الاتفاق السعودي - الإيراني يتقدّم: الرياض «تطنّش» إرادة واشنطن

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 589
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لا تفوّت السعودية، هذه الأيام، مناسبة، من دون أن تؤكد الاستقلالية المستجدة في قرارها عن الأميركيين، وثبات التوجه نحو التقارب مع إيران، والعمل على الملفات الخلافية المتعددة تحت ظل هذا التقارب. ويأتي ذلك لينسف الانطباعات التي يحاول الأميركيون تكراراً إشاعتها عن أن ما تمر به علاقات بلادهم بالمملكة، هي أزمة عابرة، حلّها مسألة وقت يتطلبه الوصول إلى شروط جديدة للتحالف

هل وقع الطلاق النفطي بين السعودية والولايات المتحدة؟ السياسة النفطية التي اعتمدتها السعودية في العامين الماضيين تؤكد أن المملكة أحدثت انعطافة كبيرة في سياستها، بحيث صارت تقوم على تأمين مصلحة النظام التي لم تعد تتطابق مع المصالح الأميركية. لكن أنْ يعلن وزير النفط السعودي، عبد العزيز بن سلمان، قبل أيام قليلة، أن «أيام الثمانينيات القديمة التي كانت المملكة تقوم خلالها بدور المنتج المرجّح انتهت»، فذلك يمثّل إعلاناً سعودياً صريحاً عن طلاق نفطي بائن مع واشنطن. يتقاطع الواقع المشار إليه، أيضاً، مع إصرار سعودي لافت على التنسيق مع روسيا داخل «أوبك بلس» في ما يتعلق بتخفيض الإنتاج. في هذا المجال، ثمة محطتان رئيستان، أولاهما في تشرين الأول 2022، حين فاجأت السعودية كل أعضاء المنظمة، بمن فيهم روسيا، وضغطت على الجميع لخفض الإنتاج مليوني برميل دفعة واحدة، متجاوزة بواقع الضعف ما طلبته موسكو، وغير عابئة بصراخ الأميركيين؛ والثانية في نهاية حزيران الماضي حين أعلنت خفضاً طوعياً من جانب واحد قدره مليون برميل، وضغطت أيضاً على موسكو لخفض نصف مليون أخرى من دول «أوبك بلس»، ساعية إلى إظهار التماسك داخل المنظمة، على رغم التقارير الكثيرة التي تحدّثت عن عدم رضا الروس كثيراً عن الخفض، والتلميحات السعودية غير الرسمية إلى أن موسكو تتجاوز حصتها الإنتاجية المتفق عليها. والجدير ذكره، هنا، أن الروس لديهم حساباتهم الخاصة التي تقوم على أن ارتفاع السعر نتيجة الخفض، لا يعوّض المال المفقود من خلال خسارة مبيع كمية الخفض المطلوبة من موسكو، ولا سيما أن ثمة منتجين آخرين حاضرون لتعويض الكمية ما أمكن، بل اقتناص الزبائن الذين يمكن أن يفلتوا من يد الروس بسبب التخفيض. لكن في النهاية خرجت الرياض لتعلن استمرار سياسة التنسيق مع موسكو للسيطرة على سوق النفط.
على أن النفط، على رغم أهميته الكبيرة، ليس المجال الوحيد الذي يَعصي فيه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، «الأوامر» الأميركية. فقد تكاثرت المؤشرات في الأيام الماضية إلى أن ابن سلمان يمضي بخطى ثابتة وسريعة نحو تركيز قواعد للحكم تتجاوز الحاجة الأمنية إلى الأميركيين، عن طريق سلسلة الخطوات المتخذة، وأهمها الاتفاق السعودي - الإيراني، برعاية بكين، إذ يبدو أن إحدى النتائج العرضية لما يجري على هذا الصعيد، هو نشوء ثنائية سعودية – إيرانية تشكل مرجعية بديلة للمرجعية الأميركية في ما يتعلق بشؤون هذه المنطقة. في ما يتّصل باليمن، الذي يعتبره كثيرون «بارومتر» نجاح الاتفاق السعودي – الإيراني أو فشله، تُفيد المعلومات بأن الأمور تتقدّم، على رغم محاولات العرقلة الأميركية والإماراتية. وحتى مسألة الرواتب، جرى الاتفاق على دفع جزء منها. وما يؤخّر الحلّ في اليمن هو الخريطة المعقّدة لانتشار الفصائل المختلفة على الأرض، وتنوّع ولاءاتها الخارجية. لكن وسط كل ذلك، ثمة خيط ثابت هو إيجابية التفاوض بين «أنصار الله» والمسؤولين السعوديين وتوافر النوايا الواضحة، والمصلحة، لدى الطرفين للمضي نحو الحلّ. وفي هذا السياق، تفيد المعلومات بأن وفد صنعاء الرفيع المستوى الذي أدى فريضة الحج في مكة، مدّد إقامته في السعودية ثمانية أيام إضافية لمزيد من المفاوضات بعيداً عن الإعلام، وعاد إلى صنعاء في ظل تكتم على النتائج.

في ضوء ما تقدّم، جاءت عودة قضية حقل الدرّة الغازي بين إيران من جهة والكويت والسعودية من جهة أخرى، إلى الواجهة لتوفّر دليلاً إضافياً على أن المملكة لا تريد مشكلة مع طهران، على رغم موقفها الذي تطابق مع موقف الكويت، على ضرورة التفاوض مع إيران على ترسيم الحدود البحرية في ما يتصل بالحقل المذكور، كطرف تفاوضي واحد. هذا الموقف تعرّض لانتقاد شديد من قبل جزء من المعارضة السعودية المقيمة في الغرب، «تراخياً»، آخذاً على الرياض عدم مطالبتها طهران بالوقف الفوري لما وصفه بأعمال الحفر في الحقل. لكن المزاج الشعبي السعودي يميل بصورة واضحة نحو سياسة النظام في المضي قدماً في التقارب مع إيران، انسجاماً مع رغبات شعوب المنطقة كلها في تحسين العلاقات بين دولها، باعتبار أن كثيراً من المشكلات، أميركية الصنع، فيما لا يحظى الأميركيون بشعبية كبيرة داخل المملكة. لكن أحد أقوى المؤشرات، يبقى الصدّ السعودي لإسرائيل، في كل محاولاتها والمحاولات الأميركية، لتقديم مغريات إلى المملكة للتطبيع مع العدو. فبعدما بدا قبل سنوات قليلة أن التطبيع بين المملكة وإسرائيل مسألة وقت فقط، واتُخذت خطوات سعودية في هذا السياق، منها السماح للطيران التجاري الإسرائيلي بالتحليق في الأجواء السعودية، عادت الرياض إلى ثوابت ما قبل حصول تلك التطورات، بربط أي تطبيع محتمل بالتوصل إلى حل للمسألة الفلسطينية على أساس الدولتين. في هذا أيضاً، يستجيب النظام السعودي لمزاج شعبي، وأيضاً لمقتضيات ترتيب الأوضاع في المنطقة.

السياسة الخارجية الجديدة للمملكة تهتدي بأمر واحد هو مصلحة النظام، وحتى إذا افترضنا أنه يمكن العودة إلى تحالف ما مع واشنطن في المستقبل، نتيجة تغير جوهري في السياسة الأميركية، فإنه سيكون بشروط مغايرة لا تملي فيها أميركا إرادتها على الرياض، وتتوقّع منها التنفيذ.