تزامنا مع انسحاب أمريكي.. العلاقة بين الصين والخليج آخذة في الاتساع

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 633
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

كلما قل انخراط الولايات المتحدة، زادت المساحة المتاحة للصين، وهو ما دفع دول الخليج للبحث عن شركاء آخرين للعمل معهم، لأنهم لا يرون في الولايات المتحدة "شريك أمني موثوق".

هكذا يلفت تحليل لموقع "مودرن دبلوماسي"، وترجمه "الخليج الجديد"، حيث تستفيد دول الخليج الغنية بالنفط من ثرواتها لتعميق العلاقات مع الصين، وسط قلق بشأن مستقبل شراكتهم الأمنية الطويلة مع الولايات المتحدة.

وبعد 7 أشهر من مشاركة الرئيس شي جين بينغ في القمة الصينية الخليجية الأولى في الرياض، تسارعت التبادلات الاقتصادية بين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ودول مثل السعودية والإمارات، لتتجاوز مشتريات النفط الخام، حيث كانت بكين هي المهيمنة لسنوات.

ومن بين الصفقات التي يمكن أن تستفيد من توثيق العلاقات في الأشهر المقبلة، طرح عام أولي في شنغهاي يخطط له عملاق البذور الصيني مجموعة "سينجينتا"، بقيمة تصل إلى 9 مليارات دولار.

وأجرى مستشارو الشركة المدعومة من الدولة الصينية مناقشات مع الصناديق السيادية في الشرق الأوسط، بما في ذلك هيئة أبوظبي للاستثمار، وصندوق الاستثمار العام السعودي، حول أن يصبحوا مستثمرين أساسيين.

ووفق مصادر، فإن المداولات لا تزال في مراحلها المبكرة، ومن غير الواضح ما هي الصناديق التي ستقرر في نهاية المطاف المشاركة في عرض "سينجينتا".

وارتفعت قيمة عمليات الاستحواذ والاستثمارات من قبل الشركات الخليجية في الصين بأكثر من 1000% على أساس سنوي إلى 5.3 مليارات دولار، وفقًا لبيانات رسمية.

كما تظهر البيانات أن هذا العام على وشك أن يصبح الأكثر ازدحامًا على الإطلاق، من حيث عدد مثل هذه الصفقات.

قال أشخاص مطلعون، إن صندوق الثروة السيادية في أبوظبي ، وشركة مبادلة للاستثمار، الذي تبلغ قيمته 280 مليار دولار، يكثف عملياته في الصين للبحث عن استثمارات.

وشهدت دبي زيادة بنسبة 24% في عدد الشركات الصينية التي أقيمت في المنطقة الحرة للسلع بعد العروض الترويجية في الدولة الآسيوية.

ويصف المسؤولون في الرياض الصين بأنها "شريك لا غنى" عنه لـ"رؤية 2030"، وهي خطة التحول الاقتصادي والاجتماعي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة الخليجية، والتي تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات.

ومؤخرا، فازت سلسلة من الشركات الصينية بعقود لبناء مدينة المستقبل "نيوم" السعودية.

ووفق تحليل "مودرن دبلوماسي"، فإن العلاقة تمتد أيضا خارج الجبهة الاقتصادية، مشيرا إلى أنه في قمة ديسمبر/كانون الأول الماضي، عرض شي التوسط في محادثات بين إيران والسعودية، مما أدى إلى اتفاق تاريخي في مارس/آذار لإعادة العلاقات بين الخصمين اللدودين، عقب اجتماعات مكثفة في بكين.

ويثير البعض في واشنطن بالفعل مخاوف من أن نفوذ الصين المتنامي في الشرق الأوسط، يمكن أن يتحدى المصالح الأمريكية على المدى الطويل، بينما لا تزال الولايات المتحدة الشريك العسكري المهيمن لدول الخليج.

وفي شهادة للكونغرس مؤخرًا من الجهود الصينية المنسقة لتقويض الهينية الأمريكية على سوق السلاح في الخليج، حذر قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل إي كوريلا من هذه الخطوة، مشيرًا إلى قفزة في مبيعات بكين التجارية والعسكرية إلى المنطقة.

وأضاف، إن المبيعات العسكرية الصينية في المنطقة ارتفعت بنسبة 80% خلال العقد الماضي، مقارنة بانخفاض المبيعات الأمريكية بنسبة 30%.

وحذر كوريلا من "سباق بين الاندماج مع شركائنا والتغلغل الصيني في المنطقة".

من جانبه، يقول الباحث المقيم في البحرين بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، والذي يجتمع بانتظام مع كبار المسؤولين الخليجيين حسن الحسن، إن الاستياء من المظلة الأمنية الأمريكية التي تعود إلى عقود من الزمن كان يختمر منذ 15 عامًا على الأقل في الشرق الأوسط، وتفاقم بسبب ما تعتبره دول الخليج سياسات أمريكية غير متوقعة تجاه المنطقة.

ويضيف: "إنهم الآن يعيدون تنظيم سياساتهم الخارجية لخدمة أجنداتهم الاقتصادية.. سيعطون الأولوية للعلاقات التي تخدم رؤاهم الاقتصادية الوطنية".

وكان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، قال في مؤتمر صحفي عقده في يونيو/حزيران، مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، عندما زار المملكة: "أنا لا أؤيد لعبة محصلتها الصفرية هذه".

وأضاف: "أعتقد أننا جميعًا قادرون على إقامة شراكات متعددة وارتباطات متعددة، والولايات المتحدة تفعل الشيء نفسه في كثير من الحالات".

وتؤيد الصين هذا النهج، ففي مؤتمر عقد في يوليو/تموز، بجامعة تسينغهوا في بكين، حث المبعوث الصيني السابق للشرق الأوسط وو سايك، المنطقة على "السعي إلى التعددية الحقيقية".

والشهر الماضي، وصل الآلاف من رجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين من الصين إلى الرياض لحضور أكبر تجمع أعمال عربي صيني على الإطلاق، وقالت الحكومة السعودية حينها إنه تم توقيع مذكرات تفاهم تزيد قيمتها على 10 مليارات دولار.

ويعلق التحليل على ذلك بالقول إن "وجود شركاء بديلين للولايات المتحدة، يجعل القوى الخليجية أقل اعتمادًا على أمريكا".

وفي الأشهر الأخيرة، تحدت السعودية والإمارات وغيرهما من المنتجين في "أوبك" مرارًا وتكرارًا، الضغط لفتح الصنابير، حيث سعت الولايات المتحدة لمنع أسعار النفط من تأجيج التضخم.

ولا تزال التجارة، وخاصة النفط، هي مفتاح العلاقة بين الصين والخليج، حيث تضخمت التدفقات التجارية ثنائية الاتجاه بين السعودية والصين إلى 117 مليار دولار العام الماضي، من 834 مليون دولار فقط قبل ثلاثة عقود.

ونمت التجارة الثنائية بين الإمارات والصين بما يقرب من مائة ضعف إلى 107 مليارات دولار في عام 2022، من 1.15 مليار دولار في عام 1992.

في مايو/أيار، قالت الإمارات إنها أوقفت المشاركة في الدوريات البحرية التي تقودها الولايات المتحدة في الخليج، والتي عانت من استيلاء إيران على ناقلات نفط في الأسابيع السابقة.

وقال مسؤولون أمريكيون وخليجيون، إن الإمارات ضغطت على الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات أكثر قوة لردع إيران بعد أن احتجز الجيش الإيراني ناقلتي نفط في خليج عمان الأسابيع الأخيرة.

وحسب مسؤولين خليجيين، فإن الولايات المتحدة أخفقت في فعل ما يكفي لردع الهجمات التي يشنها وكلاء إيران السنوات الأخيرة، مما يقوض إيمانهم بالتزام واشنطن تجاه المنطقة.

وقال المسؤولون الأمريكيون إن الإماراتيين شعروا بالإحباط بسبب عدم وجود رد أمريكي على استيلاء إيران على ناقلتي نفط في 27 أبريل/نيسان و3 مايو/أيار.

وكانت إحدى الناقلتين تحمل شحنة من النفط الخام الكويتي إلى هيوستن لصالح شركة شيفرون، فيما كانت الناقلة الثانية تمر من ميناء دبي إلى الفجيرة عبر مضيق هرمز.

وقارن أحد المسؤولين الأمريكيين، موقف الإمارات برد فعلها الغاضب في يناير/كانون الثاني 2022، عندما تباطأت الولايات المتحدة في تقديم المساعدة للدولة الخليجية بعد أن شن الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن هجوما مميتا بطائرة بدون طيار على العاصمة أبوظبي أسفر عن مقتل 3 أشخاص.

وحينها استغرقت واشنطن نحو أسبوعين لإرسال سفينة حربية أمريكية، ومزيد من المقاتلات النفاثة إلى المنطقة لدعم الدولة الخليجية، على عكس دول أخرى مثل فرنسا.

واعتبرت أبوظبي الرد دليلاً آخر على ما تعتبره عقدًا من انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، وعدم القدرة على التنبؤ بالسياسة.

وسبق أن شعرت الإمارات، بخيبة أمل من ردود الفعل الأمريكية على الهجمات التخريبية ضد الشحن التجاري في خليج عمان والهجمات الصاروخية على البنية التحتية النفطية السعودية الحيوية في عام 2019، والتي ألقي باللوم فيها على إيران.

وقال مسؤول إماراتي، إنه كلما قل انخراط الولايات المتحدة، زادت المساحة المتاحة للصين.

فيما لفت مسؤول سعودي كبير، إلى أن بلاده ترى ضرورة تهدئة التوترات مع دول أخرى في المنطقة، وإيجاد شركاء آخرين للعمل معهم، لأنها لا ترى الولايات المتحدة كشريك أمني موثوق.

 

المصدر | مودرن دبلوماسي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد