ما أعلنته قناة “الجزيرة” القطرية الأحد عن بيان عسكري أردني يتحدّث عن منع تسلّل مجموعة مُريبة من الأشخاص الأجانب إلى إحدى الدول المجاورة ليس أكثر في العرف السياسي والمهني من تذكير للسعودية الجارة التي تُحيط علاقتها بالأردن العديد من الألغاز والمطبّات والكمائن فيما يُصر المُراقبون على أنها علاقات لا يبدو أنها مستقرة باتجاه صيغة ما ومن أي صنف بالرغم من استمرار عملية تبادل المجاملات.
لاحظ الجميع أن وسائط الإعلام الرسمية الأردنية لم تُسلّط كثيرا الضوء على قصة التصريح العسكري الذي يتحدّث عن قيام المنطقة الجنوبية العسكرية في الأردن بمنع اشخاص أجانب من التسلّل إلى دولةٍ مُجاورة.
بثّت “الجزيرة” القطرية الخبر أو النبأ بتوسّع وعدّة مرّات وقالت إن الحماية الأردنية “اعتقلت المتسللين” أيضا.
لكن لم يصدر تعليق رسمي عليه أو عنه وعندما يتعلّق الامر بالمنطقة الجنوبية حصرا فالإيحاء يشير بوضوح إلى إحدى أكثر الحدود الأردنية اتّساعا ومساحة وهي الحدود مع الجار السعودي.
ليس سرًّا في قياسات دبلوماسيين غربيين بأن مثل هذا النبأ قد يكون رسالة تذكير للسعوديين بأن الأردن كان ولا يزال وعلى الأرجح سيبقى يقدم مُساهمة أمنية فعّالة في حماية حدود السعودية.
والمعروف أن السعودية مُستفيد مباشر من الحملة الأمنية الأردنية التي ترفع شعار تحدّي تجّار الموت والمخدرات لأن السوق السعودية فيما يبدو هي الهدف النهائي والمستقر لجملة نشاطات إجرامية في مجال المخدرات التي تعبر من الحدود السورية مع الأردن باتجاه السوق السعودية المُغرية.
بكُل حال صدور أو عدم صدور مثل هذا الإيضاح الرسمي في الواقع دليل على تحرّك وحراك في أزمة صامتة بين السعودية والأردن قوامها المألوف والمعروف حتى الآن هو الحد الأدنى من الاتصالات، والكثير من إظهار المجاملات والحرص على كتمان الخلافات.
والحرص أيضا في المقابل على أن لا تظهر لوسائل الإعلام أي نقاط خلافية جدلية بين البلدين.
لكن لا أحد يشعر لا بالتضامن السعودي الاقتصادي والمالي والاستثماري مع الأردن ولا أحد يشعر بأن عمان لا تزال جالسة في محطة انتظار مثل هذا التضامن فكل الحسابات حول الاستثمار في الاردن وملف التطوير الاقتصادي بما في ذلك ملفات مشاريع السلام الإبراهيمي في المنطقه تتم بمعزل عن أيّ تفاهمات جيوسياسية بين الأردن والسعودية.
والعالمون ببواطن الأمور من الأردنيين يشيرون بكل المجالسات الى ان السعودية لم تقدم وخلال السنوات الخمس الماضية ولا دولارا واحدا في مساعدة الاردن.
وبالتالي يستوجب تطوّر ما أو تدحرج لأزمة صامتة بين الجانبين التذكير بمسالة الحدود والايحاء بأن الأردن يقوم منذ عقود بواجبه الأساسي في تأمين الحماية ايضا للحدود السعودية وهي حماية يقول السعوديين انهم لا يحتاجونها لكن الأردن يقوم بواجباته في هذا السياق بكل الأحوال.
ويتصوّر سياسيون اردنيون أن القوات العسكرية والامنية الاردنية توفر حماية كبيرة على الحدود العريضة مع السعودية للمملكة الشقيقة سواء من تجارة الممنوعات او تهريب المخدرات او حتى من عبور الارهابيين وما الاشارة عبر القناة القطرية الى ان مجموعة اشخاص اجانب حاولوا التسلل ومنعتهم المنطقة الجنوبية العسكرية الاردنية الا تذكير كبير بهذا العنوان.
ويلاحظ الجميع أن العلاقات الاردنية السعودية ليست متردية علي الاقل لكنها تفتقد لعنصر الجاذبية ولا توجد لا اجتماعات ولا اتصالات توحي بانها متطوره او حتى بالحد الادنى توحي بانها التنسيق بين البلدين الجارين كما كان في الماضي.
وذلك بالرغم من كثرة الحديث السعودي عن إستثمارات في الاردن لم تأت بعد بما فيها مليارات وعد بها صندوق الاستثمار السعودي السيادي الاردني المشترك لكنها لم تحول ماليا حتى اللحظة لا بل العديد من المشاريع التي اتفق عليها سابقا على المستوى الوزاري والتنفيذي و البيروقراطي لا تتقدم اطلاقا.
ولا يلتزم الجانب السعودي باي خطوة تم الاتفاق عليها وفقا لمصادر رسمية اردنية مطلعة على التفاصيل.
وذلك كله طبعا بالرغم من الزيارة المهمة التي قام بها قبل اشهر ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الى عمان و اطلاقه جملة من المجاملات لكن في نهاية المطاف على المستوى الاقتصادي والمالي والاستثماري لا يوجد من اي نوع متطور وعلى المستوى الامني التنسيق في اضعف احواله.
وعلى مستوى الاتصالات الرفيعة درجة بالتنسيق تقترب من الصفر و تلك حقائق فيما يبدو ان نشاطات السفير السعودي في الاردن بندر بن نايف السديري لا يبدو انها مريحة بالنسبة للأردنيين خصوصا انه يقيم افطارات او يجتمع بشخصيات تمثل مناطق متوترة مثلا إتصالاته ولقاءاته مع عضو البرلمان المناكف محمد عناد الفايز و ايضا مثل استقباله رئيس بلدية معان خلال حملة الاضراب والتوتر الامني في تلك المدينة.
بكُل حال يميل بعض الخبراء الأجانب إلى الإشارة إلى أن السعودية لا تزال لم تتجاوز عقدة الاتهامات الباطنية من جانب الاردن في ملف الفتنة الشهير بالرغم من كل محاولات تجاوز ذلك الملف.
لكن عدم وصول ولو دولار واحد من المساعدات السعودية ولعدة سنوات المتواصلة مؤشر كبير على أن خلافات كبيرة وعلى أن التذكير بواجب الأمن الأردني في حماية حدود السعودية يعكس رسالة من طراز خاص رفيع المستوى وراشدة وعقلانية فيها قدر من الرغبة في التحدث والتحاور والإشارة إلى أن الأزمة الصامتة وعدم وجود اتصالات تنسيقية ينبغي أن لا يعنيان بالتوازي تفاعل تلك الأزمة والضّرب تحت الحزام.