الوهابية السعودية تخوض حرب تدمير الأمة العربية
ميشيل كلاغاصي
منذ أن وجد البشر على سطح الأرض عاشوا ضمن تجمعات بشرية وتكتلات صغيرة ما لبثت أن تمدد حجمها شيئا ً فشيئا ًمع ازدياد عدد من تنطبق عليهم شروط الإنضمام و الإنتماء لتلك المجموعات والتجمعات.
واحتاج مفهوم الأمة لسنوات ٍ طويلة لم تكن لتخلو من الصراعات والحروب كي يتبلور, وأخذت التجمعات البشرية الكبيرة تبحث عن العوامل التي تميزها عن غيرها , و تساعدها في الحفاظ على وجودها و نتاجها الحضاري و سماتها الخاصة , وحدث ما كان متوقعا ً كنتيجة ٍ للبحث المنطقي وظهر مفهوم ٌجامع لها , عرف و ب “الأمة “.. و الذي حظي بمكانة كبيرة في الفكر الاجتماعي، وكان موضوع أبحاث واختلافات عديدة بين الفلاسفة وعلماء الاجتماع والمنظّرين على مدى قرون، فإنعكس حراكا ً فكريا ً واسعا ً متشعب التفاصيل، ولعب دورا ً رئيسيا ً في تحديد الهوية وتعزيز الانتماء.
و على الرغم من اختلاف الرؤى حول مفهوم الأمة , فقد بقيت عوامل نشوء الأمم متقاربة و تكاد تكون واحدة , و تقوم على أسس ثابتة و تجيب عن التساؤلات و تضع التفسيرات لإختلاف الأمم في توجهاتها و سياساتها , و بالتالي تبرر تاريخها و تقرر حاضرها و مستقبلها .. فغدت ” الأُمة ” مصطلحا ً سياسيا ً و قانونيا ً ، يعبر عن تلك الجماعة من الناس التي يرتبط أفرادها بروابط معينة كاللغة و التاريخ والجنس و الدين والبقعة الجغرافية التي يعيشون عليها , وتجمعها المصالح المشتركة والاّمال و الاّلام الواحدة ، بغض النظر عن النظام السياسي في فترة أو حقبة زمنية محددة , وبما يضمن بقائها و استمرارها .
و تعتبر الأمة العربية من الأمم العريقة و الهامة على مدى العصور , إذ حباها الله مزايا إضافية بإرساله نبيا ً عربيا ً أرسى وعزز عوامل نشوئها و بشر بقيمتها و مكانتها بين الشعوب و الأمم ” كنتم خير أمة ٍ أخرجت للناس ” .
لقد كانت عوامل نشوء الأمة العربية واضحة ً و متينة , مكّنت العرب من احتلال مكانة مرموقة ٍ بين الأمم , جعلتها من أقوى الأمم تماسكا ً و صلابة ً, أمام التشرذم والضياع والتجزئة ، وصانتها من الزوال وحفظت سيادتها وكرامتها على الرغم من استعمارها لسنوات طويلة.
وحدث أن حلّق العرب يوما ًفي سماء العلم والحضارة , وكان لهم شرف إغناء الإنسانية بعلوم ٍ شتى في مختلف المجالات كالطب والفلسفة وعلم الإجتماع و الإبتكارات و الأدب والفن والشعر وخلافه.
مالذي حدث وحول شعوب الأمة الواحدة إلى خصوم و أعداء , و دفع بالوهن و الضعف أن ينخر عظام الأمة , و يشرّع أبوابها أمام الطامعين و الغزاة – الكُثر – !؟.. و لماذا خرج من رحمها من أراد تدميرها و زوالها ؟ و منح المستعمرين والصهاينة والغزاة إجازة ً, و تولى عنهم مهمة ضياع الأمة و تشرذمها و تفككها !
كيف للمواطن العربي أن يفهم أن ” الربيع” المزيف هو حلمه وغايته و ما يبحث عنه , و أن الدماء و قطع الرؤوس هو أسلوبه وطريقته لتحقيق مطالبه و أحلامه بغد ٍ أفضل , و حياة ٍ رغيدة , ومستقبل ٍ مشرق ٍ تسوده الحرية و الديمقراطية و الكرامة !؟.
و كيف لبعض العرب وخصوصا ًعرب الممالك و المشيخات الخليجية أن تقود حروب تدمير الأمة العربية , بمالها و دعمها و بسيوف أولادها ممن امتلئت رؤوسهم بالأوهام والأحقاد , و راحت تزج بكل طاقتها و قوتها و ما ملكت يمينها , و تمعن في قتل العرب و تدمير مدنهم و جيوشهم و مؤسساتهم و مقدراتهم !.
مالذي يدفع اّل سعود واّل ثاني واّل حمد و جميع الاّلات الحاقدة , لفعل هذا ؟؟ أهو حبهم القاتل للشعب السوري و العراقي و اليمني ووووإلخ ؟ أم أصولهم الغريبة والمجهولة, أم هو عدم قدرتهم على مواكبة العصر الحديث, فكان هروبا ً نحو الماضي وعصور التخلف والهمجية ؟؟
لم يكن خافيا ًعلى أغلبية الشعوب العربية , تاريخ تلك العائلات الحاقدة , و لم ينجو بلد ٌ عربي ٌ واحد من تاّمرهم و حقدهم .
لقد حاولوا مرارا ً شراء سورية و تهديمها و دعم الإنقلابات السياسية فيها , ونشر وتعميم الفساد بمال نفطهم القذر,عشرات المؤامرات كشفها التاريخ و مذكرات الصهاينة , و محاضر ووثائق أجهزة الإستخبارات البريطانية والأمريكية والمصرية , ناهيك عن الوثائق السورية .. و مع ذلك تحمّلت الدولة السورية الكثير و عزفت عن فضحهم , و لم تكن لترضى بأن يسيء لهم أحد , و همها الوحيد وحدة الصف العربي , ومنع الإنقسام و الحفاظ على سمعة الأمة و مقدراتها , وعدم فتح باب المناكفات والخلافات والخصومات , في وقت ٍ تعاني الأمة من صراع ٍ مرير ٍ مع العدو الصهيوني المدعوم أمريكيا ً و أوروبيا ً ولا نبالغ إذ قلنا عالميا ً , ولاتزال فلسطين والجولان السوري و بعض أراضي لبنان في قبضة الهيمنة الصهيو- أمريكية .. إن ما تفعله الدولة السورية يكاد يكون دفاعا ًعن الإنسانية جمعاء إذ تحارب و تكافح الإرهاب السعودي – الوهابي على أراضيها.
فمنذ أمد ٍ بعيد يعرف السوريون أن فكرا ً تكفيريا ً حاقدا ً يقود تلك العائلات الحاقدة , و أن بدعا ً دينية ً مشوهة ً تحركهم و ترسم ملامح سياستهم , و ليس ما يحدث الاّن في فضحهم هو طفرة ٌ أو اكتشاف جديد .. فقد بلغ السيل الذبى , ووصل الغي والحقد مبلغا ً لم يعد مقبولا ً معه استمرار السكوت , لقد وضع اّل سعود خناجرهم على رقاب السوريين و أمعنوا في قتلهم , وفي التدخل في شؤونهم , والتحكم بمصيرهم و مستقبلهم .
و ما يثير الإستغراب صمت العالم على جرائمهم بحق سورية والسوريين و العديد من الدول و الشعوب العربية , والتي تعدتها إلى التدمير الممنهج لمفهوم الأمة العربية و الإسلامية حتى , و ما عجز عنه الغرب المتصهين و قوى الإستكبار العالمي , تتجرأ مملكة الشرّ على فعله .
فهاهي تتاّمر على عوامل نشوء وتكوين الأمة بهدف إنهائها و زوالها .. إذ تسعى لإنهاء القضية الفلسطينية وتقديمها أرضا ًوشعبا ًهدية ً لشعب ٍ بلا أرض, و لخراب سورية و تقسيمها و تشظي الأرض العربية في استهداف ٍ واضح ٍ لعامل الأرض , و لتشويه و ضرب الدين الإسلامي الحنيف كعامل ثان ٍ, و بتشجيع اللغات المحلية والمحكية في العالم العربي الغني بالإيدولوجيات والإثنيات والأصول العديدة , فلم تعد لغة الضاد مسموعة ًولا مفهومة , و بالكاد تستطيع التحاور مع العربي ذاته , و ما يخص الأحلام و الاّمال العربية الواحدة , فاني أبشرك أنها لم تعد واحدة , إذ يتباهى البعض بأصوله الفرعونية , و الاّشورية والسريانية والفينيقية و الصحراوية والمغاربية …إلخ , و تحولت الآمال نحو الفدرلة و التفرقة و الشرذمة.
كما أصبح للعرب مفاهيم ونظرة خاصة بأعداء الأمة , فالبعض يرى أن الصهاينة و الإسرائيليون ليسوا أعداء , في حين غنمت الخيانة وجهات نظر مختلفة , فأصبح الجيش المصري يحتل مصر , والسوري يحتل سورية , و مقاومة العدو الصهيوني جريمة ً يُعاقَب عليها المقاومون , و بدأ الحديث عن هلال ٍ سني و اّخر شيعي , و تحولت إيران إلى دولة معادية تُقام لأجل قتالها الأحلاف والتكتلات .. وتحولت حروب وصراعات العالم و دول المنطقة إلى حروب ٍ دينية ٍ , قد لا تُبقى على الأخضر واليابس .
يرى العالم و يراقب ما يحدث بعين الرضى وكله أمل ٌ بتحقيق كل أهدافه بالمجان و على جثث الشباب العربي والشباب المتطرف غير المرغوب بوجوده على أراضيهم و في بلادهم .
و ها هي السعودية تقود تحالفا ً ضد الدولة الإيرانية , يتخطى القطيعة و قطع العلاقات الدبلوماسية , وعينها على دفعها للإنجرار لحرب ٍ دينية قذرة , يستفيد منها أعداء الأمة في الغرب الأمريكي و الأوروبي والعدو التركي و الإسرائيلي .
إن سعي اّل سعود لتفجير الحروب الدينية ما كان ليحصل لو قال العالم الحر كلمته , وطبّقت دول العالم ما توافقت عليه في سلسلة القرارات الأممية بمنع تمويل و دعم الإرهاب , و توجيه تهمة القتل إلى القاتل السعودي مباشرة ً .. فصمت العالم على إغتيال اّل سعود عبر إرهابييها العلامة و شهيد المحراب العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي , دفعها لإغتيال الشهيد الشيخ نمر باقر النمر, و تجريد الشيخ عيسى قاسم جنسيته في البحرين مؤخرا ً بعدما امتثلت حكومته لأوامرها بحجة استغلاله مكانته ومعارضته لخدمة أهداف أجنبية وإثارة العنف… كذلك صمته عمّا تفعله في لبنان و مصر و الكويت و العراق و شنها أقذر أنواع الحروب التكفيرية الإرهابية على سورية دفعها لدخول اليمن وغزوه, في الوقت الذي نجد فيه المنظمة الدولية الأممية توكل إليها مهمة إدارة مجلس حقوق الإنسان و مكافحة الإرهاب !
لم يعد الركض السريع ينفع من كان متأخرا ً, فهروب المملكة إلى عصور الجاهلية أثبت عقمه , ونتيجة واحدة للهروب إلى الأمام , فسورية ستنتصر, و لن يجّن العالم و يخوض حروبا ً دينية ” خاصة ” بالعرب , وستبقى الحرب التي لن تخوضها الجيوش , و ستُترك للواعين والمثقفين والمفكرين , اللذين لن يتوانوا عن امتلاك الشجاعة في تنقية التاريخ العربي من شوائبه و نزع ملايين الصفحات المزورة , و مواجهة الحقيقة , علّهم بذلك يضعون أقدام الأمة على الطريق الصحيح .. فتاريخ و دماء من ضحوا بدمائهم لبقاء الأمة حتى يومنا هذا تستحق أن نفعل ما يليق بنا كشعوب وأمة عربية.
المهندس : ميشيل كلاغاصي