وثائقي “تساؤلات مشروعة”: صرخة بوجه التعتيم على سجون آل سعود
أنتج مركز أحرار الإعلامي وثائقيّاً قصيراً حمل عنوان “تساؤلات مشروعة”، سعى من خلاله إلى تسليط الضوء على ملف السجون السعودية، ذلك الملف الذي يتعمد الإعلام العربي، ولا سيما المموّل خليجياً، تجاهله أو التعامل معه بسطحية شديدة. العمل لم يكن مجرد سرد تقريري جاف، بل اعتمد على أسلوب بصري وسمعي متجدد، ليطرح أمام المشاهد سلسلة من الأسئلة حول حجم الانتهاكات داخل المعتقلات السعودية، في محاولة لإعادة لفت الانتباه إلى قضايا حقوقية طُمست طويلاً. ينطلق الوثائقي من مقارنة لافتة: كيف يحرص الإعلام العربي على تغطية مشاهد سجن صيدنايا السوري وما رُوي عن العنف داخله، في حين يتغاضى عن الانتهاكات الممنهجة التي تُمارس خلف أسوار سجون آل سعود. من هذا التناقض، يفتح الفيلم باب التساؤلات المقلقة: “ماذا عن اختطاف الناشطين وترويع أهاليهم؟”. يُجسّد هذا السؤال عبر مشهد درامي لعائلة سعودية يُداهمها رجال الأمن ليعتقلوا ربّها، لمجرد أنه أعاد نشر كلمات للشيخ الشهيد نمر النمر على وسائل التواصل. يتابع الفيلم طرحه: “كم عدد الذين لم يعودوا أبداً؟”، في إشارة إلى سياسة الإخفاء القسري التي طالت عشرات الناشطين والناشطات، وغالباً من دون محاكمات عادلة أو حتى تهم واضحة. هنا يستحضر الوثائقي نماذج محددة مع الأحكام التي صدرت بحقّها، من بينها: نورة القحطاني (45 عاماً)، السيد هاشم الشخص (30 عاماً)، وسلمى شهاب (27 عاماً)، ليمنح المشاهد صورة ملموسة عن المأساة الإنسانية التي يعيشها هؤلاء المعتقلون. الوثائقي لم يكتفِ بتوثيق الاعتقالات، بل ذهب إلى طرح تساؤلات أخرى تتجاوز جدران السجون: “ماذا عن نفق المعيصم؟ ماذا عن مجزرة منى؟”، مستعرضاً لقطات من الفواجع التي شهدها الحج عامي 1990 و2015، حيث راح ضحيتها آلاف الحجاج، في ظل روايات متناقضة حول مسؤولية النظام السعودي في إدارة تلك المواسم. كما يطرح سؤالاً أشد وطأة: “ماذا عن تذويب الجثة؟”، في إشارة مباشرة إلى جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، وهي القضية التي هزّت العالم ولا تزال حتى اليوم شاهداً على أساليب النظام في تصفية معارضيه. https://twitter.com/Ahrarrtv/status/1970403512132522342?t=-y9tMUCTrZhXP3GT5hP6GQ&s=09 ومع كل هذه التساؤلات، ينتهي الفيلم بسؤال جامع: “ماذا عن العدالة؟”، ليظهر وكأنه موجّه ليس فقط إلى النظام السعودي، بل أيضاً إلى وسائل الإعلام العربية والغربية التي انشغلت طويلاً بتجريم أنظمة أخرى، بينما اختارت الصمت إزاء انتهاكات واضحة وموثقة في السعودية. من الناحية الفنية، اعتمد “تساؤلات مشروعة” على المؤثرات الصوتية والسمعية بكثافة، وهو خيار ينسجم مع طبيعة الأفلام القصيرة الموجهة للنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يُعوّل على قوة الصورة والصوت أكثر من السرد الطويل. هذا الأسلوب منح العمل طابعاً أكثر تأثيراً، إذ دفع المشاهد لعيش حالة من الترقب والصدمة، بدل الاكتفاء بمعلومة باردة. بهذا الشكل، يظهر الوثائقي ليس فقط كعمل فني قصير، بل كصرخة في وجه التعتيم الإعلامي، ومحاولة لتذكير الجمهور بأن خلف الواجهات الملمّعة للسلطة، هناك قصص مؤلمة تستحق أن تُروى، وأسئلة مشروعة ما زالت تنتظر إجابات.
