امريكا تبريء السعودية فجأة من اي مسؤولية عن هجمات سبتمبر..
هل هي براءة نهائية؟ ولماذا جاءت في هذا التوقيت؟.. وماذا وراء الابقاء على سرية وثائق التحقيق 14 عاما ورفع السرية عنها فجأة؟
من المؤكد ان السلطات السعودية تلقت بإرتياح شديد تبرئة الوثائق السرية التي تتضمن نتائج تحقيقات لجنتي المخابرات في مجلس النواب والشيوخ لها، من اي تورط في هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2011، فقد ثارت شائعات كثيرة حول حصول منفذي هذه الهجمات من السعوديين على دعم من مسؤولين وامراء في السفارة السعودية في العاصمة الامريكية، وتعززت هذه الشائعات بعد اخفاء 28 صفحة من تلك الوثائق، وابقائها محظورة عن رجال الصحافة والاعلام.
الادارة الامريكية برفع السرية عن هذه الصفحات ارادت ان تقطع الطريق على هذه الشائعات، وتزيل اي لبس حولها، في خطوة من جانبها لتخفيف حدة التوتر في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، الناجم عن توقيع امريكا الاتفاق النووي مع ايران.
كان لافتا ان رفع السرية عن هذه الوثائق، جاء بعد ايام من الزيارة الماراثونية التي قام بها الى واشنطن الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي ولي العهد السعودي، والرجل القوي في المملكة، والملك المقبل، وهي الزيارة التي حظيت بإهتمام امريكي كبير على المستويين الرسمي والاقتصادي، وترددت أنباء بأن الامير بن سلمان توصل الى تفاهمات مهمة مع الادارة الامريكية، ابرزها اعتماده كحليف قوي للولايات المتحدة في المملكة والشرق الاوسط.
لا نعرف الاسباب التي ادت الى اضفاء طابع السرية على هذه الصفحات طوال الـ14 عاما الماضية، (التحقيق اكتمل عام 2002)، طالما ان المملكة السعودية بريئة من اي اتهام، وهل كانت عملية التعتيم هذه بهدف “ابتزازها” مثلا؟ وهل توقفت عملية الابتزاز هذه ام ان هناك حلقات اخرى في هذا المسلسل، يتم الكشف عنها كلما احتاجت الادارة الامريكية ممارسة ضغوطها على حليفها التاريخي القديم؟
المملكة العربية السعودية من المستبعد ان تتورط رسميا في هذه الهجمات لسبب بسيط، وهو ان الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم “القاعدة”، المتهم الرئيسي بالوقوف خلفها لم يكّن اي ود لها، وكان يعارض نظام الحكم فيها بقوة، ويتهمه بالكفر، ويعمل بكل الوسائل على اسقاطه.
المملكة اوفدت العديد من الوفود اليه، اي الشيخ بن لادن، الى السودان وافغانستان لاقناعه بالعودة والتوقف عن انشطته المعارضة لها وللغرب معا، وابلغ رئيس تحرير هذه الصحيفة “راي اليوم” عندما التقاه في المرة الاولى في نوفمبر عام 1996 في كهوف تورا بورا، ان وفدا سعوديا زاره في افغانستان يضم عمه واقارب له، حمل اليه عرضا من الحكومة السعودية بفك التجميد عن ارصدته في البنوك السعودية (قدّرها بحوالي 180 مليون دولار) ومضاعفتها، شريطة ان يعود الى الرياض، ويعلن في المطار فور وصوله، بأن الاسرة السعودية الحاكمة تطبق الشريعة الاسلامية على اكمل وجه، واكد انه رفض هذا العرض بقوة.
وجود 15 من بين 19 من منفذي تلك الهجمات من السعوديين، لا يعني ان حكومتهم متورطة في دعمهم، واذا كانت الادارة الامريكية واجهزة استخباراتها المتقدمة جدا لم تعلم بهذه الهجمات، او هكذا تفترض، ولم تقم بمنعها بالتالي، فكيف ستعلم بها الحكومة السعودية؟
تبرئة السلطات السعودية من هذا الملف بالذات قد لا يعني توقف عمليات الابتزاز الامريكي، فالادارة الامريكية التي “فبركت” اكذوبة اسلحة الدمار الشامل العراقية، والصقت تهمة اعتداء لوكربي بالعقيد معمر القذافي وحكومته، زورا وبهتانا، وهو بريء تماما منها، تستطيع لو ارادت “فبركة” اتهامات اخرى للمملكة للاستيلاء على ارصدتها المالية التي تقدر بحوالي 120 مليار دولار مودعة في سندات الخزانة الامريكية.
ما نريد الوصول اليه هو ان الحليف الامريكي لا يمكن الوثوق به، وصدق نواياه، ويعتبر الحلفاء العرب ادوات يستخدمها بالطريقة التي يريد، او بقرة حلوب يحلب ارصدتها وعوائدها النفطية متى شاء، ومن المؤسف ان السلطات السعودية افاقت من سباتها العميق بعد سبعة عقود، عندما اكتشفت الطعنة الامريكية المسمومة في الظهر، التي وجهتها اليها ادارة اوباما بخداعها في الملف النووي الايراني.
البراءة السعودية هذه قد تكون مؤقتة، او ربما موهونة “بمقابل ما” جرى التوصل اليه في الاسابيع او الاشهر الاخيرة، ومن الطبيعي ان لا نعرف كنهه، ونأمل ان تكون شكوكنا هذه في غير محلها.
“راي اليوم”