هلا التويجري تستكمل تبييض سمعة حكومة بلادها
افتتح مجلس حقوق الإنسان الدورة 58 له في جنيف في 24 فبراير 2025، وكانت “السعودية” ممثّلة برئيسة ما يُسمى “هيئة حقوق الإنسان الرسمية في السعودية”، هلا التويجري، صاحبة التاريخ الواسع في غسيل سمعة حكومتها دوليا. الدور عينه استكملته التويجري في مداخلتها يوم أمس، التي تجازوت فيها سمعة بلادها، وسيّما في مجلس حقوق الإنسان، متحدّثة كدولة صاحبة باع في مجال حقوق الإنسان. في انتقادها شكل المداخلة التي سجّلتها رئيسة هيئة حقوق الإنسان الرسمية في “السعودية”، اعتبرت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان كلام التويجري معتبرة إياه تكرارا للخطاب الرسمي الترويجي خلال افتتاح الدورة 58 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، بتاريخ 24 فبراير 2025. في مداخلتها، أكدت التويجري أن بلادها تدرك أهمية دور مجلس حقوق الإنسان، مشيدة بالعمل الدؤوب والجهود التي بذلت لإنجاح أعماله. لكن، وفق ما أوردت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان في تقارير سابقة، فإن الوفد الرسمي السعودي في المجلس وهيئاته استخدم منصات الأمم المتحدة لتجميل صورة الحكومة، وخصوصًا من خلال منع أي دور فعّال للمنظمات غير الحكومية المحلية في المجلس، فضلاً عن الترويج لمعلومات مضللة في بعض الدورات. تحدثت التويجري عن الإصلاحات والتطورات التي شهدتها البلاد في مجال حقوق الإنسان على مختلف الأصعدة، مشيرة إلى رؤية السعودية 2030 التي “ترتكز على المساواة وعدم التمييز، بالإضافة إلى تمكين المرأة والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن والعمال، وتحقيق جودة حياة مثالية”. رأت المنظمة أن هذا الخطاب يأتي في وقت تواجه فيه السعودية انتقادات شديدة لتمسكها بالقوانين التي تسمح بالتمييز ضد النساء وتكرس الأحكام التمييزية بناءً على الانتماءات المذهبية. على سبيل المثال، في حين ذكرت التويجري أن “السعودية” تضم أكثر من 15 مليون أجنبي من 60 جنسية يتمتعون “بأعلى درجات الحماية”، فإن تقارير دولية أكدت استمرار التمييز بحق العمال الأجانب في البلاد على عدة مستويات، بما في ذلك الانتهاكات التي ترتكب ضدهم، مما أسهم في زيادة تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم. أشارت التويجري أيضًا إلى التعديلات التشريعية التي أجرتها حكومة بلادها، بما في ذلك تحديث نظام العمل ونظام الحماية من الإيذاء، بالإضافة إلى نظام حماية الطفل. وفي هذا السياق، كانت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان قد بيّنت في تقاريرها وجود قصور في الآليات التنفيذية لتطبيق هذه القوانين، خاصة في ما يتعلق بمكافحة العنف المنزلي ضد النساء، فضلاً عن غياب المحاسبة للممارسي التعذيب في السجون بحق النساء على وجه التحديد. بالإضافة إلى ذلك، تعمدت التويجري التغني بتولي السعودية رئاسة لجنة المرأة في الأمم المتحدة، مشيرة إلى أن بلادها تسعى لمشاركة خبرتها مع العالم في دعم وتمكين المرأة. أشارت المنظمة إلى أن هذه التصريحات تعكس سعي السعودية المستمر لاستخدام هذه المنابر الدولية لتحسين صورتها أمام العالم، بينما تظل القوانين المحلية والممارسات الاجتماعية تحيط بالنساء في المملكة بواقع قاسٍ من القيود والتمييز. كما لم تفوت التويجري فرصة الحديث عن الأحداث العالمية التي استضافتها وتستعد لاستضافتها السعودية، مثل معرض إكسبو، وكأس آسيا، وكأس العالم. ورأت أن هذه الفعاليات تمثل “فرصة ثمينة للتواصل بين الأمم والمجتمعات”، وهو ما يظهر يُفهم كجزء من جهود الترويج للجهود الإصلاحية والمظاهر العالمية التي تستهدف تحسين الصورة الخارجية للسعودية. في ختام نقدها، رأت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن كلمة التويجري تمثل حلقة جديدة في سلسلة محاولات “غسل الصورة” التي تسعى الحكومة السعودية من خلالها إلى إبعاد الأنظار عن واقع الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان. وقد أكدت الكلمة استمرار الترويج لخطاب “الإصلاحات” من خلال الأحداث العالمية دون التطرق إلى الإعدامات، والاعتقالات التعسفية، وعدم تنفيذ القوانين التي من المفترض أن تحمي الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع. علاوة على ذلك، يظهر أن السعي لاستضافة هذه الأحداث العالمية ما هو إلا جزء من الجهود المستمرة لترويج السرديات الرسمية، بما فيها الادعاءات بالإصلاحات والتحسينات. وكان مجلس حقوق الإنسان افتتح الدورة 58 له في جنيف في 24 فبراير 2025، من دون عضوية “السعودية” فيه بعد أن فشلت في الحصول عليها في أكتوبر 2024. سبق أن وصف لويس شاربونو، مدير مكتب الأمم المتحدة في هيومن رايتس ووتش، السعودية بأنها “غير مؤهلة للعمل في مجلس حقوق الإنسان”، مشيرا إلى الاتهامات التي تدين سلوك البلاد في هذا المجال: حرس الحدود السعودي متهم بقتل مئات الإثيوبيين أثناء محاولتهم العبور من اليمن في عامي 2022 و2023 فيما قال المنتقدون إنه قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية، وأن البلاد لم تحاسب بعد على مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 . وقال تشاربونو في تصريحات طالب فيها الامتناع عن تقديم عضوية للحكومة السعودية: “لا ينبغي مكافأة الحكومات التي ترتكب جرائم ضد الإنسانية أو فظائع مماثلة وتضمن الإفلات من العقاب للمسؤولين عنها بمقاعد في أعلى هيئة لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة”. معتبراً “إن الفوز السعودي سيكون بمثابة صفعة في وجه العديد من ضحايا الانتهاكات السعودية، وليس أقلها مئات المهاجرين الإثيوبيين وطالبي اللجوء الذين قُتلوا أثناء محاولتهم عبور الحدود اليمنية السعودية، وضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وعائلة جمال خاشقجي”. وأما بخصوص رئاسة “السعودية” للجنة حقوق المرأة، فكان للخطوة انتقادات جمّة واستنكارا تعرضت له من مختلف الجهات، منها منظمة “هيومن رايتس ووتش”، التي نوّهت إلى التمييز الذي تمارسه السعودية ضد النساء الاضطهاد المنهجي المُمارس ضد ناشطات حقوق المرأة في البلاد. حتى الموقع الإلكتروني للبعثة الأممية السعودية يقر بأن الحكومة ليست رائدة في حقوق المرأة حيث يورد: “تتخذ السعودية خطوات صغيرة على طريق تقدم المرأة، ولكن الطريق ما يزال طويلا”. منوّهة في تقريرها إلى إقرار دبلوماسيين من المجموعة الإقليمية الغربية في الأمم المتحدة سرّا بمشاكل ترشح السعودية، لكنهم لا ينوون معارضته أو الدعوة إلى تصويت مسجل، لأنهم لا يريدون خلق سابقة. عادة، يتم تثبيت العضوية في هذه المناصب بالإجماع دون تصويت ويتم التناوب بين المجموعات الإقليمية الخمس في الأمم المتحدة، و مجموعة آسيا، التي تضم السعودية، أيّدا بالإجماع ترشيح السعودية. الأمم المتحدة تتواطئ مع “السعودية” رغم عدم قدرة “السعودية” من “خرق” عضوية مجلس حقوق الإنسان، إلا أن هذا الأمر الذي رافقه تحذيرات من جهات عديدة من مغبّة انتخابها عضوا، إلا أنه لا يمكن النظر إلى منظمات الأمم المتحدة كونها جهات منصفة، ولا يقف الأمر عند مسألة تقديمها ترؤس لجنة المرأة في الأمم المتحدة للسعودية، بل يتعداه إلى حدّ التواطؤ مع السلطات السعودية في قمعها الأصوات المعارضة لها. وكشفت “هيومن رايتس ووتش” مؤخرا عن كيف شارك منظّمو مؤتمر حوكمة الإنترنت، الذي أُقيم في الرياض أواخر العام الماضي، في قمع مختلف أوجه المعارضة للحكومة السعودية والتي شكّلت كسرا للعرف السعودي، من حيث ظهور أصوات معارضة في قلب شبه الجزيرة العربية. وضمن ما كشفته المنظمة أن أمانة منتدى حوكمة الإنترنت قامت بمراقبة الانتقادات الموجهة إلى “السعودية” من قِبل أحد المدافعين السعوديين المعروفين عن حقوق الإنسان في ورشة عمل نظمتها هيومن رايتس ووتش، كما هددت بطرد باحث هيومن رايتس ووتش في شؤون السعودية من المؤتمر، وصادرت المواد التي تسلط الضوء على قضايا المدافعين عن حقوق الإنسان. وقال مسؤولون في الأمم المتحدة لباحثة هيومن رايتس ووتش –جوي شيا- التي كانت حاضرة خلال المؤتمر ونظمت جلسة على هامشه، إن الحكومة السعودية تقدمت بشكوى وضغطت على الأمم المتحدة لإلغاء الشارة التي تسمح لشيا بحضور المؤتمر. وأشار المسؤولون إلى مقطع فيديو نشرته هيومن رايتس ووتش على وسائل التواصل الاجتماعي تستشهد فيه بقضية محمد الغامدي، كأساس لشكوى الحكومة السعودية. وذكر المسؤولون أيضًا أن تسمية شيا لمدافعين محددين عن حقوق الإنسان أثناء ورشة العمل قد يشكل انتهاكًا لقواعد السلوك. وقالوا إنهم سيضطرون إلى مناقشة ما إذا كان سيتم إلغاء شارتها مع مقر الأمم المتحدة في نيويورك.