فير أوبزرفر: خفض إنتاج النفط أجج عدم الثقة بين الخليج والغرب وتداعياته ستكون زلزالية
قالت مجلة "فير أوبزرفر" الأمريكية، في تحليل لها، إن قرار تحالف "أوبك+" بخفض إنتاج النفط، الذي وُصف بأنه "صفعة" للغرب والولايات المتحدة، جاء تتويجا لتراكمات من "عدم اليقين" بين دول الخليج والغرب؛ بسبب سياسات للطرف الأخير اعُتبرت "مقلقة" لهذه الدول، التي تزعمت قرار خفض الإنتاج، الذي أعطى حقنة مقوية لروسيا خلال حربها الحالية بأوكرانيا.
وبداية من عدم الدعم الأمريكي للحلفاء القدامى بالشرق الأوسط خلال فترة الربيع العربي، مرورا بالانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وحتى عدم الرغبة الغربية في التعاون مع السعودية والإمارات ضد الحوثيين، نما القلق وترعرع بين الجانبين، بحسبالتحليل الذي ترجمه "الخليج الجديد".
ومع صعود جيل جديد من القيادات إلى سدة الحكم في دول الخليج، بات واضحا أن الحكام الجدد لا يتبنون نفس وجهات نظر أسلافهم في السياسات الدولية، التي كانت قائمة على تقديس الشراكة الاستراتيجية مع الغرب، واليوم بات لدى هؤلاء الحكام الجدد تصور سلبي متزايد عن الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص.
علاوة على ذلك، أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وضعف الوحدة الأوروبية، وتأثيرات إدارة "دونالد ترامب"، وصعود الصين، وفيروس COVID-19 إلى زيادة الضغط على نظام ما بعد الحرب المهيمن بقيادة الولايات المتحدة.
واستشهدت المجلة بتصريحات "أنور قرقاش"، المستشار السياسي للرئيس الإماراتي، التي أطلقها قبل أشهر، وقال فيها إن "دول مجلس التعاون الخليجي باتت ترى أن مستقبلها يشير إلى الشرق".
وجاء ذلك التصريح من "قرقاش" عندما طلبت واشنطن من أبوظبي وقف بناء قاعدة عسكرية صينية في الإمارة؛ ما جعل الإمارات تشعر بالقلق من تصاعد أجواء الحرب الباردة في المنطقة، وما تفرضه من فكرة "الاختيار" بين الشرق والغرب.
ومنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، سعى الغرب للحصول على دعم شركائه لعزل الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين".
وكان الغرب يعتبر أن انخفاض أسعار الطاقة أمرًا بالغ الأهمية لنجاحه في مساعي خنق "بوتين"؛ لذلك ضغطت واشنطن على دول مجلس التعاون الخليجي لزيادة إنتاج النفط. وهذا ما يفسر لماذا أثار قرار "أوبك+" الأخير، الذي تزعمته السعودية، انزعاجا وغضبا في الغرب والولايات المتحدة.
ويضر قرار خفض الإنتاج "بايدن" محليا؛ بسبب ارتفاع أسعار الوقود، ويساعد "بوتين" في متابعة حربه ضد أوكرانيا.
وكمنتج للنفط، تلقت الإيرادات الروسية للتو حقنة مقوية في الذراع بعد ارتفاع أسعار الطاقة.
وبات من الواضح الآن أن كلا من "بايدن" ورئيس الوزراء البريطاني السابق "بوريس جونسون"، فشلا في جهودهما لإقناع دول مجلس التعاون الخليجي بزيادة إنتاج النفط.
وتشير "فير أوبزرفر" إلى أنه على الرغم من أن خفض إنتاج النفط كان مبادرة بقيادة السعودية، لم تبد أي قوة أخرى في مجلس التعاون الخليجي أي اعتراض، وهذا يشير إلى أن دول المجلس لديها نية سياسية جماعية لرفع أسعار النفط.
أيضا، تلفت المجلة الأمريكية إلى أن دول الخليج في النهاية لا تنظر إلى أوكرانيا أو روسيا كتهديد، لكنها تنظر إلى إيران على أنها هي التهديد الأبرز؛ وبالتالي نظرت تلك الدول إلى قرار البيت الأبيض بعدم التحرك ضد الحوثيين والسعي لإنهاء دعمه للسعودية كمؤشر سلبي.
من هنا، ترى المجلة أن قرار خفض إنتاج النفط ليس نتيجة فظاظة من دول الخليج، بل هو نتيجة عقد من عدم الثقة بينها وبين الغرب.
وتقول إن سياسات الإمارات الخارجية باتت أكثر حزما في عهد "محمد بن زايد"؛ حيث انخرطت أبوظبي في صراعات في ليبيا والسودان ومالي واليمن، وبدأت في نسج علاقات قوية مع روسيا.
ومن جانبه يرى "بوتين" أن الإمارات يمكن أن تكون شريكا مفيدا في هدفه الطويل الأمد لبناء ممر اقتصادي ومواصلات للأسواق في آسيا.
وكانت الزيارة التي أجراها "بن زايد" إلى موسكو، قبل أيام، دليلا إضافيا على انحياز الإمارات لروسيا، بحسب التحليل؛ حيث قال إنه لو كانت أبوظبي محقة في زعمها بأن الزيارة جاءت لدعم محادثات السلام في أوكرانيا، لأرسلت وزير خارجيتها وليس الرئيس الإماراتي نفسه، أو كان يمكن لـ"محمد بن زايد" على الأقل محادثة "بوتين" هاتفيا وليس لقائه وجها لوجه، وهو اللقاء الذي أظهر متانة العلاقات الإماراتية الروسية.
ولفت التحليل إلى أن روسيا تقدم دعما عسكريا متناميا للإمارات، ولديهما تحركات مشتركة في أفريقيا، كما برزت الإمارات كمنفذ رئيسي للتجارة الروسية في النفط والمواد الكيميائية مع آسيا.
وخلص إلى أن تدهور الثقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والغرب أصبح مفتوحًا الآن، وسيؤدي إلى مزيد من التوترات؛ حيث لم يسافر "محمد بن زايد" و "محمد بن سلمان" إلى واشنطن في السنوات الأخيرة، وقد أدى تورط الأول في مسألة التدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية خلال عهد "ترامب" والثاني في مقتل الصحفي "جمال خاشقجي" إلى تأجيج التوترات.
واختتمت "فير أوبزرفر" تحليلها بالقول: "من خلال التوافق الوثيق مع روسيا ورفع أسعار النفط، أحدث حكام الخليج تغييرًا جذريًا في سياسة دول مجلس التعاون الخليجي سيكون له حتما عواقب زلزالية".
المصدر | ماثيو هيدجز / فير أوبزرفر - ترجمة وتحرير الخليج الجديد