هل ستَصمُد هُدنة الشّهرين وتكون مُقدّمة لإنهاء الحرب اليمنيّة؟ ولماذا تستحق دعم جميع الأطراف لحقن الدّماء وإنهاء النّزيفين المادّي والبشري وكسر الحِصار؟ وما هي الأسباب الحقيقيّة لهذا الاختِراق؟
لا تزال الهدنة التي جرى التوصّل إليها في الحرب اليمنيّة بإشراف المبعوث الدولي هانس غروندبرغ ودخلت يومها الثالث صامدةً ومصدر ارتياح في الجانبين اليمني والسعودي، ولعلّ دُخول ناقلتيّ نفط من 18 ناقلة محجوزة مُحمّلةً بالوقود ومُشتقّاته إلى ميناء الحديدة ولأوّل مرّة مُنذ ثلاثة أشهر أحد المُؤشّرات القويّة حول نجاح هذه الهدنة حتى الآن.
اتّفاق الهُدنة جاء بعد تصعيدٍ كبير في الهجمات المُتبادلة بين الجانبين مع دُخول الحرب عامَها الثامن، وعقد لقاءات مُباشرة في مسقط بين الجانبين السعودي واليمني، وكان لافتًا أن الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع وشقيق وليّ العهد السعودي هو الذي ترأس وفد المملكة فيها في اللّقاءات المُباشرة مع مُمثّلي حركة أنصار الله الحوثيّة، وجرى إعلان وقف إطلاق النّار باسم المبعوث الأُممي لتوفير مظلّة الشرعيّة الدوليّة له.
أربعة أسباب رئيسيّة أدّت إلى حُدوث هذا الاختِراق، والتوصّل إلى هذه الهدنة المفتوحة لمُدّة شهرين:
الأوّل: أن الطرفين تعبا من القتال وأدركا، خاصَّةً الجانب السعودي، أن الانتصار في هذه الحرب غير مُمكن، واستمرارها مُكلِف جدًّا ماديًّا وبشريًّا، ولا بُدّ من إيجاد مخرج.
الثاني: أن الهجمات الحوثيّة الأخيرة التي تمثّلت في إطلاق صواريخ باليستيّة ومُجنّحة وطائرات مُسيّرة، وزوارق “انتحاريّة” واستهدفت مُنشآت لشركة أرامكو في جدّة والرياض وينبع وأبها وجازان ونجران، أصابت أهدافها بدقّةٍ، وطرَأ عليها تطوّرٌ إضافيٌّ لافت وهو ضرب محطّات التّحلية.
الثالث: توتّر العلاقات السعوديّة الأمريكيّة على أرضيّة الحرب في أوكرانيا، ورفض الأولى (السعوديّة) التجاوب إيجابيًّا لتخفيض أسعار النفط، ليَصُب في مصلحة حُكومة صنعاء، وأيًّا كان موقفها من هذه الحرب، فطرفاها الأمريكي والروسي سيسعيان لكسب ودّها، ويبنيان مواقفهما منها على ضُوء الموقف السعودي فيها، أيّ الحرب الأوكرانيّة.
الرابع: قُرب حسم مفاوضات فيينا النوويّة، وتصاعد حالة الاستِقطاب الدولي، وظُهور حلف “ناتو” عربي جديد ضد إيران بزعامة “إسرائيل”، ونأي السعوديّة بنفسها عن هذا الحلف ولو ظاهريًّا، الأمر الذي قد يترتّب عليه حالة “عُزلة” للمملكة، لأنّ جميع أعضاء هذا الحلف من العرب الملكيين “المُعتدلين” وحُلفاء واشنطن.
صحيح أن السّماح لناقلتيّ مُشتقّات نفطيّة بدُخول ميناء الحديدة لا يُغطّي إلا 10 بالمئة من احتِياجات الشعب اليمني، والشّيء نفسه يُقال عن السّماح برحلتيّ طيران انطلاقًا من مطار صنعاء إلى كُل من القاهرة وصنعاء، ولكنّها نُقطة بداية أوليّة، تَكسِر الحِصار جُزئيًّا المفروضة على الشعب اليمني والمُستمر مُنذ سبع سنوت، ولعلّ حالة الارتِياح والفرح التي سادت اليمن، بعد إعلان الاتّفاق، وتحسّن سِعر صرف الرّيال اليمني، وزيادة ساعات الخدمات الكهربائيّة كلّها مُؤشّرات تبعث على التفاؤل.
نحن في هذه الصّحيفة “رأي اليوم” نُرحّب بأيّ اتّفاق يرفع الحِصار عن الأشقّاء في اليمن، ويُوقف الغارات سواءً الجويّة للتّحالف التي تستهدف المدنيين الأبرياء، أو الصّواريخ الباليستيّة والمُجنّحة وبالطّائرات المُسيّرة التي تضرب مُنشآت حيويّة في العُمُق السعودي.
لعلّ هُدنة الشّهرين فاتحة خير، ومُقدّمة لمُفاوضات جديّة على أرضيّة المُساواة والنّوايا الحسنة المُتبادلة، تضع حدًّا لهذه الحرب الدمويّة بين الأشقّاء، وتَحقِن الدّماء، وتُنهي الاستِنزاف البشري والمادّي لجميع الأطراف.