“جيروسالم بوست” تكشف تصورات إسرائيلية حول مسار التطبيع مع “السعودية” بعد الحرب على غزة

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 621
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

في قراءة إسرائيلية جديدة لمسار العلاقات بين كيان الاحتلال و“السعودية”، نشرت صحيفة “جيروسالم بوست” تقريراً مطوّلاً تناولت فيه ما وصفته بتداعيات عملية “طوفان الأقصى” على احتمالات استئناف مفاوضات التطبيع، معتبرة أن العملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية عطلت مؤقتاً المسار الذي كانت ترعاه واشنطن بين الطرفين. تطبيع مؤجل ومحاولات التفاف وبحسب الصحيفة العبرية، فإن العملية التي نفذتها حركة “حماس” وما تبعه من إبادة جماعية على غزة، كان من بين أهدافه – وفق تقديرها – تعطيل التقارب بين “السعودية” وكيان الاحتلال. وتشير “جيروسالم بوست” إلى أن ذلك الهدف تحقق فعلاً، إذ جُمّدت المباحثات التي كانت تجري بوساطة أميركية، رغم محاولات مستمرة من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لاستعادتها في حال عودته إلى الحكم. وفي مقابل التراجع الرسمي في وتيرة الاتصالات، تقول الصحيفة إن “السعودية” كثّفت نشاطها الدبلوماسي على الساحة الدولية، لا سيما بالتعاون مع فرنسا، للترويج للاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية، في خطوة تهدف – وفق القراءة الإسرائيلية – إلى إعادة توازن صورتها في الشارع العربي والإسلامي، الذي تأثر سلباً بموجة الغضب جراء العدوان على غزة. إلى جانب التحركات الدبلوماسية، ترصد “جيروسالم بوست” مساراً اقتصادياً متشابكاً تسلكه “السعودية”، يتقاطع فيه المال بالسياسة. فالعائلة المالكة، بحسب الصحيفة، تواصل تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، وتكرّس استثماراتها الضخمة في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة، في مسعى لتأكيد موقع المملكة كقوة اقتصادية تكنولوجية إقليمية. وتشير الصحيفة إلى أن شركتي “إنفيديا” و“أمازون” الأميركيتين تستثمران مليارات الدولارات في بناء مزارع خوادم متقدمة في البلاد، كما تعمل شخصيات أميركية نافذة مقربة من ترامب – في مقدمتها جاريد كوشنر – على توسيع شراكاتها مع الصندوق السيادي السعودي في مجالات الألعاب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي. وفي هذا الإطار، تتوقف الصحيفة عند صفقة ضخمة قيد الإعداد للاستحواذ على شركة الألعاب الأميركية العملاقة “إلكترونيك آرتس” (EA)، بقيمة تصل إلى 55 مليار دولار، تمثل إحدى أكبر عمليات الشراء باستخدام الرافعة المالية في التاريخ الحديث. ويموّل الصفقة كل من “صندوق الاستثمارات العامة” السعودي وصندوق “أفينيتي بارتنرز” الذي يملكه كوشنر، إلى جانب شركة “سيلفر ليك” المرتبطة بالإمارات. وترى الصحيفة أن هذه الاستثمارات لا تنفصل عن الطموح السعودي لأن تصبح مركزاً عالمياً في صناعة الترفيه والرياضة الرقمية، لكنها – في نظر محللين – تمثل أيضاً وسيلة للنفوذ الأميركي والإسرائيلي داخل مشاريع المملكة المستقبلية، بما يربط الاقتصاد السعودي بمصالح تل أبيب وواشنطن بصورة غير مباشرة. إعادة إعمار غزة كمدخل سياسي وفي ما يشبه المقاربة الاقتصادية–السياسية، طرحت “جيروسالم بوست” تساؤلاً حول إمكانية أن تكون مشاريع إعادة إعمار غزة بوابة جديدة لاستئناف التطبيع. إذ تشير الصحيفة إلى أن شخصيات مثل توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وجاريد كوشنر، تسعيان إلى توظيف ملف إعادة الإعمار لتمهيد الأرضية أمام “نموذج جديد” من العلاقة بين “إسرائيل” و“السعودية”. وتنقل الصحيفة عن الباحثة هاداس لوربر، رئيسة مشروع العلاقات الأميركية–الإسرائيلية في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، قولها إن “إشراك السعوديين والإماراتيين في خطط إعادة تأهيل غزة يمثل إشارة إيجابية تجاه عملية التطبيع”. وتشير إلى أن الخطة التي يتبناها كوشنر وبلير تقوم على تحويل مدينة غزة إلى “منطقة معفاة من الضرائب” مخصصة للشركات الناشئة، تضم مصانع “تيسلا” ومراكز بيانات للحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، على أن تُوظف فيها العمالة المحلية مقابل نزع سلاح المقاومة الفلسطينية وإنشاء إدارة تكنوقراطية خاضعة لإشراف عربي–أميركي. وتضيف الصحيفة أن مليارديرات مثل بيتر ثيل ولاري إليسون أبدوا اهتمامهم بالاستثمار في هذه المشاريع، حيث يُعتقد أن إليسون مستعد لتخصيص نحو 350 مليون دولار، في حين يسوّق كوشنر هذا النموذج كجزء من خطة أوسع لإعادة ترتيب الشرق الأوسط اقتصادياً وسياسياً وفق الرؤية الأميركية. عراقيل سياسية وتراجع في الصورة رغم هذا الزخم الاقتصادي، تؤكد الصحيفة أن التحديات السياسية لا تزال قائمة. فالباحث يوئيل غوزانسكي من معهد دراسات الأمن القومي يرى أن كيان الاحتلال لم يستعد بعد مكانته التي تضررت بفعل جرائم الحرب في غزة، وأن العالم العربي ينظر إليه اليوم بنظرة سلبية يصعب تجاوزها في المدى القريب. ويقول غوزانسكي إن الحديث عن تطبيع جديد سابق لأوانه، لأن النقاش حول صفقة الرهائن أو “اليوم التالي للحرب” لم يُحسم بعد. أما الباحث ميخال يعاري من الجامعة العبرية، فيلفت إلى أن “السعودية” باتت ترى في إقامة دولة فلسطينية شرطاً أساسياً لأي تطبيع، ليس فقط بدافع التضامن، بل انطلاقاً من قناعة بأن استمرار الاحتلال والتصعيد العسكري يهددان مصالحها الاقتصادية والأمنية. ويشير يعاري إلى أن غياب الحل السياسي سيبقي المنطقة عرضة للاضطرابات ويمنع تدفق الاستثمارات والسياحة، إذ يخشى المستثمرون من المخاطر الأمنية المتزايدة. وتعترف “جيروسالم بوست” بأن الرأي العام الخليجي، الذي لم يكن في السابق متعاطفاً بقوة مع القضية الفلسطينية، تأثر بعمق بالمشاهد القادمة من غزة. فوسائل الإعلام العربية، بحسب الصحيفة، غيّرت المزاج العام في الخليج، وأعادت تعريف “إسرائيل” كقوة عدوانية، ما أدى إلى تآكل التأييد الشعبي لأي مسار تقاربي معها. وتنقل الصحيفة عن مصادر إسرائيلية قلقها من أن أحداثاً مثل محاولة الاغتيال في الدوحة، أو العمليات السرية التي نُسبت للموساد في الإمارات وقطر، زادت من المخاوف الخليجية من أن يستخدم العدو الصهيوني أراضي تلك الدول كساحة لتصفية حساباته، الأمر الذي يضعف الثقة السياسية ويعرقل أي تفاهم مستقبلي. رؤية سعودية حذرة وتختتم الصحيفة تحليلها بالإشارة إلى أن “السعودية” باتت ترى في الملف السوري ساحة نفوذ أساسية ضمن تنافسها الإقليمي مع الإمارات وقطر، وأن أي انخراط في غزة لن يتم إلا إذا توافرت ضمانات أميركية واضحة، وتأكدت الرياض من أن “حماس” قد جُردت فعلاً من سلاحها. لكن مجمل ما تكشفه “جيروسالم بوست” – وفق القراءة العربية – يعكس إدراكاً داخل الأوساط الإسرائيلية بأن الطريق نحو إعادة فتح مسار التطبيع أصبح أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، وأن الصورة التي خلفتها حرب الإبادة في غزة جعلت كيان الاحتلال في موقع دفاعي سياسي وأخلاقي، يصعب معه تكرار مشهد “اتفاقيات أبراهام” في المدى المنظور. وبينما تراهن تل أبيب على المال الخليجي لاستعادة موقعها في الإقليم، يبدو أن الشارع العربي – وفي مقدمته الشارع السعودي – أصبح أكثر وعياً بمعنى التطبيع وأثمانه، وأكثر رفضاً لتحويل فلسطين إلى ورقة مساومة في صفقات الاقتصاد والتكنولوجيا. صفقة عملاقة تُثير الجدل: استحواذ “السعودية” على شركة EA وكان قد أثار إعلان صندوق الاستثمارات العامة التابع لـ“السعودية” عن صفقة استحواذه على شركة الألعاب الأميركية العملاقة “إلكترونيك آرتس” (EA) موجة واسعة من الجدل، إذ تجاوزت قيمة الصفقة 50 مليار دولار، وجرى تنفيذها عبر ما يُعرف بالرافعة المالية، ما يعني أن الشركة أصبحت مدينة بنحو 20 مليار دولار فور تحولها إلى شركة خاصة. ويخشى مراقبون أن تؤدي هذه العملية إلى خفض كبير في التكاليف وتسريح جماعي للموظفين، مع اعتماد أساليب أكثر عدوانية لتحقيق الأرباح. ويشارك الصندوق السعودي في الصفقة إلى جانب صندوقين مثيرين للانتباه: “أفينيتي بارتنرز” المملوك لجاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وأحد أبرز مهندسي اتفاقيات التطبيع، و“سيلفر ليك” التي يملكها إيغون دوربان المعروف باستثماراته في شركات متورطة في دعم آلة الحرب “الإسرائيلية”. هذه الشراكة تعزز الشكوك بأن الصفقة ليست مجرد استثمار اقتصادي ضخم، بل حلقة ضمن مشروع أوسع لإعادة دمج “السعودية” في المنظومة الأميركية–الإسرائيلية عبر بوابة التكنولوجيا والترفيه.