هندسة تجارية - سياسية للحجّ | ابن سلمان للمسلمين: الكعبة للأكثر مالاً

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1025
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

لم توفّر «تغييرات» وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، فريضة الحجّ التي صارت ممنوعة على كثيرين؛ إمّا لأنهم ما عادوا قادرين على تحمُّل تكاليفها، وإمّا بسبب الاستغلال السياسي الذي تمارسه السعودية، فتُعاقب دولاً وجماعات وأفراداً بالحرمان من التأشيرات والتضييق على الحجّاج، وصولاً إلى الاعتقال والترحيل وحتى القتل، وتُعطي الأفضلية لِمَن يجارونها في سياساتها

لم يكن الحجّ أبداً مجرّد موسم لأداء شعيرة دينية مفروضة على مَن يستطيع إليها سبيلاً، بل ظلّ دائماً مناسبة تتأثّر بالسياسة، إلّا أنه لم يبلغ أبداً هذا المبلغ من التسييس، كما لم يحصل أن صار ابتزازاً سياسياً مكشوفاً يُستخدم فيه المنْحُ والحرمان، للانتقام أو الإرضاء، والتأثير في المواقف السياسية للدول والجماعات، أو استثماراً مالياً يكون فيه جنْي الربح هو الهدف الرئيس للحكومة السعودية. بحُلّة جديدة، يعود الموسم في السابع من تموز الجاري، بعد غياب عامَين بسبب وباء «كورونا». ولكن في زمن ابن سلمان، لم يَعُد الحرم المكي يعصِم زوّاره من المطاردة والاضطّهاد، ولو بنسبة معيّنة. وهذه كانت ميزة للحجّ في كلّ الأزمان، حتى في أيام الجاهلية، عندما كان مُشرِكو قريش لا يزالون يمسكون بالحرم في بدايات الإسلام. إذ حتى هؤلاء لم يجرؤوا أحياناً كثيرة على الوقوف في وجه رغبة الناس في الحجّ، إلى حدّ دفع البعض إلى القول إن «أبو جهل» لو كان حيّاً لاستنكر ما يحصل الآن. صار الحجّ مكاناً للخوف وانعدام الأمان، ومِصيدة للاعتقال التعسّفي والترحيل القسري لمعارضين أجانب إلى بلدانهم، وبؤرة للتجسّس على آخرين. ولم يَعُد ملايين المسلمين، نتيجة ذلك، قادرين على الوصول إلى مكة لزيارة مقدّساتهم.

حتى ما كان ممارسة كيدية في الحجّ منذ سيطرة آل سعود على الحجاز قبل قرن من الزمن، جعله ابن سلمان ابتزازاً مكشوفاً، عن طريق منْح التأشيرات أو حجبها، والتلاعب في حصص الدول بحسب العلاقات معها واستجابتها للابتزاز، أو التدخّل في الجهات التي تملك اختيار مَن يحصلون على التأشيرة في داخل تلك الدول، مثل حال سمير جعجع في لبنان الذي قيل إن الرياض خصّصت له «كوتا» تأشيرات، أو إسرائيل التي صار الحجّ عنصراً في حملاتها الانتخابية، كما يُظهر وعد رئيس وزرائها السابق، بنيامين نتنياهو، للحجّاج، قبل عام، بتوفير رحلات مباشرة لهم إلى مكة. والسياسة ذاتها تمنع الكثير من اليمنيين المقيمين في المناطق التي تسيطر عليها حركة «أنصار الله» من الحصول على فرصة لأداء الشعيرة الكبرى، وتحدّ من حرية الحجّاج الإيرانيين، الذين نصحهم مرشد الجمهورية، علي خامنئي، بشراء الهدايا من إيران نظراً لغلاء أسعارها في السعودية - ما دفع بالأخيرة إلى إطلاق حملة ضدّه على وسائل التواصل الاجتماعي -، كما تُعرّض للحرمان الكثير من السعوديين والخليجيين والعرب المؤيّدين لحركات إسلامية تُعاديها الرياض مِن مِثل «الإخوان المسلمون» و«حزب الله» وفصائل المقاومة الفلسطينية.
ويحصل كثيراً أن يذهب حجّاج إلى بيت الله ولا يعودوا، ليتبيّن أنهم معتقلون في المملكة بنيّة تسليمهم إلى دولهم كأداة للتقرّب من تلك الدول. وتَعرّض للاعتقال، خلال سنوات ابن سلمان في ولاية العهد، حجّاج ليبيون سُلّموا إلى قوات خليفة حفتر، وآخرون أردنيون وفلسطينيون ومصريون وعراقيون وحتى خليجيون، في حين أن المعارضين السعوديين لا يستطيعون دخول البلاد أصلاً، والدعاة الذين يعتبرهم النظام خطراً عليه، جلّهم في السجون. ولم يسْلم من الاعتقال، كذلك، بعض أفراد أقلّية الأويغور الذين سُلّموا إلى الصين التي يسعى ابن سلمان للتودُّد إليها. وخلال سنوات مقاطعة قطر، لم تكتفِ السعودية بحرمان الحجّاج القطريين من دخولها، بل هدّدت بلداناً أفريقية فقيرة بمنْع شعوبها من الحج بعد رفضها مجاراتها في المقاطعة. كما رفضت زيادة أعداد الحجّاج الماليزيين على رغم توسعة الحرم المكي، إثر سحب ماليزيا قوّاتها من تحالف العدوان على اليمن عام 2018، وحذّرت إندونيسيا، وهي أكبر دولة إسلامية في العالم، من أنها ستضع عقبات أمام سفر حجّاجها إلى مكة ما لم تُصوّت لصالحها عند الحاجة في مجلس الأمن.
ومع استمرار ذلك الواقع، يُعاد طرح موضوع وصاية النظام السعودي على الأراضي المقدّسة، ولكن ليس من قِبَل دول مثل إيران، وإنّما من قِبَل بعض المعارضين السعوديين ومنظّمات حقوق الإنسان العربية والأجنبية؛ إذ طالبت منظّمة «سند»، في تقرير مفصّل عن انتهاكات هذا النظام، أصدرته لمناسبة استئناف الحج، بإقرار قانون يميّز بين دخول الأراضي السعودية العادية ودخول الأماكن المقدسة، لكنها استبعدت أن تُوافق حكومة الرياض على مطلبها لأنه سيفقدها أداة لممارسة النفوذ السياسي. وإلى جانب التسييس، يتحوّل المال أيضاً إلى حائل دون رغبة كثر في الذهاب إلى الحج. إذ ارتفعت تكاليفه إلى حدود جعلته حكراً على الأغنياء. حتى «تحويشة» العمر التي كان الناس يدّخرونها لتحقيق الحلم، لم تَعُد تكفي لإتمام ركنٍ من أركان دينهم، يعتبرونه مشروع العمر، ويبدؤوا بالادّخار والاستعداد له قبل زمن طويل من الوصول إليه. ويعود تضخّم الكلفة إلى أن الرياض رفعت أسعار الخدمات الإلزامية مثل خدمات المشاعر والطوافة والنقل، وأضافت خدمات إلزامية جديدة مثل حالات الطوارئ والتأمين الصحّي ورسوم التأشيرة. وإلى جانب زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 5% إلى 15%، أدّى التضخّم العالمي في الأسعار إلى ارتفاع خدمات الإيواء والغذاء في المملكة، فيما ارتفعت أسعار تذاكر الطيران كثيراً، بارتفاع أسعار النفط. وبحسب صحيفة «عكاظ» السعودية، تُقدَّر أسعار حملات حجّاج الخارج في المتوسّط، من دون نقل، بسبعة آلاف دولار للحاج الواحد، بينما يبلغ متوسّط تكلفة حجّاج الداخل 3 آلاف دولار، من دون نقل. والفارق الكبير بين السعرَين، تحمّله الصحيفة للأجهزة المختصة في دول الحجّاج.