تركي الفيصل يتفنن في “الدجل” خلال مشاركته في ندوة
يظهر لنا تركي الفيصل، رئيس المخابرات السعودية السابق، بين فينة وأخرى من إحدى الندوات في واشنطن ليعبّر عن القناع “السعودي” الذي قُدِّر له أن يُعتمد مع تغيّر المحطات والظروف. منذ ما بعد السابع من أكتوبر طرأت تناقضات شتى على خطابات الرجل، كانت أنصعها في يناير الماضي حيث تحدث خلال تصريح متلفز لقناة “الإخبارية” السعودي، قال فيها أن أن “حماس” “أيقظت العالم من خلال عملية “طوفان الأقصى” وإعادة القضية الفلسطينية لاهتمامات الدول كافة “وإذلال جيش الاحتلال الإسرائيلي ومحو صورة أنه القوة التي لا تقهر”. التصريح أعلاه أتى بعد بضعة أشهر من تصريح له أدان فيه العملية التي نفذتها حماس. وفي لقاء تلفزيوني له، على هامش ندوة في “معهد بيكر” للسياسة العامة، بمناسبة مرور نصف قرن على الحظر النفطي، أعرب عن عدم تأييده “الخيار العسكري في فلسطين، بل أفضل الخيار الآخر العصيان المدني، فهو الذي أسقط الإمبراطورية البريطانية في الهند والإمبراطورية السوفياتية في أوروبا الشرقية”. وبعد الحفاوة الإسرائيلية التي حظي بها لقاء السفيرة السعودية في واشنطن ريما بنت بندر مع الوفود الصهيونية خلال قمة MEAD، ظهر علينا تركي الفيصل مجددا مغدقاً على مسامع الحضور في ندوة استضافها معهد تشاتام هاوس، وابِلاً من التصريحات التي لا يمكن أن تمرّ في ظل كل مؤشرات العمالة “السعودية”. وباستغباء مفضوح؛ يزعم الفيصل أن بلاده “تولت تقديم الدعم من اجل وقف إطلاق النار في غزة والسلام بين الفلسطينيين واسرائيل”، الدعم الذي لم يعلو عن سقف القمم –المحدودة- والبيانات والاستنكارات في أحسن الأحوال! ويتابع “متهكّماً” الحديث عن “الدور الجبّار” الذي لعبه الإعلام السعودي في التصدي للسردية الصهيونية! فقد زعم أن وسائل الإعلام السعودية قدّمت دعما كاملا لفلسطين ناكرا وجود “قيود” على تغطية الأحداث، متناسيا أن (العربية) هي “بديلة للأصوات المناهضة لإسرائيل في وسائل الإعلام العربية” كما وصفتها صحيفة هآرتس العبرية. وليس من قبيل الصدفة أن استنكرت حركة حماس في بيان لها قبل بضعة أيام حذّرت فيه من “السياسة التحريرية لقناتي العربية والحدث بشأن الحرب في غزة غير موضوعية ومنحازة تمامًا وبشكل صارم للرواية الإسرائيلية، وتظهر تشفيا واضحا ضد الفلسطينيين، وهذا الأمر مرفوض وغير مقبول من قناة تلبس ثوبا عربيا”. مُطالبة “مكتب قناتي العربية والحدث بإعادة تقييم لسياستها التحريرية وتغطيتها الاعلامية الخاصة بالقضية الفلسطينية وحرب الإبادة في غزة”، كما حذّر المكتب الإعلامي للحركة المشاهدين من الأمة العربية والإسلامية من سياسة القناتين، والانتباه جيداً خلال مشاهدة شاشتيهما كَونِهما تتبنّيان رواية الاحتلال الإسرائيلي. وأمام سياسة الصمت المُتّبعة سعوديا، بدا حديث الفيصل الخارج عن سياقه وكأنه ردٌّ على بيان الحركة التي أدانت سلوك القنوات السعودية الرسمية بالاسم. استكمالا منها بالتعاطي مع وجود كيان الاحتلال الاسرائيلي كأمر واقع، وجّهت “السعودية” كل مبادراتها المزمعة في اتجاه يثبت وجود الاحتلال بدلاً من إضعافه فـ: منذ عام 1981 في مبادرة السلام العربية خلال “قمة فاس”، إلى المبادرة خلال عام 2002 قمة بيروت، وصولا إلى ما تزعمه اليوم من قيادة مبادرة جديدة،. فاصلاً بين روع المشاهد التي ارتُكبت في غزة من كيان الاحتلال بجيشه وحكومته و”شعبه” وما يُرتكب بحق فلسطينيي الضفة الغربية، وبين الكيان الذي تريد بلاده الاعتراف بوجوده وشرعيته: “يُنبئنا” مدير الاستخبارات السابق أن “السعودية تتحدث مع الولايات المتحدة بشأن علاقات على أسس اقوى وواشنطن تريد منا السلام مع اسرائيل والسعودية ترد على ذلك بالقول إذا كان هناك دولة فلسطينية فيمكننا الحديث عن التطبيع مع اسرائيل”. ويستمر قائلا أن “السعودية وأمريكا مستمرتان في المحادثات على القضايا الأمنية وغيرها، ولكن أيضًا نحو إقامة دولة فلسطينية، ثم التطبيع بين إسرائيل والسعودية وبقية العالم الإسلامي”، وهو بالفعل ما تصبو إليه أميركا و”إسرائيل” من خلف التطبيع مع “السعودية” بتوسيع رقعة الاعتراف بها. كما يقدم محاولة تبرئة “لنظام” بلاده من ما كشفه الغرب عن مشاركة قدّمتها “السعودية” في التصدي للصواريخ اليمنية والإيرانية التي أُطلقت على كيان الاحتلال، ادعى الفيصل أنه “لم نشترك في القوات البحرية لوقف هجمات الحوثيين لأننا منخرطين في عملية السلام هناك ولا نريد للمحادثات بينهم والحكومة اليمنية الشرعية ان تتاثر”. ولكن ماذا عن غياب محاولات التصدي لتلك القذائف التي ما برحت تخرق سماء غزة؟ أصواريخ وزوارق يمنية تهدد الاستقرار الإقليمي ومجازر ومجاعات بحق أكثر من ملوني بني آدم تفي غزة تجلب السلم والاستقرار؟ ما قد يظنها البعض “هفوات” لتركي الفيصل، إنما هي انعكاس للاهوية “السعودية”، أقله فيما يتعلق بالصورة التي تريد إظهارها عن نفسها للملأ الذي شبع من القمم والبيانات الفارغة، ليخرج عليه الفيصل بين حين وآخر يُكمل الازدواجية التي ابتدأتها المنظومة الحاكمة في البلاد. سبق وأن صرّح الفيصل خلال تواجده في إحدى الندوات إلى أن “إسرائيل تتمتع بتفوق عسكري ساحق، ونحن نرى بأعيننا، الدمار والحرمان الذي تجلبه لشعب غزة”. كما ودان حينها “بشكل قاطع قيام حركة حماس باستهداف المدنيين، من أي عمر أو جنس، بحسب الاتهامات الموجهة لها”، مضيفاً أن “مثل تلك الأفعال تكذب حماس بهويتها الإسلامية، زاعما أن “الإسلام يوصي بحرمة قتل الأبرياء من الأطفال والنساء والمسنين، كما يحظر تدنيس أماكن العبادة”. كما دان حماس حينها “لمنحها أرضية أخلاقية أعلى لحكومة إسرائيلية، منبوذة عالمياً، وحتى من قبل نصف الجمهور الإسرائيلي أيضاً، باعتبارها حكومة فاشية وخبيثة ومكروهة”. وقال: “إنني أدين حماس، لأنها أعطت تلك الحكومة الفظيعة الذريعة للقيام بتطهير غزة عرقياً من سكانها وتدميرهم بشكل كامل، كما أدينها لمواصلة تقويض السلطة الفلسطينية كما تفعل إسرائيل”، كما دان حماس أيضاً “لتخريبها محاولة السعودية التوصل إلى حل سلمي لمحنة الشعب الفلسطيني”. لكنه اليوم يعيد ويؤكد مضي بلاده بصفقة التطبيع، حيث قال خلال الندوة التي نظمها المعهد الملكي للعلاقات الدولية “شاتهام هاوس” في لندن أنه لا يعتقد أن “حماس تعمدت الهجوم على إسرائيل من أجل تعطيل خيارات التسوية التي كانت تبحث بين الفلسطينيين والأميركيين، إذ إنها كانت تخطط لعملية أكتوبر منذ نحو عامين واختارت اللحظة المناسبة لتنفيذها، إلا أن ذلك لا ينفي أن “تعطل المفاوضات كان بمثابة فائدة جانبية حصدتها الحركة جراء هجوم السابع من أكتوبر”. في حديثه خلال الندوة؛ توجه لجبهات إسناد غزة بما لم يتوجه به إلى كيان الاحتلال، واصفا إياها بالجماعات الإرهابية، قال: قدرة طهران على ضبط هذه الجماعات هو أمر يختبره العالم اليوم في اضطراب الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر، فإن كان لإيران نفوذ توجب عليها بذل جهود أكبر لكبح هجمات الحوثيين هناك وإن لم يكن فنحن أمام مشكلة كبيرة، وفق تعبيره. وتابع بالقول أن “دول الغرب توجه ضربات عسكرية خفيفة على الحوثيين رداً على مهاجمة السفن العابرة لمضيق باب المندب، لأنهم يرون أن الضغط على إيران قد يعود بمنافع أكبر في هذا الإطار، ومثل هذا المنطق ينسحب على كل الميليشيات والجماعات التي تدعمها طهران وتتسبب في توتر الأوضاع وتردي الأمن بدول عديدة”. وبأسلوب مُلطّف توجه إلى الولايات المتحدة الأميركية بـ”التمني” إيقاف إرسال الأسلحة للكيان كي يُجبر على إيقاف الحرب وفق توصيفه. زاعما استنكاره أن “الولايات المتحدة لا تمارس ضغوطاً كافية على حكومة تل أبيب لوقف الحرب في غزة”