مباحثات عسكرية بين السعودية ومصر: “إعادة تنظيم صفوف” حلفاء أميركا
في ظل تعقّد الظروف الإقليمية وبقاء احتمال نشوف حرب واسعة موضوعا على الطاولة؛ يبدو أن أميركا تُعدّ “حلفاءها” في المنطقة لاحتماليات توسع الحرب وتعيد “تنظيم الصفوف”. فقد عقدت مصر و”السعودية”، أمس، محادثات تناولت سبل تعزيز التعاون العسكري بين الجيشين. ووفقا لما أعلنه الجانبين على خلفية اللقاء الذي جمع رؤساء الجيشين – المصري والسعودي- ، تناول الجانبين “علاقات التعاون العسكري المتميزة بين القوات المسلحة في البلدين في العديد من المجالات”. أتى ذلك خلال الجلسة الختامية لاجتماع اللجنة العسكرية المصرية السعودية “التي تناولت أنشطة ومجالات التعاون العسكري ونقل وتبادل الخبرات العلمية والتدريبية في مختلف المجالات العسكرية بين الجانبين”. ونقل البيان عن رئيس هيئة الأركان العامة السعودية “إشادته بدور مصر المؤثر والفعال في محيطها الإقليمي والدولي لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”. التعاون السعودي- المصري شُهد بشكل واضح خلال المواجهات الإقليمية التي تبعت “طوفان الأقصى”، فتكامل الطرفين في أداء مهامهم الموكلة إليهم من قِبل الأميركي. مُتغنّية بأنها حليفا موثوقا لدى الأميركي، وما يتبعه من تقديم ضمانات لأمن كيان الاحتلال الإسرائيلي، نقل موقع “العربية” تصريحات خاصة بها نقلتها لها وزارة الخارجية الأميركية قالت فيها أن “السعودية شريك أمني مهم لأميركا”، مشيرة إلى أن الشراكة الاستراتيجية الثنائية التي استمرت على مدى ثمانية عقود من العمل المشترك تعزز المصالح المشتركة. أولى أشكال “التعاون” التي أعقبت طوفان الأقصى كان الطريق البري الذي شاركت به كلا من الإمارات و”السعودية” والأردن ومصر في نقل البضائع إلى الكيان الإسرائيلي. ومسار الطريق سمح باستخدام المعابر الحدودية الإسرائيلية لنقل البضائع على الطريق البري، من ميناء دبي، عبر “السعودية” والأردن إلى الكيان إسرائيلي، ومن هناك عبر البحر الأبيض المتوسط أو عبر البر إلى مصر. وأوجه التعاون المباشر الأخرى بين “حلفاء” أميركا في المنطقة، تمثلت في صدّ الصواريخ والمسيرات اليمنية أو الإيرانية التي أُطلقت باتجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي في أعقاب استهداف قنصلية بلادها في دمشق. ووفق ما أكد عليه أصحاب الرأي من الغرب، فإن الاصطفاف العربي الأخير إلى جانب إسرائيل بُعَيد العمليات التي نفذتها إيران على أراضي فلسطين المحتلة، شكّل وجهاً جديداً ومباشراً من أوجه “التعاون” المُرتجى من اتفاقيات التطبيع. من تقديم معلومات استخباراتية للكيان إلى تطويع المعسكرات الأميركية على أراضيها لصدّ الصواريخ والمسيرات القادمة من إيران باتجاه فلسطين المحتلة. وكشفت صحيفة الديلي ميل البرطانية حينها أن السعودية قامت بتزويد إسرائيل بمعلومات استخباراتية حيوية حول النوايا الإيرانية حتى تتمكن إسرائيل من الاستعداد للهجوم. وفي المضمار ذاته، تنقل وول ستريت جورنال عن مسؤولين سعوديين ومصريين أنه بعد عملية اغتيال الجنرال محمد رضا زاهدي ومسارعة طهران للتعهد بالرد، بدأ كبار المسؤولين الأمريكيين في الضغط على الحكومات العربية لتبادل المعلومات الاستخبارية بشأن خطط إيران لضرب إسرائيل والمساعدة في اعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تطلق من إيران ودول أخرى باتجاه إسرائيل. وفي تفاصيل الحدث فقد تم تعقب الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية منذ لحظة إطلاقها بواسطة رادارات الإنذار المبكر في دول الخليج العربي المرتبطة بمركز العمليات الأمريكية في قطر، والتي نقلت المعلومات إلى الطائرات المقاتلة من عدة دول في المجال الجوي فوق الأردن ودول أخرى أيضًا وكذلك إلى السفن الحربية في البحر وبطاريات الدفاع الصاروخي في إسرائيل. وكَون التصدي لصواريخ إيران حينها شكّل ردّا أوليا من العديد من الحكومات العربية فكان تقييمه بأنه حذراً، تخوفاً من أن المساعدة المقدمة لإسرائيل قد تورّطهم مباشرة في الصراع وتخاطر باحتمالية أن يكونوا في مواجهة الانتقام من طهران وما سيتلو ذلك من رد ايراني محتمل يضعهم في مهبّ الريح. ولعلّ التخوف المصري يمتد ليس فقط من ردة فعل إيرانية، بل من ردود فعل داخلية، خاصة أن تيارات سياسية وشعبية ودينية تحتقن غضبا دفينا ضد الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي في سياساته الداخلية والخارجية، وأي دفاع علني وصريح عن كيان الاحتلال سيفجّر الأوضاع أكثر ويهدد حكمه المتزعزع. وأما دول الخليج فكانت أن استبقت هذه المخاوف وكبتت أي أصوات محتملة وفعّلت أدوات الترهيب سلفاً. ليكون مخافتها من تدخّل مباشر وصريح إلى جانب الخندق الأميركي محصورا من رد إيراني. اليوم تتكرر التجربة عينها، إيران ستردّ والكيانات العربية سوف تتصدّى، ويبدو أن المخاوف هي عينها، بل هي أقسى من ذي قبل لأن الرد الإيراني اليوم غير متعلق بها حصرا بل هو ردّ مزدوج على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية ورد على اختراق سيادتها من ناحية أخرى. ما يعني أن فلسطين والمقاومة الفلسطينية معنيين بشكل مباشر بهذا الرد المرتقب، وأن أي تدخّل عربي للتصدي للهجوم سوف يكون تحت المهجر ويخوّنها ضعف التخوين الماضي.