لماذا خرج الأمير بن سلمان الرّابح الأكبر والإسلام السياسي الخاسِر الأبرز من زيارة أردوغان للسعوديّة؟

  • طباعة
  • PDF
  • مشاركة عبر الفيسبوك
  • مشاركة عبر تويتر
  • مشاركة عبر G+
  • مشاركة عبر انستقرام
  • مشاركة عبر تلغرام
  • مشاركة عبر الوتساب
  • عدد الزوار 1324
  • عدد التعلیقات 0
  • -
    +

وماذا يعني تزامن الزّيارة مع إغلاق قناة “مكمّلين” الإخوانيّة؟ وهل ستُنقذ المِليارات السعوديّة الاقتِصاد التركي المأزوم؟ وماذا عن قطر؟ وأين تكمن المخاوف؟

إذا نظرنا إلى الزّيارة التي قامَ بها الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى المملكة العربيّة السعوديّة واستغرقت يومين، من زاوية الرّبح والخسارة، فإنّ الرّابح الأكبر هو الأمير محمد بن سلمان، الحاكِم الفِعلي للبِلاد، أما الخاسرون فهم كُثُر، على رأسهم جماعات الإسلام السياسي، وحركة “الإخوان المُسلمون” بالذّات، وبدَرجةٍ أقل دولة قطر، الحليف الأبرز للرئيس التركي التي لم تعد قادرة على تلبية جميع مطالبه الماليّة بعد أن أنقذت الليرة التركيّة مرّتين، وضخّت أكثر من 35 مِليار دولار استِثمارات وودائع في الخزينة التركيّة.

فلم يكن من قبيل الصّدفة، أن تتزامن هذه الزّيارة التي جاءت بطلب، وإلحاح الرئيس أردوغان، وبعد تمنّع سعودي طال، مع إعلان قناة “مكمّلين” المِصريّة التّابعة لحركة “الإخوان” وقف بثّها أمس وإغلاق جميع مكاتبها في إسطنبول، والانتِقال إلى دُولٍ أُخرى، وربّما تلحق بها قنوات أُخرى، مِثل قناة “الشّرق” التي يترأس مجلس إدارتها الأستاذ أيمن نور، المُعارض المِصري المعروف.

سِياسة الحِصار التي فرضها الأمير بن سلمان على تركيا، وتمثّلت في إغلاق الأبواب في وجه صادراتها إلى المملكة، وتقليص السّياحة السعوديّة إلى حُدودها الدنيا، أصابت الرئيس التركي واقتِصاده في مقتل، ودفعت به إلى التّجاوب مع كُلّ الشّروط السعوديّة، وأبرزها إغلاق ملف قضيّة اغتِيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي بشَكلٍ نهائيّ، وفوق ذلك تقديم كُل الوثائق المُتعلّقة بها إلى القضاء السعودي، وإغلاق جميع أبواب تركيا في وجه المُعارضة السعوديّة.

الأزمة الاقتصاديّة التي تعيشها تركيا هذه الأيّام وربّما تزداد في ظِل الحرب الأوكرانيّة، باتت هي البُوصلة التي تحكم جميع سِياساته في الوقت الرّاهن، وتقف خلف التّنازلات التي يُقدّمها في جميع الاتّجاهات، فهو كسِياسي مُحترف يرقص على جميع الحِبال من أجل بقائه وحزبه في السّلطة مع اقتِراب موعد الانتِخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة (بعد عام).

نسبة التضخّم في تركيا وصلت إلى أكثر من 60 بالمئة ومُرشّحة للارتفاع، والليرة التركيّة تقترب من 15 ليرة مُقابل الدولار، وغلاء المعيشة باتت مصدر الشّكوى الرئيسي في أوساط النّاخبين الأتراك والفُقراء الذين يزدادون عددًا بالذّات، ويُشكّلون القاعدة الأبرز والأوسع للحزب الحاكم، وعوائد السّياحة التي تَدُر على الخزينة التركيّة ما يَقرُب من 50 مِليارًا سنويًّا تتراجع، وخرجت من أزمة كورونا لتدخل في دائرة خطر الإرهاب الذي عاد ليطل برأسه بقُوّةٍ من خِلال بعض التّفجيرات التي استهدفت مُنتجعات سياحيّة مشهورة خاصَّةً في مِنطقة بورصة مُؤخَّرًا.

الرئيس أردوغان الذي تتراجع حُظوظه وحزبه، في استِطلاعات الرأي لصالح تحالف أحزاب المُعارضة، قال للصّحافيين الذي رافقوه على متن طائرته من زيارته للمملكة “إن مرحلة بدء كسب الأصدقاء وليس خلق الأعداء قد بدأت، وعُنوانها الأبرز تطوير العُلاقات مع الجِيران الإقليميين”، وكشف “أن زيارته إلى السعوديّة تُوِّجَت باتّفاقٍ على إعادة تفعيل الإمكانيات الاقتصاديّة الكبيرة بين البلدين من خِلال فعاليّات تجمع المُستثمرين.

السعوديّة تتطلّع لشِراء طائرات “بيرقدار” المُسيّرة، ونقل الصّناعات التركيّة إليها، ولكنّ الأمر يتوقّف على عُروض الدّول الأُخرى المُنافسة وشُروطها المُغرية، ونحن نتحدّث هُنا عن الصين وروسيا، فالأمير بن سلمان يُريد “توطين” صِناعة السّلاح في المملكة، وتقليص الاعتِماد على وارداتها من الخارج، وتركيا أحد الخِيارات.

ما زال من السّابق لأوانه الحُكم على نتائج زيارة الرئيس التركي للسعوديّة بالسّلب أو الإيجاب، لكنّ هُناك العديد من المُؤشّرات التي تُؤكّد أن الجانب السعودي ربّما يكون الأكثر حذرًا، والأقل اندفاعًا، على غِرار نظيره المِصري، حيث يتراجع منسوب الثّقة بالرئيس التركي، لتقلّباته، وحجم الضّرر الذي لحقه بالتحالف السّعودي المِصري من خلال تحالفه مع الإسلام السّياسي، والمُعارضة السياسيّة للبلدين، واحتِضانها وتوفير المنابر الإعلاميّة لها.

ما يُؤكّد هذا الحذر، التّصريح الذي أدلى به مسؤول سعودي كبير لصحيفة “الغارديان” البريطانيّة، وقال فيه “أردوغان هو الذي جاءَ إلينا، وموقفه المُعادي تُجاهنا كلّفه المِليارات، وأيّ عُلاقات تجاريّة ستكون حسب شُروطنا”.

السّياسات السعوديّة التركيّة لم تكن جيّدة على مدى العُقود الماضية، وحتى في زمن الإمبراطوريّة العثمانيّة، بسبب التّنافس القويّ بين مرجعيتيّ مكّة وإسطنبول على زعامة العالم الإسلامي، والسنّي منه على وجه الخُصوص، وتبنّي الرئيس أردوغان للإسلام السّياسي، وثورات الربيع العربي يُمكن فهمه من هذا المنظور.

بعض الخُبراء في الشّأن السعودي التركي يتحدّثون “همسًا” عن وجود خطّة ثُلاثيّة سعوديّة مِصريّة إماراتيّة “طويلة النّفس” لحِصار تركيا اقتصاديًّا بكُلّ الطّرق والوسائل، وإضعاف اقتصادها، ومن ثمّ استِغلال هذا الضّعف، لتحييدها وتركيعها إقليميًّا، وإبعادها عن دولة قطر، لأنّ القواعد العسكريّة التركيّة التي أقامها الرئيس أردوغان في منطقة العيديد قرب الدوحة، وتعزيزها بأكثر من 30 ألف جندي بمعدّاتهم الثّقيلة، والجسر الجوّي التركي الذي أُقيم لكسْر الحِصار، كلّها ساهمت في صُمود دولة قطر في وجه التّحالف السعودي المِصري الإماراتي البحريني الذي كان من ضِمن أهدافه تغيير النظام في الدوحة، وهذه المواقف لا يُمكن نسيانها بسُهولةٍ، مثلما قال لنا مصدر خليجي مُطّلع.

التلكّؤ المِصري في تطوير العُلاقات مع تركيا رغم تنازلات أردوغان الكثيرة، والدّسمة، والتحفّظ المُوازي في تطبيع العُلاقات مع قطر رغم اتّفاق مُصالحة “العُلا”، وضخ قطر 5 مِليارات دولار كوديعة في المصرف المركزي المِصري، وعدم تلبية الرئيس عبد الفتاح السيسي حتّى الآن لدعوة قطريّة بزيارة الدوحة، كلّها مُؤشّرات تُؤكّد وجود هذه الخطّة المذكورة آنفًا، خاصَّةً أن مِصر والسعوديّة والإمارات تقف الآن في الخندق الروسي الصيني في مُواجهة الأمريكي في الأزمة الأوكرانيّة، ولم تُشارك في مُؤتمر تسليح الجيش الأوكراني الذي انعقد في ألمانيا بمُشاركة 43 دولة بدَعوةٍ من الرئيس الأمريكي، كان من بينها قطر وتركيا والأردن والمغرب وتونس.

الرئيس أردوغان ربّما تأخّر في إجراء مُراجعات جديّة لسِياساته التي أدّت إلى عُزلته إقليميًّا، ودوليًّا، والعودة إلى سِياسة “صِفر مشاكل” مع الجيران، ومن موقع الضّعيف، وليس القويّ، وطرق أبواب الجميع باستِثناء الباب الأهم، أيّ سورية، الأمر الذي يُلقي بالكثير من الشّكوك على احتِمالات نجاح انقِلابه السّياسي الجديد.. واللُه أعلم.

 

“رأي اليوم”