تراجع الاستثمار الأجنبي في “السعودية” لأدنى مستوى خلال أربع سنوات
انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى “السعودية” للعام الثالث على التوالي في عام 2024، لتصل إلى 20.7 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ عام 2020، ما يشير إلى استمرار التحديات في جذب المستثمرين الأجانب. ويمثل هذا الرقم انخفاضًا بنسبة 19% عن العام السابق، ويعني على الأرجح أن النظام السعودي لم يحقق هدفه السنوي البالغ 29 مليار دولار، بعد أن كان قد حققته في الأعوام الثلاثة الماضية. وقد بررت السعودية التباطؤ إلى شح السيولة العالمية وتشديد السياسات النقدية. وبحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ”، فإن “السعودية” تسعى إلى زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) كجزء من جهودها المزعومة لـ”دعم النمو في قطاعات جديدة وتقاسم تكلفة خطة التحول الاقتصادي الضخمة التي يقودها محمد بن سلمان. إذ تطمح السعودية إلى رفع حجم هذه الاستثمارات بنحو خمسة أضعاف، لتتجاوز 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2030.” وأشار تقرير الوكالة الأميركية أن حاجة النظام السعودي إلى تمويل إضافي قد تزداد إذا استمرت أسعار النفط العالمية في الانخفاض، مما قد يؤدي إلى تفاقم عجز الميزانية وتقليص الإنفاق الحكومي، بحسب محللين. ولفت إلى أنه بالرغم من تلك المخاطر، تؤكد “السعودية” استعدادها لقبول عجز مالي أكبر من المعتاد، لأنها تضع أولوية للاستثمار في برنامجها للتحول الاقتصادي المعروف باسم “رؤية 2030”. من المقرر أن تدخل خطة التحول الاقتصادي السعودية، “رؤية 2030″، مرحلتها النهائية في عام 2026، حيث ستتحول الأولوية بشكل أكبر نحو جذب استثمارات القطاع الخاص، بهدف تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي، وفقًا لتقرير الرؤية. في سياق متصل، سجّلت البنوك التجارية العاملة في السعودية أدنى مستوى تاريخي لصافي الأصول الأجنبية في فبراير 2025، حيث بلغ سالب 52.5 مليار ريال سعودي، وفقًا لبيانات البنك المركزي السعودي. ووفق تقرير نشرته صحيفة بلومبيرغ في 31 مارس، يُعد هذا الرقم هو الأدنى منذ بدء السجلات، ويُظهر اتجاهًا سلبيًا مستمرًا للشهر الثامن على التوالي. أيضًا، تشير هذه الأرقام إلى أن التزامات البنوك بالعملات الأجنبية تفوق أصولها، ما يعكس تحولات كبيرة في مركز السيولة الأجنبية لدى القطاع المصرفي. ويعدّ صافي الأصول الأجنبيّة أو الاستثمارات الخارجية مؤشرًا هامًا على قدرة النظام المصرفي على تلبية الطلب على العملات الصعبة في أوقات الضغوط المالية، وبالتالي هروب الاستثمارات يؤدي إلى فشل النظام المصرفي بهذه المهام. وثمة أسباب عدة تقود إلى هروب الأصول الأجنبية، وفي مقدمتها: تحول الاستثمارات إلى أسواق أخرى أكثر استقرارًا، وزيادة الدين الخارجي مما يعكس ضغطًا على الأصول الأجنبية، عدم استقرار النظام السياسي، بمعنى ارتكاب الانتهاكات وممارسة القمع من قبل النظام السعودي. وآخر محاولات “السعودية” لتحسين فرص اجتذاب الاستثمارات الغربية كان في مؤتمر IHIF EMEA 2025 في برلين، والذي أُعلن فيه عن تدابير جديدة لتحفيز الاستثمار من خلال العرض على المستثمرين الأجانب لمعاملتهم معاملة المستثمر السعودي، مثل: برنامج الحوافز الذي يعوض حتى 25% من الإنفاق الرأسمالي، وتقليص الرسوم الحكومية على الفنادق بنسبة 75%. وتسجّل مساعي الرياض فشلًا ذريعًا في جذب المستثمرين بما في ذلك، إنشاء الهيئة السعودية لتسويق الاستثمارات، وقد ظهر أن الهيكل الإداري الجديد يواجه صعوبة في التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية. ومن المحاولات أيضًا، افتتاح الرياض مكتب استثماري جديد لها في مدينة ميامي الأميركية بعد مكتب آخر سبق أن افتتحته في واشنطن. ضعف الاستثمارات الخارجية سبق أن قرأه معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى، حين قال أن “السعودية يتعزز اعتمادها على أسعار النفط من خلال الندرة النسبية للاستثمار الأجنبي المباشر، حيث يبدو أن العديد من الشركاء الاقتصاديين المحتملين ينتظرون تحسين البنية التحتية لرؤية 2030 قبل تخصيص الأموال لمشاريع جديدة في المملكة”. ليس سجل البلاد الأسود والاوضاع الإقليمية المتأرجحة، وحدها الدوافع خلف الجهد السعودي لاسترضاء الخارج، بل وجود منافس اقتصادي قوي لها في المنطقة يشكّل تحدّياً كبيرا لمشاريعها، وهي الإمارات العربية المتحدة. وكانت “السعودية” قد أعلنت سابقا في إطار استكمال مسار التحاقها بإمارة دبي، في خطوة إجبار الشركات التي تريد الاستثمار في الجزيرة العربية أن يكون مقرها الأساسي في “الرياض”. وليس هذا فقط بل توقفت في مطلع العام 2024 التعاقد مع أي جهة حكومية سواء كانت هيئة أو مؤسسة أو صناديق استثمارية أو أجهزة رسمية في حال عدم وجود مقر إقليمي لها في “السعودية” بحلول عام 2024. وقرأ محللون اقتصاديون هكذا خطوة بأنها تهدف لجعل “السعودية” المركز المالي والاقتصادي الجديد للشرق الأوسط. وسبق أن أرغمت “السعودية” الشركات الأجنبية بنقل مقرها الإقليمي إليها إذا أرادت تقديم عطاءات على العقود الحكومية. حيث تتخذ العديد من الشركات العاملة في شبه الجزيرة العربية مقراً لها منذ فترة طويلة في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أصبحت دبي وجهة مفضلة للمديرين التنفيذيين المغتربين الذين يتنقلون من وإلى الوجهات السعودية أسبوعياً.
