زيارة محمد بن سلمان للولايات المتحدة، الفرص والتحديات
جاءت زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي للولايات المتحدة. في مرحلة تمر بها العلاقات السعودية الأمريكية بمرحلة من الفتور بسبب اعتراضات السعودية على التقارب الأمريكي الإيراني الذي أعقب الاتفاق النووي مع إيران، كذلك تحفّظات الولايات المتحدة على عاصفة الحزم في اليمن وموقفها السلبي من تحالف دعم الشرعية، إضافةً إلى اختلاف وجات النظر الشديدة بين البلدين بالقضية السورية. ويأمل المراقبين أن تبعث زيارة الأمير محمد الحياة بتلك العلاقة من جديد.
الأهمية الاقتصادية للزيارة
يرافق الأمير محمد بن سلمان عددا من كبار المسؤولين بينهم وزير المالية إبراهيم العساف ووزير التجارة والاستثمار ماجد القصبي إضافة إلى وزير الخارجية عادل الجبير، إلا أن هذه الزيارة على أهميتها وأهمية الشخصيات التي شكلت الوفد الزائر، لا يؤمّل أن تستطيع تغير الكثير بسياسة أوباما للملفات التي تهتم بها السعودية، وذلك لأسباب عددية، من أهمها، إن أوباما يشد الرحال لمغادرة البيت الأبيض قريباً، فلم يتبقى لديه الفرصة أو الوقت الكافي لإحداث تغيير جذري في سياسته الحالية.
لكن ما يأمله الأمير محمد بن سلمان هو الحصول من الرئيس الأمريكي أوباما على دفعة مشجعة لطموحاته الواعدة في خططه الاقتصادية، والتي باشر بتنفيذها ضمن ما يسمى برؤية المملكة العربية السعودية 2030، والحراك الاقتصادي المتمثل في برنامج التحول الوطني 2020. لا سيما وأن الزيارة تأتي بعد بضعة أيام فقط من مصادقة مجلس الوزراء السعودي على خطة التحول الوطني للمملكة التي تشكل عنصرًا محوريًا لرؤية 2030 الإصلاحية التي أعلنت في 25 من أبريل الماضي.
وقد ركز موقع SUSRIS الإلكتروني (وهو موقع متخصص بمتابعة العلاقات السعودية الأمريكية) على الأهمية الاقتصادية لهذه الزيارة، نظراً لأهمية المنصبين المهمين الذين يشغلهما الأمير محمد واللذان يغطيان مجالاً كبيراً من القضايا المشتركة بين البلدين، إضافة لكون الزيارة جاءت بعد عقد صفقة لشراء حصة كبيرة من شركة "اوبر" العالمية والتي تعد الاستثمار الدولي الأول لصندوق الاستثمارات العامة السعودي وبلغت قيمتها 3.5 مليار دولار، ما يطمئن الأسواق العالمية أن الاتفاق هذا يشير إلى أن السعودية لديها الثراء الكافي، الذي يجعلها تستثمر بمبالغ كبيرة من المال.
وفي الوقت الذي تجد السعودية نفسها بحاجة لدخول الاستثمارات الأميركية في خطط وبرامج الرؤية السعودية (2030) فهي بحاجة أيضاً لأن تكون مسنودة بغطاء سياسي وتوافقي كبير، يؤمل أن يتحقق بعد هذه الزيارة.
ومن الدلالات القوية على أهداف هذه الزيارة الاقتصادية، حصول شركة "داو كيميكال" على رخصة تجارية بالمملكة السعودية من يد الأمير محمد سلمان نفسه، كأول شركة اجنبيه تستثمر بالمملكة، ومن المتوقع أن يقوم الأمير محمد بن سلمان بزيارة لكاليفورنيا واللقاء برؤساء شركات التقنية في وادي السيليكون. ومن المتوقع، أن يتم عقد العديد من الصفقات التكنولوجية بين المملكة والشركات التكنولوجية بوادي السليكون خلال فترة الزيارة.
من ردود الأفعال على تلك الزيارة، ما قاله السيناتور الجمهوري بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الخارجية "أعرف أن هناك تحديات ثقافية هائلة سيتعين عليه (يقصد الأمير محمد) أن يتغلب عليها، لكنه إذا نجح بنسبة %50 فسيكون قد حقق شيئا، وكلامه هذا له دلالات خطيرة، فهذا السيناتور الجمهوري يبدو أن يريد أن يساوم ما بين المساعدة الأمريكية للمملكة، وما بين إحداث تغير ثقافي جدي فيها، وبالتأكيد المقصود هنا النهج الإسلامي الذي تطبقه المملكة، ومحاولة من هذا السيناتور لتعميق مخاوف المؤسسة الدينية في المملكة فيما إذا تساهل الأمير محمد مع هذه المطاليب. ونحن نعلم بأن الخطط التي يتبناها الأمير محمد بن سلمان تواجه عراقيل مع المؤسسة الدينية المحافظة بالمملكة حالياً، إضافة إلى طبقة المستفيدين من السخاء الحكومي.
الجانب السياسي للزيارة
إنَّ حضور وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ضمن تشكيلة الوفد السعودي الزائر يعطي للزيارة أهمية سياسية ودبلوماسية كبيرة نظراً لما يتمتع به عادل الجبير من حنكة سياسية كبيرة أثبتتها الفترة القصيرة التي قضاها في إدارة دفة الخارجية السعودية، واستطاع تحويلها من سياسة ردود أفعال، إلى سياسة مبادرة في قضايا المنطقة، ورفع من شأن السعودية كلاعب أساسي بالمنطقة.
تشمل هذه الزيارة، التباحث مع الجانب الأمريكي بعدة قضايا سياسية عالقة بينهما وتتباين وجهات نظرهما فيها والمتعلقة بالشأن السوري، والشأن اليمني، والشأن العراقي، بالإضافة إلى موقف الولايات المتحدة من إيران وتدخلاتها بشؤون دول المنطقة الداخلية. وعلى الرغم من إنَّ أغلب المراقبين السياسيين قللوا من شأن النتائج التي ستتمخض عنها تلك المباحثات، إلا إنَّ من الممكن أن ينجح الوفد السعودي المفاوض برئاسة محمد بن سلمان، الحصول على بعض التوافقات التي تفيد المملكة في تحدياتها الحالية.
فهي تحاول الضغط على الإدارة الأمريكية باتخاذ مواقف أكثر تشدداً من النظام السوري، إلا إنَّ الإدارة الأمريكية جددت طرح رؤيتها لحل الموضوع السوري سياسياً، على الرغم من اتفاقهم مع السعودية، أن لا مكان للأسد في سوريا مستقبلاً. كما وإن الأمريكان مازالوا على موقفهم الرافض لإيجاد منطقة أمنة داخل الأراضي السورية تستوعب الأعداد الكبيرة من اللاجئين المنتشرين بالدول المجاورة.
لكن ما يلفت النظر تزامن الزيارة مع إعلان أكثر من 50 دبلوماسي أمريكي في بيان ينتقدون فيه سياسية أوباما في سوريا ويقترحون أن تقوم أمريكا بضرب الأسد والتخلص منه لأنهاء هذه الحرب التي طالت أكثر مما ينبغي. وعلى ما يبدو إن الإدارة الأمريكية قامت بالسماح لمثل هذا الإعلان كبالون اختبار لتحديد مواقف الأطراف الأخرى المهتمة بالقضية السورية، أو لمغازلة موقف السعودية من هذه القضية، إلا إنَّ الرد الروسي لم ينتظر طويلاً فجاء منتقداً بشدة للبيان، ومحذراً من تداعيات العمل بتوصياته.
أما ما يخص الشأن اليمني فإن السعودية جادة في الوصول إلى حل ينهي الحرب المستمرة لأكثر من عام، خاصة وأنها تجد نفسها وحيدة في هذه الحرب خاصة بعد إعلان الإمارات العربية بإن الحرب انتهت بالنسبة لها، وقد سبق لمنظمة الأمم المتحدة أن أدرجت قوات التحالف لدعم الشرعية بالقائمة السوداء والتي سرعان ما أزالتها بضغط سعودي قوي على المنظمة (كما وصف ذلك بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة) ويخطط الأمير محمد بن سلمان، زيارة بان كي مون لمناقشة تداعيات تصريحاته تلك حول الضغوط السعودية، علماً إن الأمم المتحدة لم تتخذ مثل هذه الخطوة على القوات الروسية وهي تهدم مدن سوريا على رؤوس ساكنيها، ولا على المليشيات الإيرانية وهي تعيث فساداً في سوريا والعراق، أو على قوات النظام السوري الذي يلقي براميله المتفجرة يومياً على شعبه.
أما عن الشأن العراقي فلا أعتقد إن الوفد السعودي سوف تخرج من الأمريكان بمواقف قوية تساند العراقيين السنة وما يلاقونه من ويلات بسبب تنظيم داعش الإرهابي، والحكومة العراقية وميليشياتها الطائفية، ذلك لأن التنسيق الإيراني الأمريكي في العراق في أعلى مستوياته، يترجم ذلك تصريحات السفير الأمريكي في العراق وقوله بأن لا توجد انتهاكات تُرتكب في الفلوجة، بالرغم من إنَّ تلك الانتهاكات، اعترفت بها حتى الحكومة العراقية.
الشأن الداخلي السعودي
هذه الزيارة التي يقوم بها محمد بن سلمان، رفعت من رصيده السياسي داخل وخارج المملكة، وتسجل له عدة نقاط لصالحه على حساب الشخصيات الأخرى المنافسة له والمفضلة غربياً حتى لوقت قريب، الكاريزمية التي ضهر بها الأمير محمد بن سلمان تجعله رقماً سياسياً صعباً ، وإذا ما أضفنا إليه الفريق الذي معه بالوفد، لوجدنا إن الأمير محمد قد حصن نفسه دبلوماسياً بشكل جيد وعرض نفسه أمام الأمريكان بأفضل عرض، فالصورة الرتيبة التي كنا نشاهدها لزيارات المسؤولين السعوديين لعواصم الغرب قد تغيرت إلى غير رجعة، فالأمير السعودي الثلاثيني العمر، هو الأكثر تعليماً، والأوسم شكلاً، والأكثر طولاً والأفضل تحدثاً للصحافة، مما يجعله أكثر مقبولية لدوائر صنع القرار في تلك العواصم، هذا ما قاله أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في وقت سابق، بضرورة إعطاء فرصة لمحمد بن سلمان للتعرف عليه عن كثب، كما وتأتي الزيارة الحالية بدعوة من القيادة الأمريكية لأجل التعرف عن قرب على الشخصية التي ستعتلي على الأرجح (وحسب تقديرات المسؤولين الأمريكيين) عرش ملك المملكة العربية السعودية في القريب.
ما يتوجب عليه فعله الأمير محمد
لضمان التنسيق الأمريكي السعودي مستقبلاً، يتحتم على الأمير التواصل مع مرشحي الرئاسة الأمريكية، كلنتون وترامب، والتباحث معهما حول مستقبل العلاقة الأمريكية السعودية، بمثل ما تفعل الدوائر السياسية الأمريكية عندما تتباحث مع محمد سلمان كونه الأوفر حضاً باعتلاء عرش المملكة مستقبلاً. إن الرؤية الاستراتيجية للملكة السعودية لا بد لها أخذ مستقبل واتجاهات سياسة الإدارة الأمريكية القادمة، كما ومن الحكمة أن لا تضع السعودية بيضها كلهُ في سلّة الأمريكان، كما كانت تفعل سابقاً، فيكفيها التجربة المريرة التي عاشتها المملكة مع الولايات المتحدة وهي تدير ضهرها للملكة باتجاه حليفها الجديد إيران.
الأمر الآخر، سياسة الضغط التي أتبعتها المملكة اتجاه الولايات المتحدة قد آتت أُوكلها، في موضوع محاولة توريط السعودية في أحداث برجي التجارة العالميين، ففي الوقت الذي وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على إعطاء الحق لأهالي ضحايا حادثة هجمات سبتمبر، بمقاضاة السعودية لتورط بعض الشخصيات في الحكومة السعودية فيها، جاء الضغط السعودي لدرجة أن أعلنت وكالة الاستخبارات الأمريكية عن نيتها للكشف عن تقرير من 25 ورقة يثبت عدم تورط المملكة في تلك الأحداث، وهذا يعني الضغط من الممكن أن يأتي بنتائج إيجابية في السياسية الدولية، وهي سياسية جديدة تتبعها السعودية لفرض وجهة نظرها والتعامل مع باقي دول العالم كدولة كبيرة ومؤثرة في المنطقة.