أخيرا جاء قانون “جاستا”.. ليُشرّع ذبح البقرة المقدسة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 2927
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

أحمد الشرقاوي
هل تستحق “السعودية” منا الشفقة؟..
ما يحصل لـ”السعودية” اليوم مع أسيادها في واشنطن هو عدل الله في الدنيا قبل الآخرة، ومن المفيد قراءته من حيث التوقيت والمضمون من وجهة نظر تاريخية ودينية عقلانية، لاستخلاص العبرة والوقوف عند الحكمة الربانية التي تتجلى من خلال سننه في الخلق وإن اختلفت الأزمنة والأمكنة وتفاصيل المشهد..
وللإشارة، نحن لا نشمت ولا نتشفى في “السعودية”، كما لا نشفق عليها لأننا لسنا منافقين من جهة، ولأنها ليست دولة عربية ولا إسلامية من جهة ثانية، لكننا ومعنا ملايين المظلومين من أهل العراق وسورية ولبنان وليبيا واليمن وأفغانستان وغيرها ممن طالهم شر “السعودية”، لا نخفي ارتياحنا لما حلّ بها من مصاب جلل، ونعتبره من حكمة الله في خلقه، ولا نملك أن نقول في مثل هذه الحالة إلا ما يقوله المؤمن بقضاء الله وقدره وعدله وحكمته.. إن إكرام الميت دفنه، فللّه ما أعطى وله ما أخذ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون..
كم حلمنا أن يأتي اليوم الذي نشهد فيه سقوط مملكة الشر ونهايتها لإكرامها بدفنها في مزبلة التاريخ ومحوها من ذاكرتنا إلى الأبد، لما لاقته أمتنا العربية والإسلامية من ويلات ومصائب وكوارث جراء سياساتها العدوانية ومواقفها الاستكبارية وحقدها على كل ما هو عربي ومسلم..
وبالتالي، كيف يطلب منا البعض اليوم أن نتضامن مع مملكة الشر والإجرام ونهب لنجدتها والدفاع عنها لأنها “دولة عربية وإسلامية”؟..
هذا في الوقت الذي خرج مفتي الوهابية الشيخ الدجال الأعور ليكفر الشيعة جهارا نهارا وهم يمثلون ربع الأمة الإسلامية، وها هو إمام الحرم لا يفوت فرصة دون الدعاء من على المنبر لينصر الله الإرهابيين في سورية والعراق والمرتزقة في اليمن..
وها هم مشايخ الوهابية وفي عز أزمة نظامهم مع أمريكا، ومنهم الكاهن عوض القرني، يدعون حكومتهم إلى اتخاذ موقف حازم من أمريكا والبدء بإجراءات سياسية للتحالف مع غيرها، وإجراءات اقتصادية لسحب الاستثمارات الوهابية من السوق الأمريكية وخفض إنتاج النفط لرفع الأسعار وتغطية العجز.. متناسين أن من خرّب الاقتصاد “السعودي” هو قرار نظامها العميل بإغراق السوق بالنفط لاستنزاف اقتصاد روسيا وإيران دون احتساب العواقب الوخيمة التي حلت اليوم باقتصادها المتداعي، متجاهلين أن أمريكا لن تسمح لـ”السعودية’ بسحب ولو دولار واحد من مذخراتها بعد أن رفعت أول دعوى ضدها تتهم الدولة لا الأفراد فحسب بدعم الإرهاب، غافلين عن أن ‘آل سعود’ هم مجرد وكلاء يعملون لدى الأمريكي، وأنهم لا يستطيعون الخروج عن طاعة أسيادهم والارتماء في أحضان روسيا والصين، وأن مجرد التفكير في ذلك سيطيح برؤوسهم قبل أن يرتد إليهم طرفهم.
لكن المثير في هذه الدعوة، أنها جاءت مقرونة بتشجيع نظام ‘آل سعود’ على “مواجهة هذه المؤامرة وما سيتلوها من كيد صليبي صهيوني صفوي، يستوجب مضاعفة الجهد لإنجاز أهداف عاصفة الحزم ولدعم ثوار سوريا” كما قال الداعية المنافق عوض القرني..
فما علاقة إيران واليمن وسورية بما حل بـ”السعودية”؟.. أليس هذا عهر ما بعده عهر وتمادي فج في الغطرسة والإجرام؟.. والمضحك المبكي أن دعاة الوهابية يطالبون اليوم نظامهم التكفيري الذي يحارب الله ودينه وعباده بـ”مراجعة العلاقة مع الله على مستوى الأفراد والمجتمع والدولة”.. فعن أي إله يتحدث هؤلاء الجهلة؟.. إله الناس أم يهوه إله اليهود الصهاينة؟..
قد يبدو مثل هذا الكلام صادما، لأن هناك من يحثنا على وجوب التفريق بين النظام والرعيّة.. لكني شخصيا لا أفرق بين ‘آل سعود’ ومن يدينون بالولاء لهم من “السعوديين” إلاّ من رحم الله، لأن الساكت على جرائمهم هو شريك في الجريمة وفق العقيدة الإسلامية والأخلاق المحمدية والقيم الإنسانية، وبالتالي، لا عذر لـ”السعوديين” في ما أصابهم ما داموا أدانوا بولائهم لنظام قبلي فاسد مستبد قادم من زمن الجاهلية، استحوذ على مقدراتهم وخيرات بلدهم ورهن مستقبل عيالهم لأمريكا و”إسرائيل”، وبدّد ما حباهم الله به من ثروات عظيمة في ما يغضب الله ولا يرضيه، وأوغل في دماء أمة محمد لا تأخذه في ذلك لومة لائم ولا يرده عن غيّه وازع من دين أو ضمير..

“السعودية” من وجهة نظر تاريخية..
يقول التاريخ، أن شبه الجزيرة العربية بعد وفاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كانت أرض سلام وتعايش بين القبائل والطوائف والمذاهب، تسودها روح المحبة والتسامح والاحترام، وشكلت في غابر الأزمان حاضرة الثقافة الدينية العربية والإسلامية، حيث كان يقصدها العلماء وطلاب العلم والمعرفة من كل أصقاع الأرض، لأداء الطقوس الدينية في جو مفعم بالروحانيات من جهة، والبحث والدراسة والمناظرات وتبادل المعارف والخبرات من جهة ثانية، فكانت بحق مركز إشعاع أنار بالهدى مشارق الأرض ومغاربها.
لكن هذا الحال تغير بشكل جذري منذ احتلال ‘آل سعود’ لعاصمة المسلمين الدينية، مهبط الوحي وأرض الرسالة المحمدية الإنسانية، ومركز مقدسات الأمة، وبوصلتها في صلواتها كلها، ومكان توحّدها واجتماعها في مؤتمرها السنوي الذي تمثله شعيرة الحج كأسمى رمز لعقيدة التوحيد التي لا تكتمل إلاّ بوحدة الأمة التي أمر بها الله في علاه وأسس لبنتها الأولى رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض، لتكون حرة، قوية، عزيزة، كريمة، كما كانت أحسن أمة أخرجت للناس بشهادة القرآن.
هذا الاحتلال ما كان له أن ينجح من دون تخطيط ودعم من المخابرات البريطانية التي نسجت تحالفا سياسيا ودينيا متينا بين مؤسّس الكيان “السعودي” محمد بن سعود ومؤسّس الديانة الوهابية الدجال محمد بن عبد الوهاب لهما من الله ما يستحقان، حيث موّلت النظام الوليد وسلحته ودعمته ووضعت له القواعد والأسس الجديدة لـ”الإسلام الوهابي” ليكون البديل المشوه إلى أقصى الحدود عن “الإسلام المحمدي” السمح الجميل، ويشكل بالتالي جوهر عقيدة “الدولة” الناشئة ورسالتها الهدامة الجديدة التي تم العمل على نشرها والترويج لها في العالم العربي والإسلامي، من خلال استراتيجية بناء المساجد وتكوين الكهنة وإعدادهم لسرقة قلوب الناس وغسل أدمغتهم البدائية البسيطة من مدخل تصحيح عقيدة التوحيد التي تعني حرفيا التجسيم والتجسيد والتشبيه.
وحددت له بريطانيا وبعدها أمريكا مجموعة أهداف رئيسة عمل هذا التحالف “السعودي – الوهابي” المجرم على تحقيقها مقابل حماية عرشه من الزوال والسكوت عن ظلمه وفساده، وهذه الأهداف هي:
* أولا: التوسع في محيطه الجيوسياسي حيث قام باحتلال عديد الأراضي وارتكاب المجازر في حق سكانها وهدم المساجد التي بها نقوش وزخارف وتدمير القبور ومراقد الصحابة وتخريب أضرحة الأولياء وتسويتها بالأرض بذريعة إحياء السنة والقرآن ومحاربة كل مظاهر الشرك، وكان أول عمل خبيث قام به عند احتلاله لكربلاء سنة 1801 هو هدم قبة الإمام الحسين عليه السلام على سنة يزيد بن معاوية الذي هدم الكعبة بالمنجنيق المُلقّم بحجارة الزيت والنار واعتبرها مظهرا من مظاهر عبادة الحجر، وبسبب هذه الواقعة الخطيرة انتقم الشيعة منه فقتلوا عبد العزيز بن محمد بن سعود في مسجد الدرعية.
* ثانيا: احتلال الحجاز مركز مقدسات المسلمين لإضفاء نوع من الشرعية الدينية على حكم ‘آل سعود’ الذين أرادتهم بريطانيا العظمى أن يكونوا أسياد المشرق من خلال تمتيعهم بأحقية قيادة العرب والمسلمين، وبمجرد أن استتب لهم الأمر في الحجاز بعد أن تعهدوا للدول الإسلامية كذبا بعدم المساس بمقدسات الأمة، وأنهم فقط سيقومون على إدارة شؤون الحج ورعاية ضيوف الرحمن دون أن تكون لهم الولاية السياسية أو الدينية على المسلمين ومقدساتهم، حاولوا هدم قبر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وتسويته بالأرض، فقامت قيامة الدول الإسلامية، الأمر الذي جعلهم يتراجعون عن هذا العمل الإجرامي الشنيع خوفا من هبّة عالمية تعصف بعرشهم وتروي رمال الصحراء بدمائهم النجسة.
ثالثا، إلغاء المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة لتحويل أتباع هذا التيار، وهم الغالبية العددية في الأمة بحكم إسلام الوراثة، إلى وهابيين برغم أن الوهابية كانت أقلية عددية في شبه الجزيرة العربية مقارنة مع الإسماعيلية والإثني عشرية والزيدية وبقية المذاهب السنية الأخرى المنتشرة في البلاد، والتي تم القضاء عليها جميعها بمذابح فظيعة في حق معتنقيها.
رابعا، القضاء على “الخلافة العثمانية” لضرب مفهوم وحدة الأمة بغض النظر عن طبيعة الخلافة الاستبدادية التي عرف بها العهد العثماني.. وهو ما مكن بريطانيا وفرنسا حينها من تقسيم العالم العربي زمن “سايكس وبيكو”.
خامسا: حيث أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، فقد كان من نتيجة سقوط “السلطنة العثمانية” أن ظهرت فكرة الوحدة العربية، وعرفت أوج تاريخها زمن القائد جمال عبد الناصر الذي عرف كيف يعزف بإتقان على عواطف الشعوب العربية التي انقادت وراء الحلم بحماسة منقطعة النظير.. لكن “السعودية” كانت له بالمرصاد، فقتلته بالسم ودفنت فكرة الوحدة العربية معه في القبر إلى الأبد، انتقاما ممّا فعلته القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا لمّا حاصرت الدرعية عاصمة الدولة الوهابية واحتلالها وأسرت الحاكم الوهابي عبد الله بن عبد العزيز وأرسلته إلى إسطنبول حيث أعدم هناك سنة 1819م.
سادسا: انطلاق مرحلة نشر العقيدة الوهابية في العالم العربي والإسلامي في سبعينيات القون الماضي لتكون بديلا عن فكرة القومية العربية، عبر خطة مدروسة وطويلة النفس، إلى أن انتزع ‘آل سعود’ بحكم الأمر الواقع، أمام غفلة المسلمين وانحطاط دولهم وعمالة أنظمتهم، شرعية الحديث باسم المسلمين وتمثيلهم وتحويلهم إلى جنود لدعم حملات ‘آل سعود’ “الجهادية” ضد من يكفرونهم ويعتبرونهم أعداء الله وأمة محمد بن عبد الوهاب من غير اليهود والصليبيين، ونجحوا في ذلك بفضل المال الحرام وشراء الأنظمة العميلة والمجاميع الدينية الرسمية وغسل أدمغة المستضعفين من الجهلة وحثالة الأمة المسحورة.
سابعا: تم توظيف “السعودية” في الحرب على الشيوعية زمن الاتحاد السوفياتي السابق من خلال سلاح الإرهاب الذي سمي حينئذ بـ”الجهاد” في الملحدين الروس نصرة للمسلمين في أفغانستان كما هو معلوم.. فظهرت “القاعدة” التي غيرت بإجرامها تاريخ العالم وجلبت الكوارث والويلات للعرب والمسلمين وبقية شعوب الأرض الآمنة، وبفضلها تحول الشيطان الأكبر إلى الحاكم الأوحد للعالم دون منافس أو منازع، وتحولت الدول إلى وكالات أمريكية والشعوب إلى عبيد في خدمة الأسياد في واشنطن وتل أبيب ضمنيا.
ثامنا: مع نجاح الثورة الإيرانية المجيدة، برزت حاجة الغرب إلى تدميرها مخافة أن تمثل البديل الحضاري لـ”الخلافة العثمانية” البائدة أو”القومية العربية” المهزومة، فأوكل لـ”السعودية” مهمة وأد المولود الجديد في المهد، فكانت حرب الثماني سنوات التي خاضها الغبي صدام ضد إيران بالوكالة وكلفت ‘آل سعود’ 200 مليار دولار وفق ما كشفه سماحة السيد ذات خطاب، لكن المقبور صدام فشل وفشلت معه “السعودية” ومشيخات الخليج والعربان الذين انقادوا كالبعير الضالة وراء الوهابية في تكفير الشيعة لتخويف الناس من عقيدتهم المحمدية النظيفة.
تاسعا: افتعلت أمريكا أحداث الحادي عشر من أيلول 2001، فبدأ عهد جديد من الحروب الحضارية (الصليبية) الجديدة ضد العرب والمسلمين.. وبقية القصة معروفة: من أفغانستان إلى العراق إلى لبنان إلى ليبيا فسورية فالعراق مرة أخرى فاليمن.. والهدف في نهاية المطاف هو إيران ومحور المقاومة، وكلها حروب مولتها “السعودية” ومشيخات الخليج، ودعمتها بالإرهاب والمرتزقة وفتاوي الجهل والضلال وحملات الكذب والتزوير والتضليل في الإعلام، لتفجير الهويات وتمزيق المجتمعات وتدمير العمار تمهيدا لتقسيم الأوطان كي لا تقوم لوحدة الأمة قائمة.. وكل ذلك باسم العروبة حينا والإسلام أحيانا..
عاشرا: تصنيف حركات المقاومة في المنطقة كحركات إرهابية، لقتل روح الجهاد الحق في الأمة والتكالب على آخر ما تبقى لها من شرفاء يدافعون عن كيانها ووجودها ومصيرها ضد المؤامرات الخبيثة التي تحاك ضدها من أمريكا و”إسرائيل” و”السعودية”، وكانت هذه هي القطرة التي أفاضت الكأس، فبدأت حرب السماء ضدهم حين قرروا معاداة رجال الله وجنده المخلصين في الأرض..
والنتيجة يعرفها الجميع اليوم، خصوصا بعد سقوط الرهان على إسقاط إيران ومحورها في سورية الأبية، واتخاذ الصراع بعدا دوليا بدخول روسيا مستنقع الشرق الأوسط، فوجدت أمريكا نفسها عاجزة عن فعل شيئ ينقذ ماء وجهها.. فلا هي قادرة على التدخل عسكريا مخافة انفجار حرب عالمية ثالثة، ولا أدواتها ساعدوها في إحداث التغيير المطلوب على الأرض وتحقيق الأهداف التي حددت لهم، وتحولوا إلى عبئ عليها يثقلون كاهلها، فلم تجد من مخرج لمعضلتها سوى تحميلهم مسؤولية الفشل والتخلص منهم بعد ابتزازهم وسلبهم ما تبقى في أرصدتهم من مذخرات..
والانقلاب التركي الفاشل كان البداية بالنسبة لأردوغان والآتي أعظم، كما أن قانون “جاستا” مثل نقطة التحول الكبرى وبداية النهاية لنظام ‘آل سعود’ اليهود الذي لم تنجح ملايين الدولارات التي أنفقوها على شراء اللوبيات في واشنطن ولا التحالف العلني مع “إسرائيل” من تجنيبها العقاب، لأن ما لم يفهمه ‘آل سعود’ الأغبياء، هو أن المال لا يستطيع شراء كل شيء، لأنه في الغرب عندما يتعلق الأمر بحق الحياة لا يستطيع أي سياسي إلا أن ينحاز لمطلب العدالة، لأنه وبغض النظر عمّا يفعله بالآخرين، لا يمكنه الوقوف ضد حقوق ذوي الضحايا مهما اكتست مصلحة بلاده مع الجلاد من أهمية..
وهنا تبرز يد الله التي تعمل في الخفاء، ولا يسع الإنسان إلا أن يسلم بأن لله في خلقه شؤون لا يعرفها ولا يقدرها إلا هو.. ولنا في القرآن دروس وعبر لم تستفد منها أمتنا المسحورة للأسف.

الوهابية من وجهة نظر دينية..
لا يسع المجال هنا لنقد الفكر الوهابي وتبيان أوجه التعارض مع القرآن وصحيح السنة، وأوجه التدليس والضلال التي تزخر بها عقيدتها المنحرفة خصوصا في مسألة التوحيد، لأن كشف الشبهات في مجال “الإلهيات الإسلامية” يحتاج لمباحث معقدة لا تستوعبها عقول العامة، لكننا سنكتفي هنا بالتركيز باختصار شديد على مسألتين هي من صلب العقيدة التي تدعيها الوهابية.. ويتلق الأمر بقضية الولاء والبراء ومنهج التكفير.
والسؤال الذي نطرحه بالمناسبة هو: – إذا كانت الوهابية تمتح من المدرسة السلفية الظاهرية المتشددة، وأسست عقيدتها في مجال الولاء والبراء من تراث ابن تيمية الذي يعتبرها من أركان العقيدة الإسلامية وشرط من شروط الإيمان الذي لا يصح إلا بها، ويستشهد ابن تيمية في هذا المقام بقوله تعالى: ( تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) المائدة: 80 – 81.
يقول ابن تيمية في توضيح هذه الآية: “فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالْلهِ والنَّبِىّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء}، فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب بالله والنبي وما أنزل إليه”.. (كتاب الإيمان – ص: 14).
كثيرة هي الآيات التي يستشهد بها ابن تيمية في هذا الباب، ثم ينتهي إلى خلاصة يستمدها من قوله تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) البقرة: 120.
ولا نحتاج بالمناسبة لشرح ابن تيمية أو غيره لفهم مراد الله من خطابه لرسوله والذين آمنوا معه المتضمن في ثنايا هذه الآية الكريمة، وبالتالي، فأين مصداق العمل بهذا النهي الرباني بالنسبة لـ’آل سعود’ الذين يدعون الإسلام ويتمسكون بمرجعية الوهابية التي تمتح من مدرسة ابن تيمية السلفية، والتي على أساسها قسّم العالم إلى دار حرب ودار سلام، ودعا إلى محاربة اليهود والصليبيين وعدم موالاتهم لأن ذلك يخرج المسلم عن إيمانه؟..
وكيف يمكن أن نفهم إسلام ‘آل سعود’ على ضوء تاريخهم المخزي ومؤامراتهم الخبيثة ضد الله ودينه وعباده المؤمنين خدمة لمصالح أمريكا والغرب الأطلسي وأهواء صهاينة “إسرائيل”؟..
نكتفي بهذا القدر لنقول لمن يطالبنا اليوم بالوقوف نصرة لـ’آل سعود’ ضد قانون “جاستا” الذي شرّع لذبح البقرة الوهابية.. إن نصرة هؤلاء الطغاة المتكبرين الأجلاف هو كنصرة “إسرائيل” لا فرق، لأن الوهابية والصهيونية وجهان لعملة واحدة..
فكيف نغضب الله وهو يطالبنا بالاستقامة كما أمرنا، ومن شروط الاستقامة التمييز بين الشر والخير، بين الحق والباطل، بين الإيمان والنفاق، لتجسيد عقيدة الولاء والبراء واقعا في حياة الأمة.
والولاء هو غير التعامل باحترام والتعاون بمودة مع من يحترمنا كما هو الحال مع روسيا والصين مثلا، هذا أمر مختلف لا يفهمه من شحن دماغه بزبالة الثقافة الوهابية المنحرفة.
أما في ما له علاقة بمنهج التكفير فحدث ولا حرج، ويكفي الرجوع إلى كتاب (الدرر السنية في الأجوبة النجدية) للشيخ عبد الرحمن بن محمد القاسم الحنبلي النجدي، الطبعة السادسة مزيدة ومنقحة، والذي جمع فيه رسائل ومسائل “فقهاء” نجد من الكاهن محمد بن عبد الوهاب وتلامذته وصولا إلى عصرنا هذا، نستشهد ببعض ما جاء فيه على سبيل المثال لا الحصر.
(علماء نجد وقضاتها لا يعرفون الإسلام – علماء الحنابلة وغيرهم في عهد الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانوا مشركين شركا أكبر ينقل من الملة – الحرمين الشريفان ديار كفر – تكفير الإمامية – تكفير أهل مكة والمدينة – تكفير قبائل البدو – تكفير السواد الأعظم من المسلمين – تكفير من يتحرج من تكفير أهل لا إله إلا الله – تكفير الرّازي صاحب التفسير – تكفير كل من يخاصم الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو يخالفه في العقيدة – تكفير أكثر أهل الشام – الفقه هو عين الشرك – أهل الوشم كفار – أهل سدير كفار – أهل الأحساء يعبدون الأصنام – أهل نجد يعبدون الحجر والشجر.. وغيرها كثير) ..
ثم جاء تلامذته من بعده فساروا على نهجه وزادوا عليه في التكفير حبة، ومما ورد في اجتهاداتهم المتأخرة: (تكفير عديد القبائل العربية المسلمة – تكفير من خرج إلى البلدان إذا كان يرى إسلام أهلها – تكفير ابن عربي وابن الفارض – تكفير أهل مكة والمدينة لأنهما دار كفر – وتكفير الدولة العثمانية، بل وتكفير من لا يكفرها – تكفير من وافق أهل الحجاز أو اليمن أو الشام أو مصر أو العراق في العقيدة – تكفير المسافر إلى خارج بلاد الدعوة – تكفير المعتزلة والأشاعرة والماتريدية والمتصوفة وأهل السنة الذين لا يتبعون منهجهم – تكفير من سمى الوهابية خوارج – تكفير من بلغته دعوة محمد بن عبد الوهاب ولم يسلم – تكفير من دخل في الدعوة وادعى أن آباءه ماتوا على الإسلام – تكفير مانعي الزكاة – تكفير من قال لا إله إلا الله حال الحرب يقتل – تكفير من يستخدمون الخدم في بيوتهم ومكاتبهم وأشغالهم – تكفير من سافر إلى بلاد المشركين للتجارة إلا أن يكون المسلم قويا له منعة)..
هذا غيض، لكن المفارقة أن تلامذة محمد بن عبد الوهاب أقروا عقيدة شيخهم في الولاء والبراءة، ومنهم من ذهب بعيدا في تكفير حتى من أكرم النصارى أو أثنى عليهم أو عاشرهم ولم يعلن البراءة منهم فهو مرتد يطبق عليه حكم الخارج من الملة، واعتبروا المسلمين القادمين من الدول العربية للتعليم في بلادهم ملحدين لا يجب الاستعانة بهم، وحرموا لعب الكرة لأنها تدخل في باب المرح، وأنزلوا الدخان منزلة الخمر في التحريم، واعتبروا التصوير شرك، واللباس العصري تشبه بالمشركين، والمعارض لولي الأمر مرتد يقتل… وغيرها كثير مما لا يسع المقام لسرده.
*** / ***
والسؤال الذي يطرح نفسه بالمناسبة بمعايير الدين ومقاييس العقل هو: – هل الوهابي مسلم؟..
الجواب نتركه لمن لا زال يعتبر ‘آل سعود’ مسلمين، أما من عرفوا حقيقتهم وأدركوا نفاقهم وحسموا أمرهم من العرب والمسلمين، فلا يمكن مطالبتهم بنصرة الظلمة الفجرة الفاسدين والمنافقين المجرمين الذين أعلنوا الحرب على الله ورسوله وشوهوا الإسلام وأوغلوا في دماء المسلمين من منطلق عقيدة التكفير، بل وذهبوا بعيدا في مخالفة عقيدة نبيهم الدجال في مجال الولاء والبراء حين قبلوا بالتحول إلى عبيد في خدمة أسيادهم في واشنطن وتل أبيب.
وعلى هذا فلتذهب “السعودية” هي ومن والاها إلى الجحيم، ولا حل لمن يخشى ربه من أهلها اليوم إلا بإعلان براءته من ‘آل سعود’ والتمرد عليهم للنجاة بنفسه..
غير ذلك، سيكون قد خسر الدنيا والآخرة ولن يقبل منه عذر أمام الله والأشهاد يوم القيامة.

بانوراما الشرق الأوسط