لماذا فتح اردوغان مدافعه الثقيلة على السيسي فجأة؟ وما علاقة ذلك بزيارة ولي العهد السعودي لأنقرة؟
تناول المقال الافتتاحي لصحيفة “رأي اليوم” اللندنية، الثلاثاء 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أسباب فتح اردوغان “مدافعه الثقيلة” على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فجأة بينما التوقعات ذهبت إلى انفراج وشيك بين البلدين، وما علاقة ذلك بتطورات الأوضاع في سورية وزيارة ولي العهد السعودي لأنقرة؟ وكيف سيكون الرد المصري على هذا الهجوم التركي الكاسح؟
اعتقد الكثيرون، ونحن من بينهم، ان عودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين مصر وتركيا بات وشيكا، بعد التصريحات التي ادلى بها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم قبل بضعة اشهر، واكد فيها رغبة حكومته في الانفتاح على مصر ودول أخرى مثل العراق وسورية، وجرت ترجمتها على شكل لقاء غير مسبوق بين وزيري خارجية البلدين على هامش قمة عدم الانحياز في فنزويلا قبل شهر، ولكن الهجوم الشرس الذي شنه الرئيس رجب طيب اردوغان في مقابلته التي اجراها الزميل خاشوقجي لمحطة “روتانا” لم تنسف التفاؤل تجاه هذا التقارب فحسب، بل رشت المزيد من الملح على جرح العلاقات الملتهب، وأغلقت كل الأبواب بشكل محكم امام أي تطور إيجابي على هذا الصعيد.
الرئيس اردوغان كان هجوميا شرسا في تناوله للشأن المصري الحالي، وجارحا في تناوله للرئيس عبد الفتاح السيسي وتوصيفه، عندما قال “ان الحكم الحالي في مصر هو حكم انقلاب على الشرعية ولا بد من تصحيح هذا الخطأ، وفتح المجال امام الديمقراطية.. انه من الممكن إعادة العلاقات مع مصر إذا تم إطلاق سراح الرئيس المنتخب محمد مرسي ورفاقه”، وتحدث عن الرئيس السيسي بقوله، “هذا الشخص كان وزيرا للدفاع وانقلب على رئيسه.. هذا امر لا يمكن القبول به”.
كلام الرئيس اردوغان صحيح في معظمه، ان لم يكن كله، فما حدث في مصر انقلاب فعلا، ولكن السؤال هو لماذا شن هذا الهجوم الكاسح الآن؟ ألم يكن يعرف ان الرئيس السيسي وزير الدفاع انقلب على رئيسه الذي اختاره وعينه في هذا المنصب عندما اطلق السيد يلدريم تصريحاته حول الرغبة في استعادة العلاقات مع مصر؟
من الصعب علينا الإجابة، وكل ما يمكن ان نقوله ان الرئيس اردوغان متقلب في مواقفه، ويقول أحيانا الشيء وعكسه، فقبل ان يرسل قواته الى سورية للتوغل في أراضيها، ويقيم منطقة عازلة في حدود الف كيلومتر مربع، ويخطط لإقامة مدن لإعادة اللاجئين السوريين، توقف عن احاديثه عن ضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، واكد ان الخلافات بين البلدين باتت خلف ظهره، كما لا ننسى في هذه العجالة الإشارة الى انه، أي الرئيس اردوغان، ذهب الى موسكو وتصالح مع الرئيس فلاديمير بوتين، واعتذر باللغة الروسية عن اسقاط الطائرة قرب الحدود التركية السورية.
الرئيس اردوغان يبلور سياساته حسب مصالح بلاده، بل ونظام حكمه أيضا، ولا نستبعد انه أدرك خلال لقائه مع الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السعودي، الذي زار انقرة الأسبوع الماضي، ان العلاقات السعودية المصرية في قمة التدهور، وان النظام المصري فقد الحليف السعودي بسبب انفتاحه على ايران، ولذلك قرر اللجوء الى التصعيد.
الامر الآخر اللافت هو تدهور العلاقات الروسية الامريكية، ووقف التنسيق بين البلدين في الملف السوري، الامر الذي قد يؤدي الى تعزيز التنسيق التركي الأمريكي في المقابل.. وفوق كل هذا وذاك تراجع مكانة الحكومة المصرية في الغرب، وتفاقم ازماتها المالية، وتوقعات خبراء، من بينهم مجلة “الايكونوميست” البريطانية العريقة التي رسمت صورة متشائمة للوضع الاقتصادي المصري، وذهبت لدرجة نصيحة الرئيس السيسي بعدم الترشح في انتخابات الرئاسة عام 2018.
المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية رفض التعليق على اقوال الرئيس اردوغان هذه التي قال انه “لا يسأم من تكرارها”، ولكن من يعرف المؤسسة المصرية يدرك جيدا انها لن تكتف بالصمت وعدم التعليق، ولا نستبعد ان تتقارب مع فتح الله غولن، الخصم الأكبر للرئيس اردوغان، والمتهم بمحاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا، تماما مثلما تقاربت مع ايران لإيصال رسالة واضحة الى السعودية بأن وقف المساعدات المالية يدفعها للبحث عن خيارات أخرى في سورية وايران، وربما في اليمن أيضا.
الزميل الخاشوقجي الذي أجرى المقابلة مع الرئيس اردوغان صديق لتركيا، ولا يمكن ان يقدم على هذه الخطوة دون التشاور مع حكومته، فمحطة “روتانا” مثل معظم وسائل الاعلام السعودية الأخرى، ليست بعيدة تماما عن السياسة الرسمية السعودية، واختيار الرئيس أردوغان لاجراء هذه المقابلة، وفي مثل هذا التوقيت ليس عفويا.. والله اعلم.