تلجراف: الاستثمارات مقابل الطائرات المسيرة.. معادلة دفنت الأحقاد بين أردوغان وبن سلمان
بينما يتطلع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاستثمار الخليجي لدعم اقتصاد تركيا المثقل بالأزمة، ويأمل ولي عهد السعودية الامير محمد بن سلمان بتعزيز تحالفات المملكة وإنعاش صناعتها الدفاعية، قرر الزعيمان "دفن الأحقاد" والركوب سويا في سيارة واحدة.. إنه تحول كبير.
بهذه الكلمات لخص جيمس روثويل، الكاتب في صحيفة "تلجراف" رؤيته للتقارب بين أنقرة والرياض، ومشهد زيارة أردوغان الأخير للسعودية، والحفاوة التي قوبل بها، لدرجة أن ولي العهد السعودي أصر على القيادة بالسيارة التركية "توج"، التي أهداها له أردوغان، من قصر المباحثات وحتى مقر إقامة الرئيس التركي الزائر في جدة.
كانت صورة لم يكن من الممكن تصورها قبل بضع سنوات فقط، يقول الكاتب في التقرير الذي ترجمه "الخليج الجديد".
الطائرات بدون طيار
يرى روثويل أن طائرات تركيا الحربية بدون الطيار، والتي أثبتت كفاءتها في عدة ميادين عالمية وإقليمية، كانت محركا مهما لزيارة أردوغان الأخيرة للسعودية، فالملخص العام يقول إن شركة "بايكار" التركية المصنعة للطائرات بدون طيار ستبيع خط جديد محسن من طائرات "أقنجي Akinci" القوية بدون طيار إلى السعودية، التي وافقت أيضًا هذا الأسبوع على تصنيع طائرات تركية بدون طيار داخل المملكة.
الطائرات بدون طيار تحديدا هي من أقوى الأسلحة الهجومية التي تمتلكها إيران ووكلائها بالشرق الأوسط، لا سيما الحوثيون، الخصم اللدود للسعودية، ولا يزال هذا الأسطول يشكل تهديدا للرياض.
ويمكن للسعودية استخدام الطائرات المسيرة التركية المتطورة لردع إيران عن الهجمات على طرق الشحن التجارية في الخليج العربي، وهو مصدر قلق متزايد لبريطانيا والولايات المتحدة.
وتقول جولرو جيزر، الدبلوماسية التركية السابقة التي خدمت في الولايات المتحدة وروسيا، إن الوجود التركي المتزايد في سوق الدفاع العالمي يتطابق مع ما يراه بعض اللاعبين الإقليميين على أنه نفوذ أمريكي يتضاءل في المنطقة.
وأضافت: "مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والمنطقة ، كانت تلك الدول تبحث عن بدائل فيما يتعلق بالصناعة الدفاعية".
وأوضحت أن تركيا تتمتع إلى حد ما بميزة إستراتيجية هنا، حيث أثبتت طائرات "بيرقدار" بدون طيار نجاحها في الحرب في أوكرانيا، مردفا: "إنها خفيفة الوزن ورخيصة نسبيًا: لقد أصبحت أداة مهمة في السياسة
تحول يؤخذ على محمل الجد
بدوره، يقول علي الشهابي ، المحلل السعودي البارز المؤيد للحكومة والرئيس السابق لمؤسسة "أرابيا" في واشنطن، حول العلاقة السعودية التركية الجديدة الأكثر دفئًا: "إنه تحول كبير بالتأكيد.. من المؤكد أن السعودية تريد تنمية العلاقة".
وأكد أن التقارب وتداعياته "تدركه السعودية جيدًا"، و "يؤخذ على محمل الجد"، لا سيما نقل التكنولوجيا والتصنيع المحلي للطائرات بدون طيار، لذا فهو يمضي قدمًا بشكل جيد للغاية.
ويعتبر محمد الحمد، المحلل الجيوسياسي السعودي ورئيس مجموعة النخبة السعودية الاستشارية، أن العامل الرئيسي في العلاقات الدافئة كان تعهد أردوغان بإدارة ظهره لجماعات الإسلام السياسي، لا سيما جماعة الإخوان.
وتابع: "من المهم أن نلاحظ أن السعوديين يتوقعون من السيد أردوغان أن يتعامل مع العلاقة باحترام ويفهم موقف المملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي.. علاوة على ذلك، تتوقع السعودية أن يمتنع السيد أردوغان عن استخدام الجماعات الإسلامية للتأثير سلبًا على الشرق الأوسط ".
التجارة وليس المساعدات
أما على الجانب التركي، فالتجارة هي الفائدة الرئيسية للتقارب مع السعودية، فبعد فوز انتخابي صعب في في مايو/أيار الماضي، أعقب الزلازل الكارثية في فبراير/شباط، أصبح أردوغان في حاجة ماسة إلى أن يُنظر إليه على أنه يد آمنة للاقتصاد.
تدخلت دول الخليج، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، لدعم المالية العامة لتركيا في وقت كان فيه أردوغان يواجه انتخابات رئاسية صعبة، حيث تراجعت شعبيته بسبب التضخم المتصاعد وأزمة تكاليف المعيشة.
وقبل شهرين من انتخابات مايو، أنهت السعودية اتفاقًا لإيداع ما يصل إلى 5 مليارات دولار (3.9 مليار جنيه إسترليني) في البنك المركزي التركي.
تم وصف التدفق النقدي من الخليج بأنه ضروري للحفاظ على البنوك التركية المتعثرة والمالية العامة التي تضررت بسبب سياسات أردوغان النقدية غير التقليدية.
وتقول جيزر إنه لم يتضح بعد ما إذا كانت التدفقات النقدية الخليجية ستستمر، لكن تواصل أردوغان خلال زيارته للخليج في يوليو/تموز الماضي، يظهر أن أنقرة تسعى إلى استثمارات طويلة الأجل يمكن أن تدعم الاقتصاد بدلًا من أن تدعم الاقتصاد بتدفقات مالية.
وتمضي بالقول: "نظرًا لأن الاتحاد الأوروبي هو شريكنا التجاري الأساسي ، فإن دول الخليج تنظر إلى تركيا على أنها جسر إلى أوروبا، خاصة أن هذه الدول تحاول الآن تنويع اقتصادها مع جيل شاب من الحكام الجدد".
هل زالت الخلافات؟
ويقول التقرير إنه مع استعداد الجانبين لتحقيق مكاسب كبيرة من ذوبان الجليد في العلاقات، يأمل المسؤولون في الرياض بلا شك أن الغضب بشأن مقتل خاشقجي أصبح وراءهم الآن، ليس في تركيا فقط، فمن المقرر أن تستضيف بريطانيا ولي العهد في أوائل الخريف.
لكن الخبراء يؤكدون أن أياً من هذا لا يعني أن التنافس الشديد بين أنقرة والرياض ، وبعض الاختلافات الرئيسية حول الاستراتيجية الإقليمية، قد زالت.
يقول سينم جنكيز، الباحث التركي في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر: "يستند هذا التقارب إلى البراجماتية الخالصة والسياسة الحقيقية ، وليس السياسة المثالية".
ويضيف: "لقد أبقوا الأيديولوجيا والقضايا السياسية الجدلية جانبا، لكن هذا لا يعني أنها منسية أو ملغية".
المصدر | جيمس روثويل / ذا تلجراف - ترجمة وتحرير الخليج الجديد