدولة أقليميه مصر وشعبها , وقد تجلى ذلك مؤخرا من خلال زيارة ولى العهد السعودى لتركيا واتفاقه مع اردوجان عدو الشعب المصرى لأتخاذ خطوات تتخطى منع البترول الى التدخل فى الشأن المصرى لتطويع مصر وفرض أراده وهيمنة السعوديه وتركيا كدول أقليميه عليها ,حتى تغير من موقفها تجاه سوريا الى موقف يساهم فى القضاء على سوريا وجيشها العربى ,لحظتها تكون حانت الفرصه للأنفراد بمصر وجيشها ونشب مخالب الأرهاب الذى سيتحول من سوريا اليها .
وعلى ضوء ذلك “عندما يكون المستهدف وطنا يكون الحياد خيانة” .
كاتب ومحامى – مصرى
بانوراما الشرق الأوسط