كيف تستفيد دول الخليج من النموّ الاقتصادي الهندي؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 574
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

سيكون على دول الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة تعميق علاقتها السياسيّة والاقتصاديّة مع الهند، التي تتجه للعب أدوار مهمّة على مستوى الاقتصاد العالمي.

هكذا يخلص تحليل لمؤسّسة "فَنَك"، الذي يشير إلى أنه لتحقيق هذه الغاية، فإنه يمكن لدول الخليج الاستفادة من القواسم المشتركة التي تجمعها بالهند في مجال السياسة الخارجيّة، فكلهم يحافظون على علاقات متوازنة وبراغماتيّة مع الدول الغربيّة وروسيا والصين، وهما ما يسمح لهم بالبحث عن فرص التعاون الاستراتيجي بعيدًا عن الاستقطابات التي تثيرها النزاعات الدوليّة الآخذة بالتزايد.

وتشهد الهند حاليًا نموًّا اقتصاديًا سريعًا ومستدامًا، بفضل سياسات عامّة اتبعتها، بالإضافة إلى بعض العوامل السياسيّة والديموغرافيّة، حتى بات يطلق عليها "الصين الجديدة"، في إشارة إلى تحوّلها إلى أحد أهم الأقطاب الصناعيّة الواعدة على المستوى العالمي.

وهذا يفتح آفاقا واسعة للشراكات التجاريّة والاستثماريّة ما بين الهند والاقتصادات القريبة منها جغرافيًا، ومنها دول الشرق الأوسط.

وحسب صندوق النقد الدولي، سيكون الاقتصاد الهندي الأسرع نموًا في العالم خلال العام 2023، إذ من المتوقّع أن يسجّل الناتج المحلّي الهندي ارتفاعًا بنسبة 6.1%، وهي نسبة تتجاوز متوسّط نمو الأسواق الناشئة البالغ 4%، وتوازي خمسة أضعاف متوسّط نمو أسواق الدول الصناعيّة البالغ 1.2%.

ووفق التحليل، فإن ثمّة ظاهرة اقتصاديّة يصفها البعض بالمعجزة التنمويّة في الهند، التي استيقظت متأخّرة مقارنة بجيرانها في دول شرق وجنوب آسيا، لكنّها باتت اليوم تسابق كبرى التكتلات الاقتصاديّة العالميّة، ما يمثّل أبرز القفزات الاقتصاديّة التي يشهدها التاريخ الحديث.

وخلال السنوات الخمس المقبلة، من المتوقّع حسب خطط الحكومة الهنديّة، أن تتمكن البلاد من التقدّم إلى المرتبة الثالثة عالميًا بعد الولايات المتحدة والصين، على مستوى حجم الناتج المحلّي، بفضل النمو السريع الذي يشهده القطاع الصناعي الهندي.

تتنوّع عوامل القوّة الاقتصاديّة التي تمتلكها الهند حاليًا، والتي تسمح لها بمنافسة الصين وسائر دول شرق آسيا على مستوى تنمية واستقطاب الاستثمارات في القطاعات الإنتاجيّة.

أبرز هذه العوامل، وفق التحليل، يتمثّل في القوّة الديموغرافيّة التي تملكها، والتي ترتبط بشكل وثيق بحجم القوّة العاملة المتوفّرة.

ويعد متوسّط الأعمار المنخفض مقارنة بالصين، أهم ما في القوّة الديموغرافيّة الهنديّة، إذ إنّ نصف سكّان الهند تقل أعمارهم عن الـ30 عامًا.

أما مزايا القوّة العاملة في الهند لا تقتصر على معدلات الخصوبة المرتفعة والهرم السكّاني الشاب، بل تشمل توفّر الخبرات في القطاعات الرقميّة والتقنيّة المتقدمة، وانتشار اللغة الإنجليزيّة في صفوف خرّيجي المعاهد والجامعات الهنديّة.

كما تمتاز الهند بتوفّر أكبر نظام تعليمي جامعي في العالم، من حيث عدد الكليّات والطلّاب، وهذا ما يسمح بتخرّج 20 مليون طالب سنويًا إلى سوق العمل. وجميع هذه العوامل، جعلت الهند مقصدًا للشركات الأجنبيّة الباحثة عن مراكز إنتاج جديدة، كبديل عن الصين.

بالتوازي مع كل هذه المزايا التنافسيّة، ركّز رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، على مجموعة من الإصلاحات والسياسات العامّة، الكفيلة بالاستفادة من هذه القوّة العاملة المحليّة وجذب الاستثمارات الأجنبيّة.

كما حافظ مودي، وفق التحليل، على سياسة خارجيّة براغماتيّة جدًا، وعلى علاقات استراتيجيّة متوازنة مع جميع القوى الدوليّة المؤثرة اقتصاديًا وسياسيًا.

وجاءت العقوبات والقيود الأمريكيّة على الشركات والسوق الصينيّة، ليزيد من استفادة الهند، ما ساهم في نهضة اقتصاديّة يفترض أن تستمر بقيادة معدلات النمو على مدى السنوات المقبلة.

ويضيف التحليل: "من الأكيد أنّ كل هذه التطوّرات ستحمل فرصًا مهمّة لدول الشرق الأوسط، بالنظر إلى الترابط التاريخي ما بين الاقتصاد الهندي واقتصادات هذه الدول، وخصوصًا الخليجيّة منها، بالإضافة إلى التقارب الجغرافي ما بين الهند والشرق الأوسط".

ويتابع: "هذه الفرص لن تقتصر على الجانب الاستثماري والتجاري فحسب، بل ستشمل بعض التحوّلات السياسيّة التي يمكن أن تنتج عن الصعود الاقتصادي الهندي".

وتُعتبر الهند ثالث أكبر مستورد للنفط والغاز عالميًا، بعد كل من الصين والولايات المتحدة، حيث تصل قيمة وارداتها من مصادر الطاقة إلى حدود الـ119 مليار دولار أمريكي سنويًا.

ورغم استفادة الهند من انخفاض أسعار النفط الروسي، مازالت دول الخليج، وخصوصًا قطر والإمارات والسعوديّة، تؤمّن 60% من حاجات الشركات الهنديّة لمصادر الطاقة.

ولهذا السبب، وفق التحليل، فمن الأكيد أنّ تنامي حجم الصناعات الهنديّة سيعني تلقائيًا زيادة طلب الشركات الهنديّة على النفط والغاز الخليجي، ما سيؤمّن سوقًا مستقرًا لهذا النوع من الصادرات الخليجيّة.

يشار إلى أنّ التقارب الجغرافي ما بين الهند ودول الخليج، يسمح بتحييد سلاسل توريد الطاقة بين الطرفين عن التوترات الأمنيّة والعسكريّة، التي يمكن أن تهدد هذه الإمدادات في أنحاء أخرى من العالم.

كما تجدر الإشارة إلى أنّ تنامي طلب الهند على مصادر الطاقة الخليجيّة يكتسب أهميّة استثنائيّة في سوق الغاز المُسال بالتحديد، وخصوصًا بالنسبة لقطر، التي تعتمد بشكل كبير على صادرات الغاز.

في الوقت نفسه، تمثّل القطاعات الإنتاجيّة الهنديّة عامل جذب للاستثمارات والصناديق السياديّة الخليجيّة، الباحثة عن فرص مغرية في أسواق جنوب آسيا، لتنويع توظيفاتها وعدم حصرها بالأسواق الغربيّة.

ولاستقطاب هذه الرساميل، قدّمت الحكومة الهنديّة أساسًا إعفاءات ضريبيّة كبيرة لأرباح صناديق الثروة السياديّة، من استثماراتها في الهند، ما دفع جهاز أبوظبي للاستثمار، وشركة مبادلة للاستثمار الإماراتيّة، وصندوق الاستثمارات العامّة السعودي، للدخول في استثمارات طويلة الأجل في قطاعات البنية التحتيّة والطاقة والصناعة في الهند.

ويؤكد التحليل أن اتجاه الدول الخليجيّة للاستثمار في الهند يتسق مع سعي بعض زعماء هذه الدول، لتقليص الاعتماد على الشركات الاستراتيجيّة مع الولايات المتحدة والدول الغربيّة.

ومن هذه الزاوية بالتحديد، يمكن فهم حرص ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على إنشاء مجلس خاص للشراكة الاستراتيجيّة مع الهند، بهدف تطوير علاقات البلدين في المجالات الدفاعيّة والأمنيّة والنفطيّة.

في المقابل، وبينما يسعى العراق إلى التحوّل إلى مركز إقليمي للنقل في منطقة الشرق الأوسط، سيسمح تنامي الصادرات الهنديّة بزيادة الحاجة إلى البنية التحتيّة العراقيّة، التي ستقوم بنقل هذه الصادرات شمالًا باتجاه أوروبا.

وتمثل الهند ثاني أكبر شريك تجاري للعراق، بعد الصين، بينما يمثّل العراق خامس أكبر شريك تجاري للهند.

ويختتم التحليل بالقول: "يمكن القول إن خطوط التوريد الموجودة أصلًا بين البلدين ستسمح للعراق بالتحوّل إلى مركز لإعادة تصدير المنتجات الهنديّة، بعد إنجاز الاستثمارات التي تكفل بتحويله إلى مركز للنقل في منطقة الشرق الأوسط".

 

المصدر | الخليج الجديد