مراقبة وتهديدات.. مصر والسعودية تتعقبان المعارضين على الأراضي الأمريكية
يواجه المعارضون السعوديون والمصريون تهديداتٍ بالقتل والمراقبة الجسدية في الولايات المتحدة، وفي بعض الأحيان يُحرمون من الخدمات في قنصلياتهم.
هكذا يكشف تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، حين يقول إن مصر والسعودية، الحليفتان للولايات المتحدة، تستخدمان التهديدات واحتجاز الرهائن، والمحاكمات، لإسكات المعارضين، والنشطاء الحقوقيين على الأراضي الأمريكية.
ويستشهد تقرير الصحيفة الأمريكية بتقريرٍ صادر عن "مبادرة الحرية"، وهي مجموعة حقوقية غير ربحية أسّسها المصري محمد سلطان الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرّاً له، والذي تمّ اعتقاله في مصر عام 2013 بسبب احتجاجه على انقلاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على سلفه الراحل محمد مرسي وحكومته في عام 2013.
وفقًا لـ"مبادرة الحرية"، أصبحت مصر والسعودية "أكثر إبداعًا وجرأة" في الأساليب المستخدمة لاستهداف المعارضين في الخارج.
وفي تحقيق استقصائي أجرته "مبادرة الحرية"، أوضح 72 فردًا لهم "علاقات شخصية أو مهنية" بالقاهرة والرياض، وعدد كبير منهم من مواطني الولايات المتحدة وأفراد من مجتمعات الشتات، بالتفصيل "الجهود التي تبذلها الحكومتان لترهيب المعارضين والمنتقدين في الولايات المتحدة".
وأكد ناشطون حقوقيون وطلبة مصريون شاركوا في الاستطلاع، أنهم تعرّضوا للتضليل والمراقبة من قبل ناشطين توظّفهم حكوماتهم في أثناء تواجدهم في المطاعم، وفي المناسبات العامة بالعاصمة واشنطن.
وبينما أشار بعضهم إلى حرمانهم من الخدمات في القنصلية المصرية، أفاد آخرون بتلقي تهديدات بالقتل من متصلين يزعمون في بعض الحالات أنهم ضباط أمن مصريون.
يذكر تقرير "مبادرة الحرية"، أنّ الحكومة المصرية تحاكم النقاد والناشطين غيابياً، مما يجعل كثيرين غير قادرين على العودة إلى بلادهم.
كما تواصل مصر حبس اثنين من المقيمين الدائمين بصفة قانونية في الولايات المتحدة، وهما حسام خلف وصلاح سلطان (والد محمد سلطان) اللذين أعلنت الأمم المتحدة احتجازهما بشكل تعسفي، حسب التقرير. وتم منع مواطنين أمريكيين اثنين على الأقل من مغادرة مصر، كما احتجزت السلطات "بشكل متكرر" أفراد عائلات يعيشون خارج مصر انتقاما لانتقاد الحكومة.
وينقل تقرير الصحيفة عن شريف منصور، منسق برنامج لجنة حماية الصحفيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومقره الولايات المتحدة قوله، إن أقاربه في مصر تعرضوا للاعتقال والتعذيب بسبب عمله الحقوقي في الولايات المتحدة.
في عام 2020، اعتقلت السلطات المصرية ابن عمه رضا عبدالرحمن، فيما وصفه التقرير بأنه "عمل من أعمال احتجاز الدولة للرهائن بهدف إسكات منصور"، وتم الإفراج عن عبدالرحمن في عام 2021 لكنه لا يزال يخضع لحظر سفر.
ويضيف منصور في مقابلة: "لقد توقفنا عن التحدث إلى أي شخص في عائلتنا، لسنوات"، ولم يعد أرسل لأقاربي في مصر التهاني حتى بمناسبة رمضان.
ويتابع تقرير "واشنطن بوست"، إن السعودية كذلك احتجزت أو فرضت حظرا على السفر بشكل غير قانوني على مواطني الولايات المتحدة.
وأفاد 8 مشاركين أن السلطات السعودية احتجزت أو أخفت أفراد عائلاتهم، قال 4 إنهم تعرضوا للتتبع أثناء وجودهم في الولايات المتحدة، وأفاد 5 بتلقي مكالمات هاتفية أو رسائل تهديد.
وينقل التقرير عن عبدالله العودة مدير "مبادرة الحرية"، وهو سعودي يعيش في الولايات المتحدة، إنه يتلقى بانتظام تهديدات لحياته على وسائل التواصل الاجتماعي من مستخدمين يشتبه في أنهم يتصرفون بأمر من الحكومة السعودية.
وفي أحد التعليقات على "تويتر" هذا الأسبوع، لقطة شاشة شاركها العودة مع "واشنطن بوست"، غرد مستخدم تم تعليق حسابه منذ ذلك الحين: "أتمنى أن تعود إلى السعودية، وسيكون الشعب السعودي في انتظارك، وسيتم شنقك على أعمدة الإنارة في المطار، وهو الحكم الذي يستحقه كل خائن".
يقول العودة: "لا أعتقد أنهم يمزحون على الإطلاق"، خاصة بعد أن "أفلتوا من العقوبة على القتل" في قضية (الصحفي جمال) خاشقجي.
وأثار القتل المروع وتقطيع أوصال المعارض السعودي وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست جمال خاشقجي على يد مجموعة من القتلة داخل القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018، غضبا عالميا، إلى جانب الاهتمام بالهجمات على المعارضين خارج البلدان التي ينتقدونها.
وخلصت وكالة المخابرات المركزية بعد الاغتيال إلى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمر بها، في عهد الرئيس دونالد ترامب، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على 17 شخصا قالت إنهم متورطون.
كما أعلنت وزارة الخارجية عن قرار حظر خاشقجي، وهو إجراء لفرض قيود على التأشيرات على الأفراد الذين يقومون، نيابة عن حكومة أجنبية، بأعمال قمع عابرة للحدود تستهدف الصحفيين أو النشطاء أو غيرهم من المعارضين.
وفي العام الماضي، أنشأ مكتب التحقيقات الفيدرالي "مركز اندماج" لتنسيق جهود الوكالة بهذا الشأن.
وتعلق الصحيفة بالقول إن هذه التكتيكات تجعل المعارضين المصريين والسعوديين يشعرون بعدم الأمان، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه في العالم. وأفاد العديد ممن شملهم الاستطلاع أنهم عانوا من مشاعر العزلة أو الكوابيس المتكررة، أو قالوا إنهم غيروا خطط عملهم أو دراستهم.
ووتتابع: "لم تغير الولايات المتحدة سياساتها تجاه مصر أو السعودية بشكل جذري ردا على قمعهما للمعارضين في الداخل والخارج، وحافظ (الرئيس السابق دونالد) ترامب على علاقات وثيقة مع السيسي وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، حتى بعد مقتل خاشقجي.".
وخلال الحملة الانتخابية، وعد الرئيس جو بايدن بمحاسبة القاهرة والرياض على انتهاكات حقوق الإنسان، وتعهد بعدم تقديم "شيكات على بياض" للسيسي وجعل السعودية "منبوذة" ردا على اغتيال خاشقجي.
لكن التقرير يقول إن إدارة بايدن والمشرعين الأمريكيين لم يبذلوا جهودا كبيرة للحد من القمع العابر للحدود من قبل الحلفاء (مصر والسعودية على وجه الخصوص) على الأراضي الأمريكية أو ضد المواطنين الأمريكيين.
وتدعو الصحيفة إلى تصنيف القمع العابر للحدود باعتباره جريمة بموجب قانون الولايات المتحدة.
والشهر الماضي، قدمت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين بقيادة السيناتور جيف ميركلي (ديمقراطي) والسناتور ماركو روبيو (جمهوري من فلوريدا) مشروع قانون لتحقيق هذه الغاية.
وبينما حجبت الولايات المتحدة جزءًا صغيرًا من التمويل لمصر بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، إلا أنّها استمرت في تقديم مساعدات عسكرية كبيرة للقاهرة، كما أشادت الخارجية الأمريكية في يناير/كانون الثاني الماضي "بالشراكة القوية والمتنامية تاريخياً" مع مصر.
وفي هذا السياق، يقول منصور إن "إدارة بايدن تحاول أن تفعل الحد الأدنى".
ويضيف أنّ القرارات المتعلقة بالمساعدات الأمنية كانت "أحد الاختبارات الرئيسية لمعرفة ما إذا كانوا سيضعون أموالهم في مكانها الصحيح".
ويتابع الناشط المصري، أنه "مع مصر، فقدوا تلك الفرصة مرة، مرتين، في كل محاولة".
المصدر | الخليج الجديد