السعودية والصين.. هل يتأسس التقارب الجديد على أعمدة التوتر مع الغرب؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 912
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لا تشير التفاصيل الأخيرة التي أعلنتها السعودية حول الزيارة المرتقبة للرئيس الصيني "شي جين بينج" إلى المملكة لكون الأمر يتعلق بتنشيط نمطي للعلاقات بين الرياض وبكين، ولكن إلى تأسيس أنماط جديدة من تلك العلاقة تفضي إلى تموضع صيني جديد في المنطقة بالكامل، وليس مع السعودية فقط.

فالمملكة، وفقا لتصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان"، ستستضيف 3 قمم خلال تواجد "شي جين بينج"، الأولى سعودية صينية، والثانية خليجية صينية، والثالثة عربية صينية.

وقال الوزير السعودي، خلال تصريحاته، الخميس الماضي، خلال الاجتماع الرابع للجنة الشؤون السياسية والخارجية المنبثقة عن اللجنة الصينية السعودية المشتركة رفيعة المستوى، والتي حضرها وزير الخارجية الصيني "وانج يي" عبر الاتصال المرئي، إن "المملكة تنظر إلى زيارة الرئيس الصيني باهتمام كبير، وتعمل على إنهاء كافة الترتيبات لها من أجل نجاحها وتحقيق التطلعات المرجوة منها".

 

زيارة مختلفة

وهذه هي الزيارة الأولى للرئيس الصيني إلى السعودية منذ عام 2016، كما أنها الأولى بعد تجديد الثقة فيه من قبل الحزب الشيوعي الصيني ليكون أمينا عاما للجنة المركزية للحزب، ما يعني ضمنيا تجديد الثقة فيه لمرحلة مقبلة على رأس التنين الآسيوي.

من هنا تكتسب الزيارة وبرنامجها المتشعب الذي أعلنت هنه الرياض أهمية استثنائية، وتشير إلى مظاهر جديدة لتطور العلاقات السعودية الصينية، وما يزيد الزخم هو أن هذه التطورات تأتي وسط توتر متصاعد في العلاقات السعودية الأمريكية، ومع الغرب بشكل عام، إثر تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والتي يرى الغرب أن الموقف السعودي ليس حاسما خلالها في الاصطفاف معه ضد روسيا.

بل إن واشنطن اتهمت الرياض بدعم روسيا في هذه الحرب، إثر قرار تحالف "أوبك+"، الذي تتزعمه المملكة وتشارك فيه موسكو بفعالية، بإقرار خفض ضخم في إنتاج النفط، ما أفرز ارتفاعا في أسعاره وأسعار الوقود في السوق الأمريكية، وأحرج الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أمام الشعب الأمريكي قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، ورأته واشنطن أيضا على أنه خرطوم تنفس للاقتصاد الروسي الذي يعاني من العقوبات، حيث ستنتعش إيرادات روسيا من ارتفاع أسعار النفط.

لكن ما سبق لا يعني أن تطور العلاقة السعودية الصينية مرتبط بشكل أساسي بتوتر العلاقات السعودية الأمريكية، فالحراك بين الرياض وبكين لم يتوقف خلال السنوات الماضية من الأساس.

فبعد زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينج" السابقة إلى السعودية في 2016، رد العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز" الزيارة عام 2017، بصحبة وفد من ألف شخص.

وفي 2019 أجرى ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" محادثات مع "شي" في بكين، أبرما خلالها اتفاقا نفطيا بقيمة 10 مليارات دولار.

 

هل زيارة "شي" مرتبطة بالتوترات السعودية الأمريكية؟

أيضا، يؤكد مراقبون أن الزيارة المرتقبة الجديدة للرئيس الصيني إلى المملكة ليست مرتبطة بالتوترات بين السعودية وأمريكا، فهي زيارة كانت محددة منذ فترة طويلة، لكن هذا التوتر سيلعب دورا بالطبع في جدول الزيارة ومخرجاتها.

لكن، وفيما يمكن اعتباره دليلا على تأثر زيارة "شي" المرتقبة للمملكة بالتوترات بين الرياض وبكين، قال المستشار السابق بوزارة الخارجية السعودية "سالم اليامي"، في تصريحات نقلتها قناة "الجزيرة" القطرية، الجمعة 28 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إن التطور في العلاقات الصينية السعودية يعكس القراءة الجيدة للحكومة السعودية للتطورات الدولية، ويثبت قدرة المملكة على التكيف مع المتغيرات.

واعتبر أن الرياض ترى أنه بإمكانها العمل مع الجميع وهذا يعطيها مكانة أكبر، مشيرا إلى أن اعتماد بكين على مبدأ الاحترام في العلاقات مع الدول يجعل من التعامل معها أمرا مريحا، بعيدا عن الإملاءات التي قد تفرضها بعض الأطراف الأخرى.

 لكنه أكد أن العلاقات مع الصين لا يفترض أن تقرأ بأنها ضد أطراف محددة أو حلفاء آخرين، وأن الرياض ترى أن العلاقات في الوقت الحالي يجب أن تقدم الأمور الاقتصادية قبل السياسية، والعالم اليوم يتجه لخلق شراكات جديدة، على حد قوله.

ويشير إعلان الصين، قبل ساعات، عن دعمها لضم السعودية إلى تكتل دول "بريكس"، وهو القرار الذي جاء بعد موقف روسي مماثل، إلى أن المملكة تسعى للمشاركة في أجسام دولية مناوئة لفكرة الهيمنة الأمريكية والغربية، وهو ما يمكن اعتباره تحولا استراتيجيا في موقف الرياض.

 

ماذا يريد البلدان من بعضهما؟

للإجابة عن هذا السؤال، يمكن أن نعود إلى تصريحات وزير الخارجية السعودي الأخيرة خلال الاجتماع الرابع للجنة الشؤون السياسية والخارجية المنبثقة عن اللجنة الصينية السعودية المشتركة.

فقد اعتبر الوزير السعودي أن العلاقات بين الرياض وبكين قائمة على أساس من "المبادئ المشتركة والاحترام المتبادل" ما ساهم في ترسيخ السلام والاستقرار الدوليين ودفع عجلة التنمية في البلدين.

وأضاف "بن فرحان" أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة التقارب في وجهات النظر بين السعودية والصين في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، كما أن التجارة المتبادلة بين البلدين تسير بنسق تصاعدي، كما يقول.

واحتلت المملكة المركز الأول كوجهة للاستثمارات الصينية الخارجية في النصف الأول من عام 2022، وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول للمملكة.

وأكد الأمير "فيصل بن فرحان" أن المملكة "تعطي أولوية للعلاقات الثنائية مع الصين وتسعى دائما لتنسيق المواقف حيال القضايا التي تهم البلدين". وقال: "نؤكد على موقفنا الثابت من دعم موقف الصين الواحدة ونرفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول وتسييس موضوعات حقوق الإنسان".

وأضاف: "المملكة ترحب دائما بموقف الحكومة الصينية الداعم للقضايا التي تهمها، خاصة فيما يتعلق بالأزمة اليمينية والقضية الفلسطينية وحرصها على استتباب الأمن في الدول العربية وجهودها في محاربة الإرهاب واهتمامها في الحفاظ على أمن وسلامة الملاحة البحرية وحماية التجارة الدولية وسعيها لخلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل".

هكذا صاغ الوزير السعودي بإيجاز غير مخل ما تطلبه كل دولة من  الأخرى في المجالين الاقتصادي والسياسي.

 

ما هي أبرز ملامح التطور؟

يرى تقرير نشره موقع "أوراسيا ريفيو" أن تموضع الصين في الشرق الأوسط تطور إلى درجة كبيرة واستفاد من التطورات الجيوسياسية ليملأ فراغات تركتها الولايات المتحدة، وبعد أن كان التعاون مقصورا في مجال الطاقة، باعتبار الخليج مكانا مصدرا للنفط، بدأ التعاون الصيني الخليجي ينشط في مجالات الرقمنة والبنية التحتية الرقمية.

وكانت شراكات الطاقة بمثابة العمود الفقري للعلاقات الصينية الخليجية، وعلى مر السنين نمت بشكل معقد وباتت مفيدة للطرفين، حيث كثفت الشركات الصينية من استثماراتها في قطاعات الصناعات الاستخراجية والطاقة المتجددة في الخليج، بينما نشطت شركات خليجية بدورها في استثمارات للطاقة بالصين، مثل الشراكات التي صنعتها "أرامكو" السعودية وشركة النفط الكويتية في مصاف نفطية بالصين.

وبعد أن أصبحت الصين وجهة أولى لصادرات النفط والغاز الخليجية، جاء الدور على توسعات جديدة، وفي مجالات جديدة أيضا.

"الغزوات الرقمية"، كان هو المصطلح الذي استخدمته "أوراسيا ريفيو" لوصف التموضع الصيني الجديد في السعودية ومنطقة الخليج بشكل عام.

وفي الآونة الأخيرة، أطلقت دول خليجية استثمارات مكثفة في مجال التحول الرقمي ضمن استراتيجياتها حتى عام 2030، وبالتزامن بدأت الصين استثمارات ضخمة في مجالات المنتجات والخدمات الرقمية، انتشار الإنترنت والنطاق العريض للأجهزة المحمولة، والأنظمة المصرفية الرقمية، والتجارة الإلكترونية والترفيه عبر الإنترنت.

 

الانتهازية الصينية

أما وكالة "بلومبرج" الأمريكية فقد ركزت على فرضية أن تطور العلاقات بين بكين والرياض خلال الفترة المقبلة سيقوم على أساس "الانتهازية الصينية"، حيث استفادت بكين من التصور السائد بدول الخليج عن تراجع دور الولايات المتحدة، واستغلت بكين هذه المنافسات الإقليمية ببراعة لطرح نموذجها للتنمية والتعاون.

وقد تبنت بكين نموذجًا يركز على التنمية غير السياسية بمبدأ "الربح للجميع"، تم تقديمه كبديل للنهج الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يقوم على التدخل السياسي، ومن جانبهم وجد شركاء الصين في الخليج نموذج بكين للتحديث السريع الذي تقوده الدولة جذابا.

 

المصدر | الخليج الجديد