السعودية تُعلي كلمة السلفيين: هذه ذراعنا بمواجهة الإمارات
لم تنتظر السعودية أكثر من ستّة أشهر، لـ«إعادة الأمور إلى نِصابها» في المحافظات الجنوبية، بعدما شذّت الإمارات عن القواعد التي ثُبّتت على مدار سنوات الحرب، وعمدت إلى التعدّي على رقعة نفوذ «شقيقتها» هناك. وعلى إثر اشتغالها، طيلة الفترة الماضية، على تجهيز «درع الوطن» لتكون قوّتها السلفية الضاربة في تلك المحافظات، عمدت المملكة إلى إطلاق القوّة المذكورة في عدن وأبين وحضرموت، مُوقِعةً الإماراتيين في صدمة، ودافعةً إيّاهم إلى الآن إلى التزام الصمت الذي يبدو أنه لن يفارقوه إلى المواجهة، هذه المرّة
لم تنتظر السعودية كثيراً لتردّ «الضربة» التي تلقّتها إثْر اجتياح الميليشيات الموالية للإمارات، مطلع آب الماضي، محافظتَي أبين وشبوة، واللتَين يُفترض أن تظلّا، وفق المحاصصة المعمول بها منذ سنوات بين الرياض وأبو ظبي، في دائرة نفوذ الأخيرة. غير أن الإمارات وجدت، آنذاك، الفرصة مناسبة للتوسّع شرقاً، تحت ستار وقْف تغوُّل حزب «الإصلاح» (إخوان اليمن)، وهو ما تَحقّق لها، وصولاً إلى تخوم وادي حضرموت، حيث المعقل الأخير لـ«الإصلاح» في مدينة سيئون. إثر ذلك، وجدت السعودية نفسها قد فقدت معظم الرقعة الجغرافية الواقعة تحت سيطرتها، والممتدّة من شقرة في محافظة أبين، مروراً بشبوة، انتهاءً إلى أجزاء من حضرموت، وهي المناطق الغنية بالثروات النفطية والغازية، والمطلّة على سواحل البحر العربي، والتي تمثّل بالنسبة للرياض أهمّية استراتيجية، بل إنها تُعدّ، بشكل من الأشكال، متّصلةً بأمنها القومي.
انطلاقاً من ذلك، يمكن تفسير الاندفاعة السعودية إلى تشكيل قوّة ضاربة موالية لها تحت مسمّى «درع الوطن»، بعدما كرّست، خلال الأشهر الستّة الماضية، كلّ جهودها من أجل منْع سيطرة الإمارات على حضرموت، وشكّلت لجان وساطة عدّة لثني أبو ظبي عن السعي لهذا الهدف. وبالتوازي مع المساعي «السلمية» تلك، كانت المملكة تجهّز آلاف المقاتلين، في إطار التشكيل المذكور، تمهيداً للدفع بهم، ليس إلى حضرموت فقط حيث أطلقت عملية تجنيد واسعة النطاق لاستقطاب عشرة آلاف عنصر (جرى هذا عبر «حلف قبائل حضرموت»، الذي دعا ناطقه الرسمي، صالح الدويلة، إلى خروج الإمارات من 7 معسكرات، هي الضبة، الربوة، نحب، الحمراء، خفر السواحل، غيل بن يمين، ولواء بارشيد). وإنّما أيضاً إلى جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرة الإمارات. ومن هنا، أوْكلت المملكة إلى الفرقة الأولى من «درع الوطن»، والتي تضمّ 7 ألوية، مهمّة الانتشار في عدن ولحج وأبين، فيما عزّزت وادي حضرموت بـ3 ألوية، وهو ما أحدثَ صدمة لدى الإمارات، وحليفها المحلّي، «المجلس الانتقالي الجنوبي»، خصوصاً أن السعودية ربطت هذه القوّة برئيس «مجلس القيادة الرئاسي»، رشاد العليمي، على اعتبار أنه «القائد الأعلى للقوّات المسلّحة»، فيما أوكلت قيادة الألوية إلى السلفيين. ويَرجع اختيار الرياض الشخصيات السلفية لقيادة «درع الوطن» إلى عدّة اعتبارات، أوّلها أن تلك الشخصيات مطلَقة الولاء للمملكة، وثانيها أنها لا تحمل أيّ مشروع سياسي خاصّ، بل كلّ «فلسفتها» تقوم على القتال ضدّ حركة «أنصار الله»، بخلفيات عقائدية وفكرية، خصوصاً أن معظم العناصر الذين اختارتْهم السعودية قد قاتلوا أثناء «حرب دماج» مع الحركة في عام 2013، أي قبل اندلاع الحملة العسكرية السعودية على اليمن بسنتَين. ويُضاف إلى ما تَقدّم، أن الرياض تتطلّع، من خلال تصديرها السلفيين، إلى إسقاط الذريعة التي تتلطّى خلْفها أبو ظبي من أجل التمدّد في المحافظات الجنوبية، والمتمثّلة في إخراج حزب «الإصلاح» من تلك المحافظات.
في المقابل، لا تزال الإمارات ملتزمةً الصمت حيال الاندفاعة السعودية إلى تغيير الخريطة العسكرية التي أرستْها الأولى خلال الأشهر الستّة الأخيرة. ويتجلّى هذا الموقف الإماراتي في إحجام «الانتقالي»، إلى الآن، عن الاقتحام السعودي لقلْب عدن، حيث نفوذ المجلس الأقوى. وبرأي محلّلين، فإن أبو ظبي لن تغامر هذه المرّة في مواجهة الرياض، بل ستفضّل التنازل لـ«شقيقتها» مقابل تحقيق «انتصارات» في ملفّات أخرى مشتركة، من بينها إدارة المحافظات الجنوبية سياسياً وأمنياً، وهذا ما يفسّر الدفع بـ«ألوية العمالقة» الموالية للإمارات إلى التمركز في قصر معاشيق الرئاسي، جنباً إلى جنب قوّات «درع الوطن» الموالية للسعودية، في وقت أُخرجت التشكيلات التابعة لـ«الانتقالي» من محيط القصر. وعليه، يبدو الخاسر الأكبر من هذه الصفقة، «الانتقالي»، الذي وجد نفسه مكبّلاً بين استحقاقات الشراكة ضمن «المجلس الرئاسي»، وأدبيّاته المتعلّقة باستعادة «الدولة الجنوبية»، في ازدواجية لا تفتأ تُضعف حضوره، وتقف حاجزاً على طريق مشروعه السياسي، وفق ما أظْهره أخيراً الدفع بالسلفيين للتمركز في أحد أهمّ معاقله.