هل ستسحب أمريكا قوّاتها من السعوديّة والإمارات وتوقّف صفقات الأسلحة عنهما بسبب اتّفاق “أوبك بلس”؟ ولماذا جاء بيان مجلس الوزراء السعودي تحدّيًا قويًّا للرئيس بايدن؟
تقف العلاقات السعوديّة الأمريكيّة هذه الأيّام على حافّة الانهيار، وقد تنقلب من حالةِ التّحالف الاستراتيجي التي امتدّت لما يقرب من ثمانين عامًا إلى حالة العداء، وربّما إلى المُواجهة في ميادين عديدة، والسّبب المُباشر حالة الغضب الأمريكي من القرار الصّادر قبل أيّام عن منظّمة “أوبك بلس” بتخفيض إنتاج النفط مليونيّ برميل يوميًّا تحدّيًا للإدارة الأمريكيّة التي طالبت وتُطالب بخفض الإنتاج لكبْح جماح التضخّم، وتخفيض الأسعار للتأثير سلبًا على تمويل الرئيس فلاديمير بوتين للحرب في أوكرانيا، وإنقاذ الاقتصاد الغربيّ من أزماته المُتفاقمة.
جون كيربي المتحدّث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي كشف في تصريحاتٍ لمحطّة “سي إن إن” الأمريكيّة أن الرئيس جو بايدن “يعكف حاليًّا على إعادة تقييم علاقات بلاده مع السعوديّة بعد قرار منظومة “أوبك بلس” بل وإعادة النّظر فيها”.
أمّا السيناتور مينينديز الرئيس الديمقراطي للجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ، والأقرب إلى عقل الرئيس بايدن وأفكاره، فقط طالب “بتجميد التعاون مع السعوديّة خاصَّةً فيما يتعلّق بصفقات الأسلحة، واتّهم المملكة بالمُساعدة على دعم الحرب الروسيّة في أوكرانيا، وقال “إن قرار “أوبك بلس” أصاب بايدن بخيبة أمل”.
مجموعة من النوّاب في الكونغرس يتقدّمهم توم مالينوفسكي ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك عندما طالبوا في بيانٍ مُشترك بسحب القوّات الأمريكيّة من السعوديّة والإمارات، فيما طالب النائب روبن جاليجو باستِعادة بلاده منظومات صواريخ “باتريوت” من السعوديّة وقال “إذا كانوا يُفضّلون الروس إلى هذا الحد فيُمكنهم استخدام تقنيتهم العسكريّة الموثوقة جدًّا”.
الإدارة الأمريكيّة الحاليّة تشعر أن المملكة العربيّة السعوديّة طعنتها في “الصّدر” بالوقوف وراء قرار منظومة “أوبك بلس” بتخفيض الإنتاج، والتّنسيق الكامل مع الرئيس بوتين في هذا التّوقيت الحَرِجْ، وبما يخدم الموقف الروسي في الحرب الأوكرانيّة، فقد دخل الخزينة الروسيّة أكثر من 120 مِليار دولار مُنذ بدايتها قبل ثماني أشهر بسبب ضرب عرض الحائط بمطالب بايدن في رفع الإنتاج بالقدر نفسه، أيّ مِليونيّ برميل يوميًّا، وتحرير قرارها من التبعيّة الأمريكيّة لأوّل مرّة مُنذ توقيع الملك الراحل عبد العزيز آل سعود على مذكّرة تحالف مع الرئيس الأمريكي روزفلت عام 1945 عمودها الفقري النفط مُقابل الحِماية.
مجلس الوزراء السعودي أصدر بيانًا لافتًا ومُتحَدّيًا في ختام اجتماعه الأسبوعي اليوم الثلاثاء نوّه فيه بالدّور المحوري الذي تقوم به منظومة “أوبك بلس” في تحقيق التّوازن والاستِقرار في أسواق النفط العالميّة، ممّا يعني ردًّا قويًّا على الحملة الأمريكيّة التي تُشَنّ حاليًّا ضدّ المملكة وتُهَدِّد بقطع العلاقات معها، والتّأكيد على أعلى مُستوى على عدم التّراجع والسّير قُدُمًا في الاتّجاه نفسه، باعتِباره الخِيار الاستراتيجي الصّحيح.
من الواضِح أن القيادة السعوديّة قرّرت إعطاء الأولويّة لمصالح بلادها، ورخاء شعبها ومُستقبله، والانضِمام إلى النظام العالمي الجديد الذي تتزعّمه روسيا والصين، وتخفيض تحالفها مع النظام العالمي القديم “المُحتَضِر” بزعامة أمريكا إلى الحُدود الدّنيا، فالغالبيّة العُظمى لصادراتها النفطيّة تذهب إلى الصين ودول شرق آسيا، كما أن السّلاحين الصيني والروسي باتَا أكثر تطوّرًا في الكثير من القطاعات العسكريّة، وبِما يُمكّنها من تعويض أيّ خسارة للأسلحة الأمريكيّة، وهذه الخُلاصة تنطبق أيضًا على دولة الإمارات العربيّة المتّحدة الشّريك الثّالث في منظومة “أوبك بلس”، خاصَّةً أنّ الإدارة الأمريكيّة الحاليّة رفضت بيعها طائرات الشّبح “إف 35” رُغم تعهّد الإدارة السّابقة بذلك، ولعلّ زيارة الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات الحاليّة إلى موسكو أبلغ رسالة احتِجاج وعُنوانٌ للتّغيير القادم.
دول الخليج، وخاصَّةً السعوديّة والإمارات والكويت وسلطنة عُمان، بدأت في تصحيح خطأ استراتيجي يتمثّل في علاقات قويّة ولكن باتّجاه واحد مع أمريكا، وبما يخدم مصالح الأخيرة، دون تقديم إلا القليل في المُقابل، وخاصَّةً في ميدان الحماية، وبسبب هذا الخطأ خسرت هذه الدّول ترليونات الدّولارات بالحِفاظ على أسعار نفط مُتدنّية خدمةً للاقتِصادين الأمريكيّ والأوروبيّ، وعندما انخفضت هذه الأسعار إلى حُدودها الدّنيا، وتكبّدت خزائن الدّول الخليجيّة ومُوازناتها عُجوزات ضخمة بعشَرات المِليارات سنويًّا لم تُعيرها أمريكا وأوروبا أيّ اهتمام.
تهديد أمريكا بوقف بيع الأسلحة للسعوديّة الكويت والإمارات، وسحب قوّاتها منها سيَصُبّ حتمًا في مصلحة هذه الدّول على المدَيين المتوسّط والبعيد، فهذه الأسلحة ثَبُتَ محدوديّة فاعليّتها خاصَّةً في حرب اليمن، علاوةً على كُلفتها العالية وغير المُبرّرة، ماليًّا وسياسيًّا، فمُعظمها منزوعة التّكنولوجيا المُتطوّرة، ولعلّ المثَل الذي يقول “بركة يا جامع” هو التّوصيف الأكثَر دِقّةً في هذا المِضمار.