قلق خليجي من الضربات العسكرية لليمن.. والسعودية تخشى انهيار الهدنة مع الحوثيين
سلط خبراء بالشؤون الاستراتيجية الضوء على تداعيات الضربات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة ضد مواقع تسيطر عليها جماعة أنصار الله (الحوثيون) باليمن، في ظل قلق من تصاعد القصف المتبادل في دول الخليج العربية بوجه عام، والسعودية بوجه خاص، التي تخشى من انهيار الهدنة مع الحوثيين، ما يعني عودتهم إلى قصف عمق المملكة.
وأورد موقع "ريسبونسبل ستيتكرافت" تقريرا يصف الضربات الأمريكية، بإسناد بريطاني، بأنها أول تدخل عسكري أمريكي مباشر ضد الحوثيين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2016، ما رفضته دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء البحرين، وأعربت تلك الدول عن قلقها من تصعيد واشنطن ولندن، وفقا لما ترجمه "الخليج الجديد".
وحتى قبل 11 يناير/كانون الثاني الجاري، عندما وقعت الموجة الأولى من الضربات الأمريكية-البريطنية، حذر بعض المسؤولين العرب في الخليج صراحة من مثل هذا العمل العسكري.
وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 7 يناير/كانون الثاني، أوضح وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مخاوفه، قائلا: "نحن لا نرى العمل العسكري كحل أبدًا"، مضيفًا أن حماية ممرات الشحن من خلال "الوسائل الدبلوماسية" ستكون "أفضل طريقة ممكنة".
وبعد 9 أيام، حذر الشيخ محمد، أثناء خطابه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، من أن الضربات العسكرية ضد الحوثيين لن تنجح في احتواء عمليات أنصار الله، مضيفا: "نحن بحاجة إلى معالجة القضية المركزية، وهي غزة، من أجل نزع فتيل كل شيء آخر.. إذا ركزنا فقط على الأعراض ولم نعالج القضايا الحقيقية، فإن [الحلول] ستكون مؤقتة".
وبعد فترة وجيزة من الضربات الأمريكية البريطانية، أعربت الكويت أيضًا عن "قلقها البالغ واهتمامها الشديد بالتطورات في منطقة البحر الأحمر في أعقاب الهجمات التي استهدفت مواقع في اليمن".
أما سلطنة عُمان، التي غالبًا ما كانت بمثابة الوسيط الرئيسي والموازن الجيوسياسي في المنطقة، فقد أعلنت وزارة خارجيتها أن مسقط "لا يمكنها إلا إدانة استخدام العمل العسكري من قبل الدول الصديقة" وحذرت من أن الضربات الأمريكية البريطانية تخاطر بتفاقم الوضع في الشرق الأوسط".
المخاطر العالية للسعودية
لكن عديد الخبراء يرجحون أن تكون السعودية هي الدولة الأكثر قلقاً بشأن التوترات المتصاعدة في خليج عدن وجنوب البحر الأحمر واليمن، ما عبرت عنه الرياض، في أواخر العام الماضي، عندما طلبت من إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إظهار ضبط النفس عند الرد على هجمات أنصار الله على السفن قبالة ساحل اليمن.
وبعد بدء الضربات الأمريكية والبريطانية، دعت وزارة الخارجية السعودية إلى "تجنب التصعيد" بينما أشارت إلى أن الرياض تراقب الأحداث "بقلق بالغ".
وفي السياق، يرى أستاذ الشؤون الحكومية بجامعة جورجتاون في قطر، مهران كامرافا، أن "هذا الموقف يشير إلى الجهود السعودية لتشجيع وقف التصعيد وفي الوقت نفسه ضمان مصالحها وعلاقاتها الدبلوماسية على المدى القصير والمتوسط، من خلال الإشارة إلى اهتمامها بجميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا".
وقال زميل جامعة لانكستر في بريطانيا، عزيز الغشيان: "السعوديون قلقون لسبب وجيه، فهي تريد تجنب الوقوع في وسط الصراعات الإقليمية والدولية، والحفاظ على هدنتها مع الحوثيين المستمرة منذ عامين تقريبًا".
وأضاف: "المملكة عازمة على ضمان بقاء الانفراج مع إيران، الذي توسطت فيه عمان والعراق والصين في مارس/آذار الماضي، على المسار الصحيح"، مشيرا إلى أن "وجهة نظر الرياض هي أن التدخل العسكري الأمريكي البريطاني في اليمن يهدد بتقويض المصلحتين".
وأوضح كامرافا أن "القلق السعودي يتثمل في أن الهجمات على السفن في البحر الأحمر، والهجمات الأمريكية والبريطانية على اليمن تقرب بين إيران والحوثيين، وأن إيران ستصبح أكثر مشاركة بشكل مباشر في عمليات الحوثيين".
وأشار إلى أن هجمات الولايات المتحدة وبريطانيا على اليمن تصب في تصعيد حرب غزة وتوسيعها إلى ما هو أبعد من فلسطين، وإزاء ذلك "ترغب السعودية في بذل كل ما في وسعها لاحتواء المزيد من التصعيد لأنه قد يمتد إلى حدودها ويؤدي إلى تطرف الحساسيات السياسية المحلية".
وتابع: "تدرك القيادة السعودية أن المملكة ستكون في وضع أكثر ضعفًا إذا تكشفت الأزمة الإقليمية المستمرة خلال الفترة 2016-2020، عندما كانت التوترات بين الرياض وطهران مرتفعة للغاية. ونظراً للانفراج الأخير، ترى المملكة أن التهديد الإيراني للمملكة أكثر قابلية للإدارة".
ويرى الغشيان أن "تصاعد التوتر الإقليمي بسبب الحرب على غزة وما تلاه من تصعيد للتوترات في البحر الأحمر مثالان على كون اتفاق التطبيع السعودي الإيراني الذي تم التوصل إليه في مارس الماضي ذا قيمة بالنسبة للرياض من الناحية الاستراتيجية".
ومع وجود ولي العهد الأمير، محمد بن سلمان، على رأس السلطة، تريد القيادة السعودية إعطاء الأولوية لرؤيتها 2030 أجندة التنويع الاقتصادي الطموحة للمملكة، والتي تتطلب الاستقرار في المملكة وجوارها.
وفي هذا السياق، أعادت الحكومة السعودية تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إيران العام الماضي، واغتنت فرص التقارب مع قطر وتركيا في 2021/2022، وأشركت الحوثيين في محادثات حول هدنة دائمة.
ويشعر المسؤولون في الرياض بقلق بالغ إزاء الكيفية التي يمكن أن تؤدي بها حرب غزة، وهجمات الحوثيين ذات الصلة على الشحن في البحر الأحمر، والانتقام الأمريكي البريطاني إلى زعزعة الاستقرار، وبالتالي التأثير على مشروع مدينة نيوم المستقبلية، ومشاريع رؤية 2030 الأخرى التي تقع على طول ساحل البحر الأحمر.
ولذا فإن "المزيد من التصعيد من قبل أي من الأطراف هو السيناريو الذي تريد الحكومة السعودية تجنبه بأي ثمن"، بحسب الغشيان.
وأضاف: "لضمان عدم استئناف أنصار الله لهجماتها ضد السعودية، حاولت الرياض أن تنأى بنفسها عن الضربات العسكرية الأمريكية البريطانية في اليمن هذا الشهر، ومع ذلك، وبالنظر إلى مشاركة البحرين في عملية "حارس الازدهار" التي تقودها الولايات المتحدة بالبحر الأحمر، فإن احتمال قيام الحوثيين بالانتقام من خلال استهداف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية، المتمركز في البحرين، لا يمكن استبعاده".
وبالنظر إلى المدى الذي كانت فيه حماية الأمن القومي للبحرين أولوية قصوى بالنسبة للسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فإن مثل هذا السيناريو يهدد بإلحاق أضرار جسيمة بمصالح الرياض، بحسب الغشيان.
فيما يرى كامرافا أن استهداف المصالح الأمريكية في شبه الجزيرة العربية من قبل الحوثيين، أو "بعض المجموعات الصغيرة داخلهم"، يمكن أن يشكل "تطوراً خطيراً للغاية وحريقاً سيكون من الصعب احتواؤه".
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني، شن الحوثيون في اليمن عشرات الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على السفن في خليج عدن وجنوب البحر الأحمر ردا على الحرب الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة على غزة.
وفشلت عملية "حارس الازدهار" في ردع أنصار الله عن مواصلة ضرباتها الصاروخية والطائرات المسيرة. وأعلنت الجماعة أن هجماتها على السفن المتجهة إلى إسرائيل ستنتهي فقط عندما تتوقف إسرائيل عن هجماتها على غزة.
وبدلاً من استخدام النفوذ الأمريكي لإقناع الحكومة الإسرائيلية بالموافقة على وقف إطلاق النار في غزة، نفذت إدارة بايدن، إلى جانب المملكة المتحدة، خلال الأسبوع الماضي سلسلة من الغارات الجوية ضد أهداف الحوثيين في جميع أنحاء اليمن مع الاستمرار في تزويد إسرائيل بالقنابل وأسلحة أخرى لمواصلة حربها في غزة.
المصدر | ريسبونسبل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد.