حسابات الخليج الإيرانية: الأولوية «حفظ الرأس»

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 563
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

بعيداً عن المواقف الرسمية لدول الخليج، التي أجمعت على إدانة العدوان الإسرائيلي على إيران، يستحقّ التفكير الخليجي الجماعي أو الفردي - أي تفكير كل دولة على حدة -، قراءة في العمق لمعرفة ما تريده هذه الدول حقيقة لإيران.

الواقع أنّ العلاقات الخليجية - الإيرانية مرّت بمراحل كثيرة منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وقيل إن «مجلس التعاون الخليجي» أُنشئ عام 1981، وعلى رأس أهدافه إسقاط الثورة الإيرانية، بعد أن اتّهم أعضاؤه قيادتها بمحاولة تصديرها إليهم، كما أخذوا عليها جعل الصراع مع إسرائيل العنوان الأول للنظام الوليد، فيما أظهرهم هم متخلّين عن القضية الفلسطينية، أو حتى متآمرين عليها.

لكن منذ ذلك الحين، تعلّمت دول الخليج التعامل بطريقة مختلفة مع إيران، توازياً مع اقتناعها بأنّ الأخيرة لم تكن تريد، أو أنها تخلّت عن هدف تصدير الثورة؛ وأنها في المراحل الأخيرة فصلت حتى بين علاقاتها ببعض دول الخليج وعلاقات الأخيرة بإسرائيل ما دامت تلك الدول لا تسمح باستخدام أراضيها ضد إيران. وعليه، فإنّ الهدف الأول للأنظمة الخليجية في الحرب الحالية هو تحييد نفسها عن هذا الصراع المستجد، في مهمّة يسهّلها عليها أن الولايات المتحدة نفسها، التي تملك قواعد عسكرية منتشرة في جميع بلدان الخليج، نأت بنفسها عن العدوان وألصقته بإسرائيل، بغض النظر عن مدى مشاركتها الفعلية فيه.

والواقع أنّ بعض دول الخليج، ولا سيّما السعودية والإمارات، كانت قبل عشر سنوات، حين جرى التوصّل إلى الاتفاق النووي مع إدارة باراك أوباما، معنيّة بالتحريض على ضرب إيران، فيما اضطرّ الرئيس الأسبق، باراك أوباما، نفسه في ذلك الحين إلى الطلب من السعوديّين تعلّم التعايش مع جارتهم، لكنّ الأخيرين كانوا يخشون من أن يؤدّي الاتفاق إلى تعزيز نفوذ إيران وتسييدها على المنطقة.

ولذا، قد لا تمانع دول الخليج، أو تلك التي كانت تعادي إيران من بينها، أن تتلقّى الأخيرة ضربة تضعفها، لكنّ أنظمتها التي تفكّر في مستقبلها، تعارض إسقاط النظام الإيراني، وهو هدف لم تطرحه أميركا أيضاً، وإنما بالقطع هو هدف إسرائيلي. إذ إنّ الأنظمة الخليجية تحتاج إلى وجود نظيرها الإيراني الذي استخدمته طويلاً، ولا تزال، كفزاعة لشعوبها حتى لا تتحرّك ضدها.

كما أنّ إيران ضعيفة تخفّف الحرج عن دول الخليج إذا أرادت الأخيرة التطبيع مع إسرائيل وصياغة إطار جديد لحماية نفسها.

وإذ تراجع خوف الخليجيّين المعادين لإيران بعد إسقاط ترامب الاتفاق النووي عام 2018، فإنّ توسّع نفوذها الإقليمي، كما ظهر في ساحات مختلفة كاليمن ولبنان وسوريا والعراق، كان محفّزاً لتلك الدول لكي تسعى لصلح أو هدنة مع طهران، وهو ما تجلّى في الاتفاق السعودي - الإيراني الذي جرى برعاية صينية في آذار 2023، وقضى باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وامتناع كل منهما عن التدخّل في شؤون الأخرى. وبالفعل، شهدت العلاقات بينهما تحسّناً كبيراً منذ ذلك الحين.

أمّا الولايات المتحدة، فهي ليست معنيّة بالسعي لديموقراطية كاملة في إيران على الطريقة الغربية، كما ليس من السهل عليها إعادة فرض الملكية على مجتمع حيّ كالمجتمع الإيراني، فضلاً عن أنّ النظام الإسلامي يمتلك شرعية كبيرة تتجدّد في كل العمليات الانتخابية.

وفي كلا الحالين المذكورين - الديموقراطية الغربية أو الملكية -، تتخوّف دول الخليج، حتى تلك المعادية في واقع الأمر لإيران، من وصاية جديدة عليها إذا ما تحقّق أحدهما. وهذا ما يمكن أن يجمع الخليجيّين في شأن الجمهورية الإسلامية، في حين أنّه ثمة الكثير ممّا يفرّقهم حين يتعلّق الأمر بالجارة التي تحتل كامل الضفّة الشرقية للخليج وتقابل دوله كافة.

وبينما غيّرت الدول التي كانت تنظر بسلبية إلى إيران، نظرتها تلك إلى حيادية على الأقل، وهناك دول أخرى في الخليج كانت لها مصالح كبيرة معها، مثل سلطنة عُمان التي توسّطت في الاتفاق النووي الأول، وتفعل الأمر نفسه في المفاوضات الأميركية - الإيرانية الحالية، أو قطر التي وجدت في إيران متنفّساً حين حوصرت من بعض شقيقاتها الخليجيات عام 2017 برعاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في ولايته الأولى. وحتى أبو ظبي تقيم علاقات تجارية واسعة مع طهران، رغم أنّ الأخيرة أخذت عليها مغالاتها في العلاقة مع العدو.

فوق كل ذلك، تعتبر الولايات المتحدة الخليج منطقة نفوذ مؤثّرة في العالم، وتعتقد أنّ إيران حليفة، أو على الأقل ضعيفة، تفتح الباب أمامها لتحكّم أكبر في مصادر الطاقة وبالتالي بالاقتصاد العالمي؛ فعلى سبيل المثال، تحصل الصين اليوم، على النفط الإيراني المعاقَب بأسعار تقلّ كثيراً عن أسعار الأسواق العالمية. كما أنّ موقع إيران الإستراتيجي، الذي أتاح لها تأدية أدوار خارجية كبيرة في التاريخين القديم والحديث، يحمل الكثير من «الفرص» بالنسبة إلى واشنطن التي لا ترضى بأقل من الهيمنة على دول المنطقة.