ما يخرج عن طوع السعودية في اليمن
قاسم عز الدين
من غير المتوقع إيجاد هذا الطرف الثالث القادر على تقديم ضمانات فعلية لجميع الأطراف في اليمن إلا إذا كان قادراً ومتوازناً في الوقت نفسه. ولعل أقرب ما يقع بمتناول اليد إذا كانت فكرة الطرف الثالث جديّة وواقعية الواقعية، هو مجلس الأمن بطرفيه الروسي والأميركي، وبطرفيه الإقليميين السعودي والإيراني.
يحاول كيري في مبادرته إبداء مرونة لتخفيف الضغوط على واشنطن ولندن والسعودية
يحاول كيري في مبادرته إبداء مرونة لتخفيف الضغوط على واشنطن ولندن والسعودية
ما أفصح عنه في نيويورك المبعوث إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد، قد يطيح بما سمي مبادرة كيري وربما يدل على حجم الضغوط السعودية لتعطيل خرق جدار الأزمة.
ففي معرض تفسير ما وصفه بعدم التعارض بين خطته للحل ومبادرة كيري، يعود ولد الشيخ إلى نقطة الصفر في الحل الأمني قبل الحل السياسي. ويقول "لا يمكن أن تكون حكومة وحدة وطنية في اليمن بينما تقع العاصمة تحت سيطرة طرف ما". بل هو يعود إلى ما قبل مشاورات الكويت التي استمرت ثلاثة أشهر، للبحث عن صيغة وصفها ولد الشيخ بتلازم المسارين في الحل السياسي والأمني معاً.
هذا التلازم الافتراضي سبقته إليه الرياض في مباحثات تهدئة شكلية مع أنصار الله جرت في مسقط وفي الرياض بحسب بعض المصادر. ونصّت على أن يتم الاتفاق بين فريق الرئيس عبد ربه منصور هادي وفريق صنعاء على تعيين نائب رئيس كامل الصلاحيات محل علي محسن الأحمر، وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من الأطراف كافة. لكن مقابل انسحاب الجيش واللجان من صنعاء وتعز والحديدة وتسليم الاسلحة الثقيلة لجيش الرئيس هادي بمثابة التسليم للشرعية بحسب القرارات الدولية.
لكن أنصار الله والمؤتمر الشعبي طالبوا قبل مشاورات الكويت وبعدها بتلازم المسارين، بناء على وقف الحرب ووقف الحصار وعدم تسليم رقابهم لجهة داخلية وخارجية قبل أن تتمكن حكومة الوحدة الوطنية من الإمساك بمقاليد مجريات الأمور وعدم السماح بتغليب طرف على طرف. وهو ما أوضحه وفد صنعاء ولا سيما المتحدث باسمه محمد عبد السلام. وعلى هذا الخلاف البيّن في مقولة تلازم المسارين تعطّلت مشاورات الكويت التي لم يفلح إسماعيل ولد الشيخ أحمد خلالها بتخطي الضغوط السعودية بشأن تسليم السلاح أولاً، على الرغم من ضغوط دولية أخرى لتحقيق خرق ما في جدار الأزمة المستعصية.
في هذا السياق يحاول وزير الخارجية الاميركية جون كيري في مبادرته، إبداء مرونة لتخفيف الضغوط على واشنطن ولندن والسعودية بسبب ارتفاع عدد ضحايا القصف والحصار من المدنيين. "فإراقة الدماء طالت ويجب إنهاء الحرب" بحسب تعبير كيري في مؤتمره الصحفي مع عادل الجبير في جدة. وبات في اليمن 21 مليوناً تحت وطأة الحاجة إلى مساعدات إنسانية، كما يقول ولد الشيخ أحمد. يُضاف إلى ذلك ما سماه الأخير بـ"التصعيد الخطير في النشاطات العسكرية"، في إشارة إلى الجبهة المشتعلة على الحدود مع السعودية. وهو الأمر الذي أدرجه كيري في مبادرته تحت مسمى "احترام أمن وسلامة وحرمة الحدود الدولية"، كما نقلها موقع السفارة السعودية في واشنطن. وفي مجال الضغط على السعودية لتأييد المبادرة، قامت واشنطن بسحب خبرائها في التحالف السعودي ويترافق ذلك مع تقنينها للمعلومات الاستخبارية وصور الأقمار الصناعية، والتلكؤ بتدفق الذخائر وفق تسريبات "نيويورك تايمز".
غير أن كيري لم يعلن مبادرته ولا أعلنتها إدارته. وما يُعرف عنها ورد في أحاديث متفرقة على لسان كيري في جدة وعلى لسان ولد الشيخ أحمد في نيويورك، والسفارة السعودية في واشنطن. ومما قيل ويقال إن كيري وجد حلاَ لمعضلة تلازم المسارات ومعضلة تسليم السلاح إلى ما سماه "الطرف الثالث". ومن غير المتوقع إيجاد هذا الطرف الثالث القادر على تقديم ضمانات فعلية لجميع الأطراف في اليمن إلا إذا كان قادراً ومتوازناً في الوقت نفسه. ولعل أقرب ما يقع بمتناول اليد إذا كانت فكرة الطرف الثالث جديّة وواقعية الواقعية، هو مجلس الأمن بطرفيه الروسي والأميركي، وبطرفيه الإقليميين السعودي والإيراني.
في هذا المنحى للبحث عن حل للأزمة ما يخرج عن طوع السعودية في اليمن هو اليمن حرباً أو سلماً. فهي تفترض أنها ستستمر في الحرب حتى تجد حلاً "لا يسمح للحوثيين المتحالفين مع إيران بالاستيلاء على اليمن"، كما يتوعّد عادل الجبير من بكين. لكنها في مسار البحث عن حل سياسي تجد "المجلس السياسي" كما وجدته في الحرب يضع في اليمن لكل مقام مقالاً.
الميادين نت