من مصر إلى أميركا: تركي آل الشيخ لا يعترف بالحدود

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1139
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

تجاوزت «بطولات» تركي آل الشيخ كلّ الحدود الجغرافية، فبدا حاكماً بأمره في مصر، مع مُضيّ أسابيع على اختفاء طليقته المطربة آمال ماهر، التي كان قد اضطهدها مستخدماً علاقاته السياسية التي تصل إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي. في هذا الوقت، تناولته صحف أميركية كبرى «بالخير»، كاشفة عن إرساله جواسيس لمضايقة معارضين سعوديين، ومحاولة ابتزازهم

لم يجرؤ سياسي أو فنان في مصر على تناول قضية آمال ماهر، وإن فعل فعَلى خفر، ولتقديم التطمينات الفارغة التي لا تستند إلى أساس حول مصيرها، بل تَطوّع الكثير من هؤلاء للتبشير بـ«سلامة» آمال، مُبرّئين ضمناً آل الشيخ، «وليَّ النعمة»، ممّا يمكن أن يكون قد حلّ بها من تعذيب واضطهاد. وإنّما في المقابل، تحلّى المصريون العاديون بكلّ الجرأة لصبّ غضبهم على مَن سمّوه «شوال الرز»، وإظهار التظلُّم من قدرته على فعل ما يشاء في بلدهم، وعلى عدم وجود «رجّالة» تستطيع وضع حدّ لغيّه وانتقامه من آمال، المستمرّ منذ سنوات، حين أفصحت له عن أنها لا تريده، فاعتدى عليها بالضرب، وأجبرها على اعتزال الغناء، وأغلق الاستديو الخاص بها، وقناتها على «يوتيوب»، كما أقفل صيدلية شقيقها بالشمع الأحمر. ولم يكفِه كلّ هذا، فقام بإخفائها، على حدّ قول معظم المغرّدين على وسم «آمال ماهر فين» الذي يتصدّر «الترند» في مصر منذ أيام، لينتقل في اليومَين الماضيَين إلى التصدّر في دول عربية أخرى، حيث صار الكثير منهم يجاهر بخشيته من أن تنتهي هذه الدراما الطويلة إلى قصّة «موت معلَن».
القلق المشروع للمصريين، ينبع في الأساس من التساؤل عن سبب امتناع السلطات المصرية عن التدخُّل لحسم هذه القضية التي صارت محطّ اهتمام عربي، وإظهارِ آمال أمام الناس ولو في شريط فيديو يستمرّ ثوانيَ معدودة ويقطع الشكّ باليقين (خرجت ماهر بالفعل في شريط مصوًّر لاحقاً، عبر جريدة «اليوم السابع»، إلّا أنها بدت خلاله مربَكة ومجبَرة على ما تقول، وهو ما فاقم الشكوك بدلاً من أن يطفئها)، في حين أن مجرّد فكرة أن بلد المئة مليون نسمة لا يوجد فيه من يقدّم تفسيراً لما حدث، يثير الرعب، وخاصة لدى النساء اللواتي كان خوفهنّ أكبر، بفعل تكرار حوادث القتل ضدّهن في مصر وبلدان عربية أخرى في الآونة الأخيرة. استقالة نقيب الفنّانين المصريين، هاني شاكر، وحدها، تثير أسئلة كثيرة عمّا يمكن أن يكون قد حدث حقّاً للمطربة، لأنها جاءت بعد أيام قليلة على بيان وُصف بـ«الضعيف» للنقابة، قالت فيه إنها اتّصلت بأسرة آمال، واطمأنّت إلى أنها بخير، وهو ما لم يُقنع القلقين، باعتبار أن النقابة كان يجب أن تتّصل بآمال نفسها لا بأسرتها، وتأتي بتفسير واضح لغيابها. أمّا السلطات الأمنية المصرية التي يُفترض أن تكون المعنيّة الأولى بتوضيح ملابسات الاختفاء، فكانت غائبة تماماً عن المشهد، في ما اعتُبر خضوعاً تامّاً من جانب «أمن البلد» لمشيئة «شوال الرز» وفلوسه الكثيرة.

لكن يتبيّن أن «الفلوس» التي لها تأثير معروف في مصر وبلدان فقيرة أخرى، صارت تؤثّر في بلدان غنية أيضاً، ومنها الولايات المتحدة التي يبدو أن آل الشيخ وباقي المحيطين بوليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، يمكنهم أن يلعبوا اللعبة نفسها فيها، ويظلّوا «في السليم»، من دون أن تردعهم الضجّة التي أثارتها حادثة اغتيال جمال خاشقجي التي كادت تطيح بـ«سيّدهم»، إذ جرى الكشف أخيراً عن أن آل الشيخ يرسل جواسيسه للتجسّس على المعارضين ومحاولة ابتزازهم واستدراجهم، عبر حسابات وهمية على وسائل التواصل الاجتماعي. وتَكشّفت خيوط هذه «المؤامرة» بعد أن اتّهم مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، رسمياً، المواطن السعودي إبراهيم الحُصين (42 عاماً)، بتهديد معارضين سعوديين مقيمين في الولايات المتحدة، بحسب دعوى قضائية في محكمة في نيويورك تمّ نشرها الثلاثاء الماضي، لكنّ المكتب لم يأتِ على سيرة آل الشيخ، على رغم ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» من أن الشكوى نفسها تشير إلى أن الحصين كان على اتّصال منتظم معه. واستخدم الحصين حسابات وهمية بينها حساب باسم «@Samar16490» على «إنستغرام»، لتوجيه تهديدات إلى معارضين سعوديين مقيمين في الولايات المتحدة، أغلبهم من النساء. كما عُثر في أحد الهواتف المحمولة التابعة له، وهو الموظّف في الديوان الملكي السعودي والمبتعَث لدراسة الدكتوراه في السياسة العامة، على العديد من الصور والتغريدات لخاشقجي، والتي يرجع تاريخ حفظها على الجهاز إلى عام 2017، أي قبل نحو عام من مقتل الصحافي السعودي في القنصلية السعودية في إسطنبول.

قضية التجسّس تلك ليست الأولى من نوعها، لكنها تشير إلى استمرار المحيطين بابن سلمان الذين يُعتبر آل الشيخ أحد أبرزهم، في ممارسة أنشطتهم في الولايات المتحدة التي كانت تعهّدت بمحاسبة السعودية على انتهاكات حقوق الإنسان، فإذا بالمعارضين السعوديين المقيمين على أراضيها مكشوفون ومعرَّضون للمطاردة من قِبَل هؤلاء. ففي أيلول 2020، وجّه الادّعاء العام في سان فرانسيسكو لائحة اتهامات إلى المواطن السعودي، أحمد أبو عمو، المتّهم في قضية التجسّس على «تويتر» على معارضين سعوديين لصالح مدير مكتب ابن سلمان، بدر العساكر. ومن بين تلك الاتّهامات، العمل بصفة عميل لدولة أجنبية من دون إخطار وزارة العدل الأميركية، وغسيل الأموال، والتلاعب بالأدلّة. واليوم، تشير أوراق الشكوى ضدّ الحُصين إلى أنه استخدم الحساب الوهمي لتهديد مواطنة سعودية تنتقد سياسات الحكومة، بالقتل، حين أبلغها أنها ستواجه مصير ندى القحطاني، وهي شابّة قتلها شقيقها بالرصاص قبل سنوات. كما بعث برسالة إلى امرأة سعودية أخرى في عام 2020، وصفها فيها بـ«العاهرة». وكذلك، بعث برسائل تهديد خاصة باللغتَين الإنكليزية والعربية لإيصال تحذيرات إلى منتقدي الحكومة، قائلاً لكلّ منهم: «إذا لم تربّك عائلتك جيداً، فسوف نؤدبك، وسوف يمسحك ابن سلمان من على وجه الأرض، وسترى».
تدلّ تلك التطوّرات على صعوبة إقلاع ابن سلمان عن إدمانه على التآمر الذي يدفع به إلى مطاردة آخر معارِض أو معارِضة إلى أقاصي الأرض مهما كان تأثيره أو تأثيرها محدوداً، وهو ما ينمّ عن الخوف الذي يسكنه وشعوره الدائم بالتهديد الذي يواجه نظامه، حتى وهو يجبر زعماء دول، على رأسهم الأميركي جو بايدن، الذي يستعدّ لزيارته في منتصف الشهر المقبل، على مجاراته والتغاضي عن كلّ ما يفعله.