لماذا تتقدم السعودية وليست قطر في جهود الوساطة المتعلقة بحرب أوكرانيا؟
منذ انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، جرى التركيز علي طريقة تفاعل الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مع تطورات الصراع.
ومؤخرا، فرضت روسيا استفتاءات تم انتقادها على نطاق واسع لضم لوهانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، وهددت باستخدام الأسلحة النووية للدفاع عن أراضيها الجديدة. ووسط هذه التوترات المتزايدة، برزت السعودية كوسيط مفاجئ بين الأطراف المتحاربة.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أوردت التقارير أن الرياض توسطت في صفقة تبادل للأسرى بين أوكرانيا وروسيا، ما أدى إلى إطلاق سراح 10 سجناء، من بينهم 5 مواطنين بريطانيين، فضلا عن سويدي ومغربي وكرواتي وأمريكيين اثنين.
ويقال إن هذه المبادرة جاءت مباشرة من ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" الذي جرى تعيينه رئيسا للوزراء مؤخرا. وعلق وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان آل سعود" قائلاً: "علمت السعودية بقضية هؤلاء المحتجزين الأجانب، وانخرطت مع المملكة المتحدة وغيرها من الدول، وبالطبع مع روسيا وأوكرانيا، في جهود بهدف إطلاق سراحهم".
إذن، ما هي الإشارات التي يمكن التقاطها من جهود الوساطة هذه، وكيف تنسجم مع السياق الأوسع لأهداف السياسة الخارجية للسعودية؟
الدبلوماسية السعودية
بالرغم من نجاح صفقة تبادل الأسرى بوساطة السعودية، تساءل النقاد عما إذا كانت هذه الخطوة تأتي ضمن جهود تحسين الصورة الدولية للبلاد بعد مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" في عام 2018. ووصف الأمير "فيصل بن فرحان آل سعود" هذا التكهن بأنه "مثير للسخرية"، واعتبر أن قرار الرياض بالتوسط دافعه إنساني.
وبالرغم أنه لا ينبغي التقليل من مسألة قتل "خاشقجي"، إلا أن جهود الوساطة كانت سمة أساسية دائمة في السياسة الخارجية للمملكة، فلطالما توسطت السعودية في النزاعات الأكثر تعقيدا في الشرق الأوسط، بما في ذلك تلك الموجودة في العراق ولبنان وأفغانستان وفي فلسطين بين "حماس" و"فتح". وعلى غرار جهودها السابقة، كانت المحادثات الأخيرة التي أدت إلى تبادل الأسرى سرية أيضًا.
وفي مايو/أيار الماضي، قال الأمير "تركي الفيصل"، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية والسفير السابق لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إن المملكة عرضت التوسط بين روسيا وأوكرانيا". وأكد الأمير أن المملكة "ساهمت في الصندوق الذي أنشأته الأمم المتحدة لتقديم الدعم للاجئين الأوكرانيين في أوروبا" و "كانت لها علاقات جيدة مع كلا البلدين" ولا يزال بإمكانها لعب دور إيجابي كوسيط بين الجانبين.
لكن ينبغي الإشارة إلى أن هناك تركيزا على دور "بن سلمان" في هذه الوساطة. وفي حين أن محاولات السعودية السابقة للتوسط كانت تبدو ذات طابع مؤسسي أكثر، لكنه يجري ربط جهود المملكة الأخيرة بشخص الحاكم الفعلي للبلاد لتقديمه كصانع للسلام.
الدول الخليجية على الهامش
ربما يكون من المستغرب أن تقدم السعودية - وليس دول الخليج الأخرى - نفسها للوساطة بين الطرفين المتحاربين. فمنذ ما يقرب من عقدين من الزمن، ركزت قطر على الوساطة كرافعة رئيسية لنفوذها الدولي. ومع ذلك، ظلت الدوحة حتى الآن على هامش الصراع الروسي الأوكراني، بالرغم من نجاحها في العديد من المبادرات في الماضي.
فقد توسطت قطر بين الحوثيين والحكومة اليمنية في أعوام 2008 و2010 و2011، وفي الصراع السياسي في لبنان بين "حزب الله" والفصائل اللبنانية السياسية الأخرى في عام 2008، وبين "حزب الله" و"جبهة النصرة" في عام 2014.
كما توسطت بين الإسلاميين والحكومة السودانية في دارفور، وبين "حماس" و"فتح"، وبين إريتريا وجيبوتي في عام 2010. وشاركت قطر بعمق في عملية السلام الأفغانية، وتم التفاوض على اتفاق انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في الدوحة في فبراير/شباط 2020.
وبالرغم من حياد قطر المعلن في حرب أوكرانيا، فمن المحتمل أن ما تتطلع إليه الدوحة هو تعميق العلاقات مع الغرب. وفي الواقع، فإن مكسب الدوحة المفاجئ كمورد طاقة بديل لأوروبا جعلها في وضع متحيز إلى حد ما، ناهيك عن قبول واشنطن لقطر كحليف رئيسي من خارج الناتو في فبراير/شباط 2022.
في حين تسعى الإمارات إلى السير على خط رفيع بين الغرب وروسيا، بالرغم أن الأحداث تشير إلى ميل إماراتي إلى الجانب الروسي. وتم تبرير الزيارة الأخيرة لـ"محمد بن زايد" إلى روسيا باعتبارها تأتي ضمن جهود للوساطة، وإذا كان الأمر كذلك، فينبغي رؤية نتائج في المستقبل، كما رأينا نتائج من الوساطة السعودية.
أمير حرب أم صانع سلام؟
وصفت "إليونورا أرديماجني" الباحثة المشاركة في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية "محمد بن سلمان" بأنه "أمير حرب" يحاول تغيير هذه الصورة إلى "صانع تحالف" إقليمي. ويتيح الموقف الحذر للغاية والمستقل في الوقت نفسه للسعودية تطوير هذه السياسة على المستوى الدولي من خلال جهود الوساطة في الحرب في أوروبا.
ورأى محللون أن زيارة "بن سلمان" في عام2021 إلى دول الخليج الخمس الأصغر تهدف إلى إعادة التأكيد على شرعيته في المنطقة ومعالجة التحديات المستمرة التي يواجهها في إعادة بناء مكانته العالمية.
أما بالنسبة للداخل السعودي، فقد عزز "بن سلمان" مكانته، فقد تم تعيينه رئيسا للوزراء ليحل محل والده كرئيس رسمي للحكومة، ما يمنحه حصانة دبلوماسية فيما يتعلق بقضية "خاشقجي".
ولطالما كان أحد الأهداف الرئيسية لـ"بن سلمان" هو تحسين صورته وصورة بلاده، ويبدو أن جهود الوساطة المتعلقة بحرب أوكرانيا تخدم هذا الهدف. علاوة على ذلك، فإن اعتماد موقف استباقي تجاه هذه الحرب المدمرة والطاحنة قد يتبين أنه طريقة أخرى لتحقيق الأهداف الشخصية والوطنية لـ"بن سلمان".
ومن المتوقع أن تنخرط السعودية في صفقات تبادل أسرى إضافية وكذلك في جهود تسهيل التفاوض بشأن القضايا الحيوية الأخرى، بما في ذلك تجنب الصراع النووي وضمان الوصول الإنساني إلى المناطق المنكوبة.
في هذه المرحلة، يبدو من الصعب جلب الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الأعمال العدائية، لكن يمكن تكرار الجهود السابقة للتهدئة بدوافع إنسانية. وبالرغم أن هذه المبادرات يجب أن تكون هدفا في حد ذاتها، فإن دورها في تحسين صورة "بن سلمان" الدولية تعد بمثابة حافز إضافي للعمل.
المصدر | ديانا جاليفا | منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد