حضرموت: عنوان لصراع متجدد بين الإمارات و”السعودية”
فرضت حضرموت نفسها كساحة تنافس محورية بين “السعودية” والإمارات، وذلك لعدة اعتبارات ومقاربات تدفع البلدين لتوسيع دائرة النفوذ بها ومحاربة كل طرف للآخر في هيمنته على مقدرات حضرموت ذات الإمكانيات النفطية والاقتصادية والموقع اللوجستي المهم. إن الاهتمام بحضرموت ليس وليد اليوم، إذ يعود لعقود قديمة، حيث يرتبطا بشريط حدودي واسع النطاق – يقع معظمها ضمن صحراء الربع الخالي التي يشترك فيها الشمال الشرقي لليمن مع الجنوب الشرقي للسعودية – يقدر بنحو 700 كيلومتر، بما يمثل قرابة نصف الحدود اليمنية مع “السعودية”، وهو ما يمنح المدينة اليمنية أهمية لوجستية أمنية محورية بالنسبة للسعوديين. أما على مستوى الإمارت، فقد كشفت سياسات آل زايد نواياهم الحقيقية من المشاركة في قوات التحالف، والتي تركزت في الهيمنة على السواحل والموانئ والجزر اليمنية على الساحل الجنوبي والشرقي في إطار سياسة السيطرة على الممرات والمنافذ البحرية في المنطقة، من اليمن وحتى القرن الإفريقي، بما يعزز النفوذ الإماراتي ويخدم الأجندة التوسعية لحاكميها. في هذا السياق، انطلق السبت اللقاء القبلي الموسّع الذي دعا إليه “حلف قبائل حضرموت” المدعوم من السعودية وسط حضور جماهيري شارك فيه الآلاف ووُصف من قبل المنظّمين بأنه تاريخي ومفصلي وغير مسبوق. ورفع المشاركون شعارات تطالب بـ”التمكين الحضرمي الكامل” وإدارة حضرموت من قبل أبنائها، بعيداً عما وصفوه بـ “الوصاية والهيمنة من خارج المحافظة”، مؤكدين ضرورة “استعادة القرار السيادي الحضرمي ووضع حد لحالة التهميش التي عانت منها المحافظة خلال العقود الماضية”. في الظاهر، يرفع “حلف القبائل” بدفع من “السعودية” في سياق هذا التصعيد، مطالب المحافظة في الحكم الذاتي وتمثيل عادل في مؤسسات الدولة. ويحمل التصعيد المذكور رسائل واضحة إلى الداخل، وعلى رأسه “المجلس الانتقالي الجنوبي” لكف يده عن المحافظة، وإلى الخارج، موجه بالدرجة الأولى إلى الإمارات بحجة أن “مستقبل حضرموت السياسي والإداري هو حق لأبنائها”، في ظل مطالبات متزايدة بإنهاء السيطرة العسكرية الخارجية، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة التخلص من “النخبة الحضرمية”، وهي تشكيل محلي حضرمي يتبع بالأمرة إلى “الانتقالي”. وطفا الصراع مجدداً على السطح علناً في أعقاب زيارة رئيس “الانتقالي”، عيدروس الزبيدي، إلى المكلا خلال شهر رمضان، إذ شنّ هجوماً على قيادة الحلف، ليرد عليه رئيس الأخير، عمرو بن حبريش، بوصفه بأنه “أداة بيد أسرة صالح”، ما يكشف عمق الصراع والتنافس بين الفصائل الوكيلة للتحالف العربي في اليمن. وفي أعقاب زيارة الزبيدي إلى حضرموت، دعت الرياض بن حبريش إلى زيارتها على عجل بداية الشهر الجاري، حيث حظي باهتمام من قبل “السعودية”. وكان أبرز حدث شهدته الزيارة هو اللقاء الذي جمع رئيس “حلف قبائل حضرموت” بوزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، الأمر الذي أثار امتعاض “الانتقالي” الذي يعتبر المحافظة جزءاً رئيسياً لا تنازل عنه في المشروع الانفصالي، ويُعتبر فقدانها ضربة قوية للمشروع كونها المورد الرئيسي في الرفد المالي لاحتواء باطنها على كميات كبيرة من احتياط نفط البلاد. وبغضّ النظر عن تأييدها أيّ مشروع انفصالي جنوبي من عدمه، في الماضي أو في الحاضر، فإن “السعودية” تَعتبر المشروع الإماراتي استهدافاً مباشراً لها، ومحاولة مكشوفة لتعميق ورطتها اليمنية، وهو ما يعكس مرّة أخرى عمق الخلافات بين رئيس الإمارات، محمد بن زايد، وشريكه في الحرب “وليّ العهد السعودي”، محمد بن سلمان، والتغيّر السعودي المزمع في مقاربة القضايا الإقليمية. ولا يغب عن ذاكرة اليمنيين التنافس غير المشروع بين الجانبين والذي ينتج صراعاً دموياً يدفع اليمنيون أنفسهم ثمنه باهظاً، من أبنائهم وارزاقهم ومستقبلهم إضافة لكرامة بعض قبائلهم في تلك المناطق التي تقع تحت نفوذهم. ويقول مركز الأبحاث البريطاني، تشاتام هاوس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن السياسات المتناقضة للإمارات و”السعودية” ستتحول إلى صراع في اليمن إذا لم يتم حل القضايا. ويشير إلى ان الهوة اتسعت بين الجانبين بعد ان كثّفت الرياض محادثاتها مع حركة أنصار الله في محاولة لوضع حد للحرب المستمرة منذ 8 سنوات. يذكر أن “للسعودية” مطامع تاريخية في اليمن، إذ أن النظام حاول في ستينيات القرن الماضي احتلال مديرية ثمود، عد أن أثبتت شركة “بان أمريكان” عام 1961، وجود كميات كبيرة من النفط في صحراء ثمود، وهو الأمر الذي أثار جشع مملكة العدوان السعودية في ضم المديرية إليها ودفعها إلى اختلاق خلافات مع اليمن حينذاك. وعلى إثرها توقفت الشركة، إلا أن “السعودية” لم تتوقف عن محاولات ضم المديرية وإلحاقها بها بهدف الاستحواذ على الثروة النفطية، وأوعزت إلى أحد التجار الحضارم الحاملين للجنسية السعودية ويدعى بقشان، بشراء أراض واسعة في المديرية، وبعد ذلك، حاولت “المملكة” فصل منطقة ثمود عن حضرموت والسيطرة عليها، إلا أن تلك المحاولات أفشلتها «الجبهة القومية» عام 1967 م.