منظمة بحرينية: النظام السعودي والتضييق على الحرية الدينية للشيعة
في تقرير لمنظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، تطرقت فيه إلى أوضاع الأقلية الشيعية في “السعودية”، وذلك ربطا بالذكرى التاسعة لاستشهاد الشيخ نمر باقر النمر. أكدت المنظمة أنه لطالما واجهت “السعودية”، التي تُحكم بنظام ملكي مطلق وفق تفسير صارم للإسلام السني، انتقادات بشأن سياساتها المتعلقة بحرية الدين، ولاسيما ما يتعلق بمعاملة المسلمين الشيعة والأقليات الدينية الأخرى. وأشار التقرير إلى ما يفرضه النظام السعودي باعتباره” إطارًا قانونيًا واجتماعيًا يعطي الأولوية للإسلام السني، وتحديدًا العقيدة الوهابية. وبينما يشكل هذا التجانس الديني جزءًا محوريًا من “الهوية السعودية”، إلا أنه أدى إلى تمييز منهجي ضد المجموعات الأقلية، مما يحد بشدة من حرياتهم الدينية والمدنية”. الإطار القانوني والمؤسسي ولفتت المنظمة إلى أن النظام الأساسي للحكم في “السعودية”، الذي يعمل كدستور فعلي للبلاد، ينص على أن القرآن والسنة هما المصدران الرئيسيان للتشريع. يقوم هذا الإطار القانوني على فرض صارم للممارسات الإسلامية كما تفسرها السلطات الدينية في الدولة. يواجه المسلمون غير السنة وغير المسلمين قيودًا كبيرة، حيث يُحظر بشدة ممارسة أي دين علنًا بخلاف الإسلام السني المعتمد من الدولة. ويُعاقب بتهمة الردة – التي تُعرف بأنها التحول عن الإسلام – بالإعدام، مما يبرز عدم تسامح النظام مع الاختلافات الدينية. ورأى التقرير الحقوقي أن “جهاز الدولة، بما في ذلك الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، كان تاريخيًا يراقب ويقمع الأنشطة التي تُعد غير إسلامية. وعلى الرغم من تقليص صلاحياتها في السنوات الأخيرة في إطار مزاعم الإصلاح ، إلا أن هذه القيود لا تزال متجذرة بعمق بالنسبة للأقليات الدينية”. التمييز ضد المسلمين الشيعة يشكل المسلمون الشيعة حوالي 10-15% من سكان “السعودية”، ويواجهون تمييزًا منهجيًا في مختلف جوانب الحياة العامة. تخضع ممارساتهم الدينية لرقابة مشددة وغالبًا ما يتم تقييدها. يتم فرض قيود صارمة على بناء المساجد والمراكز الدينية الشيعية، وتتعرض المساجد القائمة لمراقبة مستمرة. كما تُمنع أو تُثبط الاحياءات العلنية بالأحداث الدينية الشيعية مثل عاشوراء في العديد من المناطق، مما يجبر هذه المجتمعات على ممارسة شعائرهم في السر، بحسب المنظمة. في مجال التعليم، يواجه الطلاب الشيعة غالبًا مناهج دراسية تصوّر معتقداتهم الدينية بشكل سلبي، وتصفها بأنها انحرافات عن الإسلام الحقيقي. يعزز هذا التحيز، الأحكام المسبقة المجتمعية ضد المجتمعات الشيعية. إضافة إلى ذلك، وردت تقارير واسعة النطاق عن معاملة تمييزية من قبل المعلمين والزملاء، مما يزيد من عزلة الشباب الشيعي ويحد من مشاركتهم الكاملة في المجتمع. ويرى التقرير أن التمييز الاقتصادي يزيد من تعقيد هذه التحديات. يتم استبعاد المسلمين الشيعة بشكل منهجي من المناصب العليا في “الحكومة” والجيش، مع بعض الاستثناءات القليلة. وفي القطاع الخاص، يواجهون عقبات في التوظيف والترقيات، مما يترك الكثيرين منهم في حالة من التهميش الاقتصادي. يؤدي هذا الاستبعاد من القوة الاقتصادية والسياسية إلى تعزيز دائرة الفقر والتهميش في المناطق ذات الأغلبية الشيعية مثل المنطقة الشرقية، حيث تتركز معظم ثروة البلاد النفطية. القمع والعنف بالإضافة إلى التمييز الهيكلي، أكدت المنظمة معاناة المجتمعات الشيعية في ” السعودية” من العنف والقمع. في السنوات الأخيرة، شنّت جماعات متطرفة، بما في ذلك داعش، هجمات على المساجد الشيعية والتجمعات، مما أسفر عن فقدان كبير في الأرواح. وقد أدانت الحكومة هذه الهجمات، لكنها تعرضت لانتقادات لفشلها في توفير الحماية الكافية للمجتمعات الشيعية. ويعتقد الكثيرون أن هذا يعكس اللامبالاة المجتمعية تجاه سلامة ورفاهية الشيعة. وأكدت المنظمة على الدور الذي لعبه النظام السعودي في قمع الناشطين والقادة الشيعة. “على مدار العقد الماضي، تصاعدت عمليات الاعتقال والسجن، بل والإعدام لعدد من الشخصيات الشيعية البارزة. تم إعدام الشيخ نمر باقر النمر، الناقد البارز لمعالجة الحكومة للمسلمين الشيعة في عام 2016، بتهم التحريض على العنف، برغم أن منظمات حقوق الإنسان الدولية أدانت المحاكمة على نطاق واسع باعتبارها مدفوعة بأهداف سياسية. أثارت وفاته غضبًا داخل مجتمع الشيعة في “السعودية” وأدت إلى إدانات عالمية، مما أبرز النهج القاسي للمملكة تجاه الأصوات المعارضة.” الاستجابة الدولية لقد أثار تعامل “السعودية” مع المسلمين الشيعة والأقليات الدينية الأخرى انتقادات مستمرة من المنظمات الدولية. وقد صنّفت لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية (USCIRF) “السعودية” بشكل مستمر كـ “دولة ذات اهتمام خاص” بسبب انتهاكاتها الجسيمة لحرية الدين. وتؤكد تقارير من هيئات مثل USCIRF ووزارة الخارجية الأمريكية على غياب التقدم الجوهري في معالجة هذه القضايا، مشيرة إلى استمرار اضطهاد الناشطين الشيعة، وقمع الممارسات الدينية للأقليات، وتعزيز الأحكام المسبقة المجتمعية من خلال المؤسسات التي تسيطر عليها الدولة. وقد سلطت مجموعة حقوق الأقليات الدولية الضوء أيضًا على معاناة السكان الشيعة في “السعودية”، موثقةً أنماط التمييز، والإقصاء الاقتصادي، والقمع الديني. وتلاحظ المجموعة أنه بالرغم من محاولات النظام السعودي تقديم نفسه كمجتمع يتطور في إطار رؤية 2030، إلا أن هذه الإصلاحات قد تجاوزت إلى حد كبير المجتمعات الأقلية، مما ترك القضايا الأساسية للاختلال الديني من دون معالجة. وختمت منظمة أميركيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين تقريرها بالقول ” لا يزال الإطار القانوني للسعودية، جنبًا إلى جنب مع المواقف المجتمعية المتجذرة، يواصل قمع حرية الدين وتهميش المجتمعات غير السنية. لتحقيق التقدم الحقيقي، يجب على النظام أن يقوم بإصلاحات شاملة تضمن حقوقًا وحمايات متساوية لجميع المجموعات الدينية، مع ضمان احترام حرية المعتقد في كل من القانون والممارسة. وحتى يتم تنفيذ هذه التغييرات، ستظل الأقليات الدينية في “السعودية” مستبعدة من وعد المساواة والعدالة”.