إفراجات محدودة عن معتقلين: تكتيك محمد بن سلمان لكسب ثقة الخارج
تزامنت الخطوات الأولى لمحمد بن سلمان في فرض رؤيته الإقتصادية على مسار أسلافه؛ مع تبنّيه مسار تصاعدي من القمع. وفي حين تستوجب “رؤيته” الإقتصادية إعادة تأهيل صورة حكم آل سعود على صعيد دولي لتمكين شروط جذب الإستثمار الخارجي، إلا أنه شرع في تسجيل أفظع الجرائم في سجلّ البلاد الإجرامي؛ كانت درّتها بجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي عام ٢٠١٨ (في صداها على مستوى المجتمع الغربي). أما اليوم ومع تصاعد حدة الإستياء الدولي من تفاقم الوضع الحقوقي في البلاد، تعمل “السعودية” وعلى مختلف الأصعدة لإجاد منافذ لها يمكن الاستناد عليها في مواجهة الانتقادات المتزايدة: على شاكلة خطوات كإقرار سياسة لمواجهة العمل الجبري من جهة، ومن جهة أخرى العمل على الإفراج العشوائي لبعض معتقلي الرأي في سبيل تهدئة الأجواء المشحونة ضدّها.فكانت أن شرعت سلسلة من الإفراجات التي تلقّفتها المنظمات الحقوقية؛ لكن لا تنظر اليها بعين الاطمئنان، ذلك لغياب البروتوكولات المتعارف عليها عند الإفراج عن معتقل حُكِم عليه أحكاما لم تنتهِ. فإلى جانب كون الاعتقالات تمّت بحدّ ذاتها دون دلائل تبرر الاعتقال ودون محاكمة عادلة ومنصفة؛ يتم اليوم أيضا الإفراج عن بعض هؤلاء المعتقلين دون إذن عفو وهو ما أثار ريبة بين أوساط متابعي ملفّ معتقلي الرأي.عمليات الاعتقال المكثفة بدأت منذ عام ٢٠١٧، وبدايتها كانت مع فضيحة “الريتز كارلتون” حيث اختطاف كبار رجال الأعمال و”الأمراء” بأمر من محمد بن سلمان والانقضاض على أموالهم وممتلكاتهم لسحب أي أوراق قوة وحصرها في يد ابن سلمان. وتَبِع هذه العملية حالات اعتقال لنشطاء ومدوّنين ومشايخ وغيره، في محاولة لفرض واقع جديد على شكل المجتمع وتوجهاته. أما اليوم، فيسعى حكم ابن سلمان إلى التخفيف من وطأة السمعة التي خلّفتها سياسته السابقة، عبر القيام بتعديلات ظاهرية. لكن الجميع يقرأ هذه التعديلات في سياق محاولات كسب الثقة الغربية. ويُنظَر إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين باعتباره جزءاً من استراتيجية تنطلق من أهداف رؤية 2030 التي ترتكز على تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، وتعزيز مكانتها في الأسواق الدولية. ومع ذلك، كان أحد العوائق الرئيسية أمام هذا التحول هو المخاوف بشأن سجل حقوق الإنسان في البلاد، وهو العامل الذي ردع بعض المستثمرين من عقد شراكات مع هذا “النظام”. تعقيبا على هذه التطورات، قالت منظمة القسط لحقوق الإنسان أنّ شروط هذه الإفراجات، التي لم تكن جزءًا من عفو ملكي، غير واضحة إلى حدّ كبير. ولا يزال من غير المعروف ما إذا كانت أحكام السجن قد أُلغيت، مما يترك الأفراد في خطر إعادة الاعتقال وفي حالة من الخوف المستمر. فيسلّط ذلك الضوء على الطبيعة التعسّفيّة للنظام القضائي السعودي، والحاجة الملحّة إلى إصلاحات جوهريّة. هذا ولا يزال يواجه العديد من معتقلي الرأي الذين أٌفرج عنهم في السنوات الأخيرة قيودًا صارمة، أبرزها حظر السفر، مما يمنعهم من مغادرة البلاد ويمزّق الأسر في كثير من الحالات.وغالبًا ما تُفرض هذه القيود كجزء من الأحكام القضائيّة الصادرة ضدّ المعتقلين، وعادةً ما تمتد لفترة مساوية لفترة السجن نفسها. ولكن السلطات تفرض أحيانًا حظر سفر “غير رسمي” دون أي إشعار مسبق. كما يواجه المُعتقلون المفرج عنهم حظرًا تعسفيًا على العمل أو النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يزيد من معاناتهم بعد سنوات من الانتهاكات الجسيمة لحقوقهم في السجن، بما في ذلك سوء المعاملة والإهمال الطبي، الذي قد يكون له آثار طويلة الأمد على صحّتهم الجسديّة والنفسيّة. وعلى الرغم من موجة الإفراجات الأخيرة، لا يزال هناك العديد من معتقلي الرأي الذين لم يشملهم العفو ويظلّون رهن الاعتقال التعسفي على خلفيّة ممارستهم لحقوقهم الأساسيّة، وبعضهم محتجز منذ أكثر من عقد. تلفت المنظمة إلى أنه في الوقت نفسه، وبينما جرت هذه الإفراجات الأخيرة، شهدت “السعوديّة” أيضًا موجة جديدة من الإعتقالات التعسّفيّة بسبب أنشطة مشروعة مثل التحدّث علنًا عن ظروف العمل السيّئة، أو ممارسة الحقوق الأساسيّة سلميًّا، أو معارضة سياسات السلطات، أو الانخراط في النشاط الحقوقي. ومن بين المعتقلين حديثًا محمد إسماعيل الدرع، جاويد أحمد، ومواطن بريطاني. كما اعتقلت السلطات السعودية سلمة بنت حسن الحويطي، والدة الطفل المعتقل عبد الله الحويطي المحكوم عليه بالإعدام، وذلك بسبب دعمها لابنها ونشاطها على منصّة إكس.معتبرة أنه يجب وضع حدّ نهائي لهذه الانتهاكات، إلى جانب تنفيذ إصلاحات جوهريّة، تشمل إلغاء المحكمة الجزائيّة المتخصّصة وإلغاء الأنظمة القمعيّة مثل نظام مكافحة جرائم المعلوماتيّة ونظام مكافحة الإرهاب، اللذين يجرّمان التعبير السلمي، كما أوصت بذلك الدول خلال الاستعراض الدوري الشامل الرابع للسعوديّة.