غدر" تتعرض له المملكة العربية السعودية!
مرّ خبر التأجيل الثاني لإقرار بروتوكول تأسيس "القوة العربية المشتركة" لصيانة الأمن القومي العربي الذي جاء في بيان الأمانة العامة للجامعة العربية الأخير، بعد تلقيها مذكرة من المملكة العربية السعودية طلب الإرجاء، "مرور الكرام" دون أن يتفاجأ به معارض أو يعارضه مؤيد، محاطاً بجملة تبريرات ربط معظمها بالحاجة الى مزيد من البحث في تفاصيله "ليس إلّا"، الا أنه وفي عودة بسيطة الى المناخ العام الذي ساد بين معظم الدول العربية التي رحبّت وتحمست لدعوة الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" لانشائها في آذار العام الماضي، يدرك انه كان وراء ذلك لسعة "كهربائية" أعادت لها النبض من جديد خاصة بعد تبدل نبرة رأس العباءة الخليجية أي السعودية، من نبرة الدفاع الى الهجوم الشرس، والنجاحات العسكرية الخليجية التي حققت في تلك الفترة. ولكن ماذا عن مناخ الدفاع العربي المشترك اليوم وأي شيطان يكمن في تفاصيل تأجيل اقرار بروتوكول "القوة العربية المشتركة" ؟!
تضاربت الآراء والتحليلات حول مدى جدية تأسيس "قوة عربية مشتركة" أو جدواها، سيما بعد سلسلة تجارب تاريخية فاشلة في هذا السياق، فلم يحمل خبر تأجيل اقرار بروتوكول تأسيسها سوى مزيد من الشكوك في جديتها وجدواها، ولكن هل هذا هو "سقف" الخبر أم ان ما يخفيه قرار التأجيل من حقائق قد يكون أخطر في ابعاده من حصر قراءته من زاوية تقييمية فقط؟!
في حقيقة الأمر، لا يمكن فصل قرار التأجيل عن السياق العام لمسار التسوية الدولية والاقليمية التي اقتربت من مراحلها النهائية ودخل فيها الحابل بالنابل، وبات فيها كلُّ يسعى، أقله للمحافظة على موطىء قدم تقف فيه قدماه غير مرتجفة، رامياً بكل شعاراته وقضيته وبهاراتها العروبية في أرشيف "الامانة" فاتحاٌ ابواب "مزاده" لمن يدفع اكثر بمصالحه. ومؤشرات ذلك يمكن اختصارها بنقطتين بارزتين:
- وجود قرار دولي وتحديدا "روسي – أميركي" بلجم الاندفاعة العربية بعدما شردت في طموحاتها عن حدود المسار الذي ُرسم لها والاهداف المتوخاة منها،ومرد ذلك ربما يعود الى عدم التقاط الدول العربية المشاركة،للاشارات الروسية التي ادلت بها في تعليقها الاول على خبر اعلان "تشكيل قوة عربية مشتركة" والذي اتى ترحيبها به "مبطناً" مشروطا بـ "الاخذ بعين الاعتبار"، "استشارتها بشأن اي مفاوضات تجريها جامعة الدول العربية حول ذلك" وفق ماصرح به وزير خارجيتها "سيرغي لافروف" في تموز العام 2015، وايضا الاشارات الاميركية التي جاءت على لسان وزير الدفاع الاميركي "أشتون كارتر" في آذار العام الماضي وصف فيها الدول المشاركة في القوة العربية المشتركة بأنهم "شركاء وحلفاء أمنيون لهم"،مردفاَ القول، بشرط ان " يتحركوا بطريقة تعتبر في مصلحة اميركا،حيث سيواصلون حينها العمل في شراكة معهم كما يفعلون معهم في أمور أخرى".
- التفاف خارجي مزدوج "روسي- ايراني" على القوى العربية المؤثرة بهدف فكفكة كل ارتباط "عربي-عربي" و "اسلامي – اسلامي"، قد يكون له تأثيرات سلبية على مسار التسوية الجارية في المنطقة او من شأنه ان يشكل مصدر قلق مستقبلي للغرب ومؤشرات ذلك يمكن اختصارها بحدثين هامين هما :
الأول: فك الارتباط "التركي – السعودي" عبر دخول روسيا من جهة على خط المصالحة معها والمساندة وتقديم الدعم اللازم سيما بعد الانقلاب العسكري الاخير الذي تعرضت له، ومن جهة اخرى التفاف ايران الواضح عليها، الذي ظهر عبر الاتصال الذي أجراه الرئيس الايراني "حسن روحاني" بنظيره التركي رجب طيب اردوغان منذ ثلاثة اسابيع، شدد فيه على ان " ايران وتركيا يجب ان تبذلا المزيد من الجهود لتسوية المشاكل الاقليمية ولاسيما ظاهرة الارهاب" تبع ذلك ادانة ايرانية علنية للانقلاب العسكري ودعم مطلق لشرعية الحكومة التركية والنظام السياسي فيها.
والثاني: التدخل العسكري الروسي في ميدان الازمة السورية وتمكنه من احداث تغيير ميداني كبير بزمن قياسي، مما شكل عامل اغواء امام اللاعب السعودي، تُرجمت نتائجه سكوتا سعوديا واضحا وصل الى حدود الرضى بذلك على قاعدة "زيوان موسكو ولا قمح طهران" فكان ذلك بمثابة وكالة سعودية بالمجان لللاعب الروسي في المنطقة.
بكل حال، ما بات واضحا، ان الالتفاف حول الحراك العربي هو التفاف مدروس وقد اتى متزامناً مع تسارع وتيرة الحراك الدبلوماسي الاميركي- الروسي الذي تكلل مؤخرا بخطة لم يفصح عن تفاصيلها بعد، وإن عبّر عن مناخها ممثل روسيا الدائم لدى الامم المتحدة في جنيف "اليكسي برودافكين" في حديث قال فيه ان: "هناك مستجدات واعدة في مجال التعاون والآن من المهم جدا تطبيقها على ارض الواقع"،هذا ليس فقط، فلقد كشفت المواقف الاميركية الاخيرة عن انسجام وصل الى حد الانصياع الكامل لوجهة السير الروسية وان كان ذلك سيكون على حساب حلفائها العرب وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، طالما يمكن ان يحصل لها عددا من النقاط على ابواب الانتخابات الرئاسية الاميركية، وتجليات ذلك برزت في عدة أمور منها، الاتفاق على ضرب جبهة النصرة الى جانب داعش بعدما غضت اميركا الطرف عنها سابقا مراعاة للحلفاء، أيضا اشارة وزير الخارجية الاميركي "جون كيري" مؤخراً بضم الملف اليمني الى مباحثاته في اشارة منه لحصر التحكم بخيط الحل اليمني بيد اميركا فقط، واخيراً تأجيل صفقات شراء مقاتلات اميركية جوية من كل من قطر والكويت والبحرين وفق ما صرحت به مسؤولة في سلاح الجو الاميركي مؤخرا لوكالة "رويترز" حيث اشارت الى "استياء يشعر به حلفاء الولايات المتحدة في الخليج من جراء تأجيل الصفقة".
بالطبع الصفعة التي تلقتها المملكة من حليفها الاميركي لم تكن وحيدة فلقد تبعها صفعة روسية اخرى جاءت ردا على العرض الذي قدمه وزير خارجيتها عادل الجبير والذي يقضي بمقايضة نفوذ روسيا في الشرق الاوسط برحيل الاسد، فجاء الرد على لسان نظيره الروسي " لافروف" في مقابلة مع الموقع الالكتروني لـ"الجمعية الامبراطورية الاورثوذكسية الفلسطينية" وصف فيها الدعوات الى تغيير النظام في سوريا بأنها "منافقة". الامر الذي يؤشر الى ان اللاعب الروسي يتجه لتحقيق اهدافه المرجوة في المنطقة وبالتالي امتلاك مفاتيح القوة في بعض اوراقها متقدما بذلك اشواطا عن اللاعب الايراني لأسباب يتداخل فيها الانقسام الداخلي الايراني وحاجة ايران للتحرر من العقوبات الاقتصادية، وهذا ربما ما دفع الممكلة العربية السعودية الى تقديم عرضها الاخير للدب الروسي مقايضة نفوذه في الشرق الاوسط بـ"النظام" فقط وليس بـ "ايران" وحليفها حزب الله مثلا، لادراكها مدى تأثير الدور الروسي في مسار المنطقة ولعلمها مدى اهمية "النظام السوري" لايران لكونه بوابة النفوذ الوحيدة للاخيرة ولحليفها حزب الله على دول المنطقة وبخاصة لبنان،الذي لطالما تحكمت بمساره ومصيره حرارة التفاهم السعودي- السوري.
بالمحصلة وأمام هذا الواقع يبدو ان مسار الحل في سورية والمنطقة بشكل عام لن يكون على هوى المملكة العربية السعودية، لا بل اكثر، يبدو انها امام "خيانة" واضحة تتجلى بتخاذل الحليف الاميركي، والتلاعب الروسي،وانكفاء تركي، وتمرد مصري، يقابلهم في المقلب الآخر تهديد ايراني واضح يخفي عنجهية وثقة بقرب تحقيق الانتصار. امام ذلك يطرح السؤال التالي: هل ستقف المملكة العربية السعودية حيال ذلك مكتوفة الايدي دون الاقدام على أي خطوة أم أنها ستنصاع لخارطة التسوية السورية وتكتفي بحفظ موطىء قدم آمن لها ضمن اطار حدودها؟!
الإجابة عن هذا السؤال تبقى رهينة السلوك السياسي الروسي وسقف طموحاته في المنطقة وكيفية تعاطيه مع نتائج التسوية وفيما اذا اراد ان يكون نسخة طبق الاصل عن اللاعب الاميركي ام انه سيعتمد سياسة اخرى بديلة، وربما المؤشرات على ذلك نقرأها من خلال ماورد مؤخرا على لسان مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية الروسية من حديث، اعلن فيه "استعداد موسكو للتوسط في النزاع بين دول الشرق الاوسط " بما يحمل ذلك من دلائل قد تطال مستقبل العلاقة الايرانية- السعودية.