لا تبدو تصريحات العربيّة السعوديّة “المُعتدلة” تُجاه واشنطن، مُشابهةً لأفعالها وقراراتها الأخيرة حادّة الوقع، على الأقل بالنظر إلى حالة الغضب والتحريض الأمريكي على المملكة إعلاميّاً وسياسيّاً، وتحديدًا بعد قرارها خفض إنتاج النفط بمليوني برميل بالاتفاق مع روسيا، وضمن مجموعة “أوبك+”، ثم الكشف عن رغبتها الانضمام لتكتّل “البريكس” والذي يضم أهم خصوم أمريكا، الصين وروسيا والذي يعني احتمال تقويض الدولار الأمريكي، فالمملكة لا تزال تُصرّح بأن هذه الخطوات تأتي من منظور خدمة مصالحها، وليس للإضرار بمصالح الولايات المتحدة الأمريكيّة.
وفيما التساؤلات لا تزال حاضرة حول شكل “الانتقام” الأمريكي الذي ستُقدم عليه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المُؤجّلة ما بعد انتخابات الكونغرس النصفيّة، حيث صفعة السعوديّة جاءت ما قبل تلك الانتخابات، وقد تؤدّي إلى خسارة الديمقراطيين لصالح الجمهوريين، تأتي تصريحات لافتة لمسؤولين سعوديين وتبدو تهديديّة، نقلتها صحيفة “وول ستريت جورنال”، بأن بلادهم يُمكن أن تبيع السندات الأمريكيّة التي تحتفظ بها، وذلك في حالة إقرار الكونغرس تشريعاً مُناهضاً لأوبك، وهي ورقة قويّة يرفعها السعوديّون بوجه “الانتقام الأمريكي”، ومن ذات بوّابة مُعاقبة السعوديّة على خفضها الإنتاج النفطي، بإقرار تشريع مُناهض لأوبك.
السعوديّة حينما ترفع ورقتها وتُهدّد ببيع سندات الخزانة الأمريكيّة، فهي تُدرك حجم الأثر الذي سيتركه هذا التهديد، فهي تملك “حيازاتها” من سندات الخزانة الأمريكيّة التي ارتفعت إلى 119.2 مليار دولار، وتحتل المملكة المركز السادس عشر لأكبر حاملي سندات الخزانة الأمريكيّة.
موقع “إنفستوبيديا” يشرح معنى بيع مالك السندات، وفي حال بيعه كميّات كبيرة منها، فهذا يرفع الفائدة المُستحقّة على تلك السّندات، ما يعني خسائر للحكومة الأمريكيّة، وهي الخاسرة أساساً من قرار خفض إنتاج النفط السعودي، مع ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة.
تهديد الرياض ببيع سندات الخزانة الأمريكيّة، كان قد ترك أثره الواضح على الولايات المتحدة، حينما هدّدت الرياض إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أنها ستبيع أُصولاً أمريكيّة بمئات المليارات من الدولارات تحتفظ بها المملكة، وهذا في حال اعتبار الحكومة السعوديّة مسؤولةً أمام المحاكم الأمريكيّة عن هجمات 11 سبتمبر 2001، وهو ما دفع بإدارة أوباما للضّغط على الكونغرس لمنع تمرير القانون.
والتشريع الذي يُلوّح به المُشرّعون الأمريكيّون ضدّ مجموعة أوبك+، هو التشريع المعروف باسم قانون “منع التكتّلات الاحتكاريّة لإنتاج وتصدير النفط”، واسمه اختصارًا “نوبك”، وفي حال لم تكترث إدارة الرئيس بايدن بتهديد السعوديّة بيع سنداتها في الخزينة الأمريكيّة ووقّعه بايدن رسميّاً، فإن “نوبك” سيُغيّر قانون مُكافحة الاحتكار الأمريكي لإلغاء الحصانة السياديّة، والتي تحمي أعضاء “أوبك+” وشركات النفط الوطنيّة في تلك الدول من الدعاوى القضائيّة، وبذلك يستطيع المدّعي العام الأمريكي تفعيل خِيار مُقاضاة الدول الأعضاء في “أوبك+” مثل السعوديّة، وروسيا، وهو ما يُفسّر تلويح السعوديين بخِيار بيع السّندات، ومخاوف مُقاضاتهم أمريكيّاً من خلال قانون “نوبك” المُضاد لأوبك.
وإلى جانب قرارات السعوديّة الجريئة، وتلويحها بالمزيد، مع تشديدها اللّافت لرفض الإملاءات، ومساعي تحوير أهدافها لحماية الاقتصاد العالمي من تقلّبات أسعار النفط، يتصدّر إلى الواجهة ما يُؤكّد لعلّه تضرّر العلاقات السعوديّة- الأمريكيّة لدرجة الخلاف الشخصي ورغبة الرياض الفعليّة الإضرار بمصالح أمريكا، ما كشفته صحيفة “وول ستريت جورنال” نقلاً عن مصادر بالحكومة السعوديّة، بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يسخر من هفوات الرئيس جو بايدن ويُشكّك في قواه العقليّة في جلساته الخاصّة، وأخبر بن سلمان مُستشارين أن بايدن لم يُثر إعجابه مُنذ أن كان نائبًا للرئيس الأمريكي، ويفضل أكثر الرئيس السابق دونالد ترامب”.
وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بدا أنه وبلاده لا يُريدان توسيع حدّة الخلاف بين الرياض، وواشنطن، إلى درجة إقفال الأبواب تماماً، وسارع بن فرحان إلى نفي سُخرية بن سلمان.
ونفى وزير الخارجيّة السعودي أن يكون الأمير محمد بن سلمان قد سخر من بايدن بشَكلٍ خاص أو أخبر مُساعديه أن بايدن لم يُثر إعجابه ويُفضّل ترامب، بحسب ذات الصحيفة “وول ستريت جورنال” التي كشفت عن سُخرية بن سلمان من بايدن.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن الأمير فيصل بن فرحان قوله إن “هذه المزاعم التي قدّمتها مصادر مجهولة كاذبة تماماً”، وأضاف: “لطالما كان لدى قادة المملكة أقصى درجات الاحترام لرؤساء الولايات المتحدة، بناءً على إيمان المملكة بأهميّة وجود علاقة قائمة على الاحترام المُتبادل”.
وتبدو لافتة عبارة الأمير بن فرحان التي قال فيها بأنه “طالما كان لدى قادة المملكة أقصى درجات الاحترام لرؤساء الولايات المتحدة، بناءً على إيمان المملكة بأهميّة وجود علاقة قائمة على الاحترام المُتبادل”، حيث توقّف المراقبون عندها، وحول تفسيرها، وسبب حِرص المملكة على نفي السّخرية من الرئيس الأمريكي والتأكيد على احترام قيادتها للرؤساء الأمريكيين.
الرأي الأوّل وجد أن ذلك من بوّابة الابتعاد عن التصعيد الكلامي، والالتزام بالدبلوماسيّة وآدابها، والإحكام بإمساك أوراق القوّة من خلال القرارات الفاعلة التي تضغط على الإدارة الأمريكيّة بدل العويل والسّباب، في حين يجد البعض الآخر، بأن الرياض لا تُريد استفزاز الرئيس بايدن شخصيّاً، بالتأكيد على احترامه، وتتحوّل قراراته أو “العواقب” التي يتوعّد بها السعوديّة إلى انتقام شخصي من القيادة السعوديّة، وهي التي بدأت رويدًا رويدًا الانتقال من تحالف أمريكي إلى تحالف صيني روسي صاعد يحتاج إلى الصّبر والوقت، كما لا يُغفل الرأي الثالث بأن سُخرية بن سلمان من بايدن، ما هي إلا بالفعل مزاعم كاذبة تماماً كما وصفها الوزير بن فرحان، وليس عليها دليل حسّي أساساً، ويكسب هذا الرأي الأخير الصّوابيّة بالأكثر فالبيت الأبيض وصف عبر مُتَحدّثته كارين جان بيير تصريحات السّخرية تلك بأنها “تصريحات سخيفة”.