تحقيق يكشف شهادات من سجون للنساء في “السعودية” تحت مسمّى “دور رعاية”

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1241
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

كشفت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية عن شهادات فتيات ونساء شابات يتحدثن عن تعرضهن للجلد والإساءة في ما يسمى “دور الرعاية” بعد خلافات مع آبائهن أو أزواجهن في “السعودية”. وذكرت الصحيفة في التحقيق الذي أعدته على مدار6 أشهر، أنه في مدينة شمال غرب شبه الجزيرة العربية، ظهرت صورة لامرأة شابة ترتدي عباءة سوداء، تقف بثبات على حافة نافذة في الطابق الثاني، بينما أظهرت صورة أخرى رجالًا يرافقونها إلى الأسفل بمساعدة رافعة. وأوضحت “ذا غارديان” أن هوية المرأة غير معروفة، لكنها محتجزة في أحد “السجون” السرية في “السعودية” للنساء اللواتي طردتهن عائلاتهن أو أزواجهن بسبب العصيان أو الغياب عن المنزل أو لأسباب أخرى. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه كانت لمحة نادرة عن محنة مئات أو أكثر من الفتيات والنساء الشابات اللاتي يُعتقد أنهن محتجزات في مثل هذه المرافق، حيث يتم “إعادة تأهيلهن” حتى يتمكنّ من العودة إلى عائلاتهن. ولفتت “ذا غارديان” إلى أن التحدث علنًا أو نشر لقطات من هذه “دور الرعاية” أصبح أمرًا مستحيلًا في بلد يبدو أن أصوات حقوق المرأة فيه قد أُسكِتت. وأضافت الصحيفة أنها جمعت على مدار الأشهر الستة الماضية شهادات حول الوضع داخل هذه المؤسسات، الموصوفة بـ”الجحيمية”، مع الجلد أسبوعيًا، والتعاليم الدينية القسرية، ومنع الزيارات أو التواصل مع العالم الخارجي. ونقلت الصحيفة تقارير تشير إلى أن الأوضاع سيئة للغاية لدرجة وقوع عدة حالات انتحار أو محاولة انتحار، وأن النساء قد يقضين سنوات محتجزات، غير قادرات على المغادرة إلا بإذن من عائلاتهن أو ولي أمرهن. واستشهدت “ذا غارديان” بقول شابة سعودية نجحت لاحقًا في الفرار إلى المنفى: “كل فتاة نشأت في السعودية تعرف دار الرعاية ومدى فظاعتها. إنها أشبه بالجحيم. حاولتُ الانتحار عندما علمتُ أنهم سيأخذونني إليها. كنتُ أعرف ما يحدث للنساء هناك، وقلتُ لنفسي: “لا أستطيع النجاة””. وأشارت “ذا غارديان” إلى أنه بينما تحتفل السعودية بفوزها باستضافة كأس العالم لكرة القدم للرجال، وتُروّج لنفسها بحماس على الساحة العالمية كدولة مُصلحة، تُواجه النساء اللواتي تجرأن على المطالبة علنًا بمزيد من الحقوق والحريات الإقامة الجبرية والسجن والنفي. ونقلت عن ناشطين قولهم إن دور الرعاية في البلاد من أقل أدوات النظام شهرةً للسيطرة على النساء ومعاقبتهن، ويطالبون بإلغائها. وأوردت “ذا غارديان” تصريحات لسارة اليحيى، التي بدأت حملة لإلغاء دور الرعاية، والتي تحدثت إلى عدد من الفتيات اللواتي وصفن نظاماً مسيءاً، حيث تخضع السجينات لعمليات تفتيش عارية واختبارات عذرية عند وصولهن، ويتم إعطاؤهن مهدئات لمساعدتهن على النوم. ونقلت اليحيى قول إحدى الفتيات: “إنه سجن، وليس دار رعاية كما يحلو لهم تسميته. ينادون بعضهم بالأرقام. “رقم ٣٥، تعالي إلى هنا”. عندما شاركت إحدى الفتيات اسم عائلتها، جُلدت. إذا لم تصلِّ، جُلدت. يتجمع الحراس ويشاهدون الفتيات وهنّ يُجلدن”. وأشارت الصحيفة إلى أن يحيى، التي تبلغ من العمر الآن 38 عامًا وتعيش في المنفى، قالت إن والديها هدداها بإرسالها إلى دار الرعاية منذ أن كانت في الثالثة عشرة من عمرها، مضيفة: “استخدم والدي ذلك كتهديد إذا لم أطع اعتداءه الجنسي”، وأن الفتيات والنساء قد يواجهن معضلة مروعة في الاختيار بين دار الرعاية والبقاء في منزل مسيء. ونقلت “ذا غارديان” عن ناشطة قولها: “إنهم يجعلون مساعدة النساء الهاربات من العنف أمرًا مستحيلًا على الآخرين. أعرف امرأة حُكم عليها بالسجن ستة أشهر لأنها ساعدت ضحية عنف. يُعدّ توفير المأوى لامرأة متهمة بـ”التغيب” جريمة في السعودية”. وروت “ذا غارديان” قصة إحدى الفتيات “أمينة”، ٢٥ عامًا، التي لجأت إلى دار رعاية في بريدة بعد أن تعرضت للضرب على يد والدها، ونقلت عنها وصفها للمبنى بأنه “قديم، متداع، ومضطرب”، وأن الموظفين كانوا “باردين وغير متعاونين”، وأنهم قللوا من شأن تجربتها. وتابعت عن أمينة قولها إن الموظفين استدعوا والدها في اليوم التالي، لكنهم لم يفعلوا الكثير لحمايتها، وأنهم طلبوا منهما كتابة “شروط” للصلح، وأنها وقعت على الاستمارة خوفًا. وأوردت “ذا غارديان” أن أمينة قالت إن الضرب استمر بعد عودتها إلى المنزل، وفي النهاية اضطرت إلى الفرار إلى المنفى، معربة عن شعورها بالوحدة والرعب وعدم الأمان. واختتمت الصحيفة بالإشارة إلى أن تعلم الخوف من دار الرعاية يبدأ منذ الصغر بالنسبة للفتيات، ونقلت قصة “شمس” التي روت كيف أحضرت امرأة كانت مقيمة في إحدى دور الرعاية إلى مدرستها وحكت للطالبات عن تجربتها بعد إقامتها علاقة مع شاب وحملها، وتبرؤ عائلتها منها وإرسالها إلى دار الرعاية، ونقلت عن المرأة قولها: “إذا مارست المرأة الجنس أو أقامت علاقة، فإنها تُصبح “امرأة رخيصة”. إذا كنت رجلاً، فستبقى رجلاً دائمًا، ولكن إذا جعلت المرأة نفسها رخيصة، فستبقى رخيصة مدى الحياة”. وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تواجه النساء في “السعودية” ظروفًا صعبة وقمعًا مستمرًا على الرغم من بعض الإصلاحات الأخيرة. لا تزال المرأة السعودية تعاني من التمييز المنهجي في جوانب عديدة من حياتها، بما في ذلك الزواج والأسرة والطلاق، حيث لا تزال قوانين الأحوال الشخصية تميز ضد المرأة وتجعلها تابعة للوصاية الذكورية في العديد من القرارات المصيرية. على الرغم من السماح للمرأة بقيادة السيارة والمشاركة في الانتخابات البلدية، إلا أن ناشطات حقوق المرأة يواجهن حملات قمع واعتقالات تعسفية بسبب مطالبتهن بالإصلاح وإنهاء نظام الولاية. وتفيد التقارير بتعرض بعض الناشطات للتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال المرأة السعودية تواجه قيودًا على حريتها في الحركة والسفر، حيث تحتاج في كثير من الأحيان إلى إذن ولي الأمر. كما أن فرصها في الحصول على عمل متساوٍ محدودة، ولا تزال هناك فجوات كبيرة في الأجور بين الجنسين. وتؤكد التقارير الأممية على ضرورة قيام الحكومة السعودية بإجراء إصلاحات شاملة لضمان حقوق المرأة وحمايتها من جميع أشكال التمييز والقمع. وفي رسالة أسرلها مقررون أمميون إلى “الحكومة السعودية”، أدانوا فيها استهداف النساء بشكل خاص، ضمن حملة السعودية الواسعة ضد المدافعين عن حقوق الإنسان ومستخدمي وسائل التواصل. وأوضحوا أنه تم تشريع هذا الاستهداف من خلال تشريعات مثل قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية لعام 2007، حيث تُجرم المادة 6 منه “إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام ، او القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده ، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي”. وأشارت الرسالة إلى أن ذلك يفرض عقوبات بالسجن تصل إلى خمس سنوات عند انتهاك هذه القوانين، وأن ذلك يستخدم لقمع الحوار النسوي أو السياسي عبر الإنترنت وهو ما يشكل انتهاكا مباشرا لحق حرية التعبير. الرسالة التي وقّع عليها عدد من الشخصيات من ضمنهم المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير والفريق العامل المعني بالتمييز ضد النساء، تحدثت عن لجين الهذلول، 35 عامًا، كواحدة من النساء السعوديات اللاتي أوضحت الرسالة أنها مدافعة عن حقوق الإنسان، في 28 ديسمبر 2020، بعد أكثر من عامين من الاحتجاز السابق للمحاكمة، حُكم على الهذلول بالسجن لمدة سنتين وعشرة أشهر بتهمة التواصل مع جهات أجنبية معادية وتقديم الدعم المالي لها. قبل أن يُعاد ويُطلق سراحها من السجن في 10 فبراير 2021. كجزء من حكمها، فُرض عليها أيضًا حظر سفر بعد إطلاق سراحها لمدة سنتين وعشرة أشهر. وفقًا لهذا الحكم، كان يجب أن ينتهي حظر السفر ضدها في 12 نوفمبر 2023. في 14 نوفمبر 2023، زارت الهذلول مكتب الجوازات في الرياض للاستفسار عن وضع سفرها ولتأكيد رفع حظر السفر. إلا أن الضابط المسؤول قال إنه لا يملك المعلومات المطلوبة. لتعود الهذلول وتحاول في 16 نوفمبر 2023، عبور الحدود السعودية البحرينية لكنها أوقفت من قبل ضباط الحدود السعوديين الذين أبلغوها بأنها تخضع لحظر سفر بدون تاريخ انتهاء. على إثر هذا في 25 نوفمبر 2023، قدمت الهذلول شكوى حول حظر السفر ضدها إلى هيئة حقوق الإنسان السعودية، التي يوضع عليها علامات استفهام كثيرة وجرى تسليط الضوء عليها من قِبل منظمات حقوقية لإثبات تبعيتها للنظام السعودي وعملها على تغطية إنتهاكاته بدلا من الحدّ منها. وفي 2 ديسمبر 2023، وبناءً على توصية من هيئة حقوق الإنسان، قدمت الهذلول شكوى عبر البريد الإلكتروني إلى رئاسة أمن الدولة من خلال ديوان المظالم، لكنها لم تتلق أي ردّ حتى الآن. كما تلقت مكالمة هاتفية من هيئة حقوق الإنسان في نفس اليوم تطلب منها إرسال تفاصيل قضيتها، بما في ذلك نسخة من بريدها الإلكتروني إلى رئاسة أمن الدولة ورقم ملف قضيتها في ديوان المظالم. وبالفعل أرسلت المعلومات المطلوبة لكنها أيضا لم تتلق أي رد حتى الآن. كذلك في 21 فبراير 2024، زارت الهذلول مكتب الجوازات في الرياض وأُبلغت بأن هناك حظر سفر جاري ضدها لكن لم يتم تقديم أي معلومات إضافية.