أجرى الأمير محمد بن سلمان والحاكم الفعلي للعربيّة السعوديّة اتّصالاً هاتفيّاً بالرئيس الصيني شي جين بينغ، واستقبل اتّصالاً آخر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أقل من يومين، الأمر الذي يؤكّد أن الأمير بن سلمان، ربّما قرّر إدارة الظهر للحليف الأمريكي الاستراتيجي على مدى 80 عاماً، والانضمام إلى التحالف الروسي الصيني الجديد في “انقلاب” قد يُؤشّر لمرحلةِ تغييرٍ جذريّة، ليس في منطقة الخليج فقط، وإنما منطقة الشرق الأوسط برمّتها، وجاءت تصريحات للمُستشار الإماراتي أنور قرقاش لتَصُب في هذا التوجّه وتُعزّزه.
لم تخرج وكالة الأنباء السعوديّة “واس” عن الجُمل التقليديّة في شرح ما دار في المُكالمة التي جمعت بين الأمير بن سلمان، والرئيس الصيني، من بحث أوجه العلاقات، وبذل المزيد من الجهد لتعزيز العلاقات الاستراتيجيّة بين البلدين الصّديقين، أمّا نظيرتها وكالة الأنباء الصينيّة “شينخوا” فلم تتطرّق هي الأخرى لمزيد من التفاصيل، عدا تأكيد رئيس الصين على الأهميّة للعلاقات الصينيّة- السعوديّة في ظل ما تمر به الأوضاع الدوليّة، والإقليميّة من تغيّراتٍ عميقة ومُعقّدة.
ووفقاً لوكالة “واس”، أشاد الرئيس الصيني بدور المملكة المحوري في المنطقة، وبجُهود المملكة لإحلال السّلام والاستقرار في اليمن، وهو ما عدّته النخب السعوديّة “غزلاً صينيّاً” بالرياض.
اللافت في هذا الاتصال أنه بدر من الأمير بن سلمان، أيّ أن الأخير بادر بالاتصال بالرئيس الصيني، ولم يُبادر الأخير بالاتصال به، وهو الذي كان (بن سلمان) قد غاب عن حُضور افتتاح أولمبياد بكين الشتويّة كما ويأتي هذا الاتصال في ظل رفض الرئيس بايدن الاتصال والتعامل الشخصي مع الأمير بن سلمان، ورفض الأخير لطلب الرئيس الأمريكي زيادة الإنتاج النفطي، وخفض أسعار النفط مع ارتفاع البنزين في الولايات المتحدة الأمريكيّة غير المسبوق، مع استمرار الحرب الروسيّة- الأوكرانيّة، وفرض العُقوبات على الغاز والنفط الروسي مع حاجة أوروبا لهما.
الأمير بن سلمان تعمّد فيما يبدو المُبادرة للاتصال بالرئيس الصيني، ليُؤكّد جديّته بالتوجّه نحو الصين، مع التخلّي الأمريكي عنه (إدارة بايدن) وتحفّظها عليه لمسائل تتعلّق بملف حقوق الإنسان، وجريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي وتخلّيه عنها بالمُقابل، لكن التساؤل المطروح حول ما دار بين بن سلمان، وشي جين بينج، وهل جرى الاتفاق على أمور ملموسة تُعزّر بالفعل من التواجد الصيني على الأراضي السعوديّة سياسيّاً، وعسكريّاً كما شكل تحالفها مع الأمريكيين، وهل وعد بن سلمان الرئيس الصيني بأن يتخلّى عن الدولار الأمريكي، ويستخدم اليوان الصيني في تسديد أثمان صفقات النفط وتسعيره، وهل دعاه لزيارة المملكة، واستقباله “استقبالاً حافلاً”، وهل سيُلبّي رئيس الصين الدعوة السعوديّة تلك، أم أن الاتصال كان مُجرّد مُناكفة سياسيّة لبايدن للفت انتباهه، ولم يتعدّ الجُمل الإنشائيّة التي أوردتها وكالة أنباء البلدين؟.
وبالتزامن، تلقّى الأمير بن سلمان اتصالاً هاتفيّاً من الرئيس الروسي فلادمير بوتين، حيث الأخير يُقدّر بطبيعة الحال الموقف السعودي ورفضه لزيادة الإنتاج النفطي، خدمة للولايات المتحدة لخفض أسعار النفط مع استمرار الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وبالفعل جرى خلال الاتصال وفقاً لوكالة الأنباء الروسيّة تقييم إيجابي للعمل المُشترك داخل مجموعة أوبك+ الهادف لضمان استقرار سوق النفط العالميّة، وتبدو المصالح السعوديّة- الروسيّة أكثر فعاليّة وتطبيقاً على أرض الواقع منها بالعلاقات والمصالح السعوديّة- الصينيّة، فارتفاع أسعار البنزين في أمريكا يخدم بن سلمان في تراجع شعبيّة بايدن، وإمكانيّة عودة حليفه الوثيق وحاميه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسيّة القادمة، وارتفاع أسعار النفط غير المسبوق وتواصل حاجة أمريكا وأوروبا للنفط الروسي، ورغم العُقوبات الدوليّة على موسكو، ومُحاولات تجنّب شرائه، وهذا ما يُفسّر الحاجة لهذه المُكالمة الهاتفيّة، وهي الثانية بين بوتين وبن سلمان مُنذ بدء الحرب الروسيّة على أوكرانيا، وارتفاع أسعار النفط، وظلّت فوق 100 دولار للبرميل.
من غير المعلوم تماماً، إذا كانت هذه المُكالمات الهاتفيّة التي جمعت بن سلمان مع الرئيسين الروسي والصيني، ستكون بداية تأسيس لتحالفات سعوديّة خارج تحالفاتها التقليديّة وأهمّها مع الولايات المتحدة، ولكن ما يُعطيها الأهميّة أنها تأتي في توقيتٍ وصلت فيها العلاقات السعوديّة مع الأمريكيين للحضيض، وفي توقيت بدأ الخليجيّون وقد يكون الأمير محمد بن سلمان بينهم، يُدركون أن النفوذ الأمريكي في تراجع لصالح روسيا والصين، وتصريحات مُستشار رئيس الإمارات أنور قرقاش تشي بذلك، وهو الذي صرّح بعدّة تصريحات لافتة أهمّها أن الهيمنة الغربيّة على النظام الدولي تعيش أيّامها الأخيرة، وأن التغيير هو الطبيعي في الحياة والثبات والاستقرار هُما الشّواذ عن القاعدة.
وأضاف قرقاش في محاضرة ألقاها في “مجلس محمد بن زايد” الرمضاني إن ظهور القوّة الاقتصاديّة والتكنولوجيا من آسيا ممثلة بالصين واليابان وكوريا الجنوبية وإندونيسيا “سيغير الميزان الذي كان مائلاً للغرب بحيث أن هذا الاقتصاد أصبح أقل غربيّة”، وأن النظام الاقتصادي المُعتمد على الدولار لا يتجاوز عُمره الـ70 عامًا، مُوضحاً أن اليوم ننظر إلى أن الدول تعتمد على الدولار كعملة عالميّة، ونعتقد أن هذا كان مُنذ الأزل والحقيقة أن النظام الدولي الذي يعتمد على الدولار عُمره 50 أو 60 أو 70 سنة، لذلك فالتغيير هو طبيعة الحياة”.