جيوبوليتكال: هكذا تكشف حرب اليمن صعود الإمارات على حساب السعودية
يتضح الآن أكثر من أي وقت مضى أن الإمارات تتجاوز السعودية باعتبارها القوة العربية الأبرز في الشرق الأوسط.
ومنذ بداية الانتفاضات العربية قبل أكثر من عقد من الزمان، اتخذت الإمارات نهجًا يركز على تجاوز العاصفة، وقمع الاضطرابات في المنطقة بأي وسيلة، وتحويل نفسها إلى قوة شرق أوسطية موثوقة، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع مختلف الدول.
وكانت السعودية على النقيض من ذلك، حيث اتبعت المملكة سياسة خارجية مترددة وخاطئة أحيانًا، وانشغلت بالقضايا الداخلية مثل خلافة الملك واستقرار النظام.
ولا يوجد مكان يتجلى فيه فشل السعودية وصعود الإمارات أكثر من اليمن.
دور اليمن الكاشف
بالرغم أن اليمن بلد صغير نسبيًا في شبه الجزيرة العربية، إلا إنه لعب دورًا كبيرًا في تحديد ديناميات القوة في الشرق الأوسط، ويُعزى هذا بشكل جزئي لكون البلاد عنصرًا أساسيًا في خطط إيران للتوسع الإقليمي.
وتقوم إيران بإعداد المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لتصبح أرضًا خصبة لأنشطتها التخريبية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وستحدد نتائج الحرب هناك مدى قدرة إيران على تحقيق أهدافها الإقليمية.
ويمكن للصواريخ والطائرات المسيرة التي تُطلق من اليمن الوصول إلى أي نقطة في الخليج وكذلك إيلات (ميناء إسرائيلي على خليج العقبة) كما إن صعوبة استخدام إيران لوكلائها في لبنان وسوريا والعراق لمهاجمة إسرائيل تجعل اليمن من الأصول القيمة.
وفي عام 2019، قررت الإمارات سحب قواتها في اليمن بعد أن شن الحوثويون هجمات صاروخية وهجمات بالطائرات المسيرة التي استهدفت محطة "براكة" للطاقة النووية في أبوظبي في عام 2017 ومطارها في عام 2018.
وكانت الإمارات حينذاك قد رسخت بالفعل سيطرتها على الجنوب اليمني والطريق البحري من الخليج إلى البحر الأحمر، ووصل الحوثيون وأبوظبي إلى تفاهم ضمني مفاده أن الإمارات قد تهيمن على الجنوب ولكنها ستبقى بعيدا عن الشمال، وكانت هذه الصفقة ناجحة حتى وقت قريب، عندما قررت أبوظبي الانضمام إلى الجهود السعودية لدحر تقدم الحوثيين في شمال وسط اليمن.
نقطة تحول في الصراع
لم يرغب السعوديون في رؤية المناطق الغنية بالنفط في شبوة ومأرب تقع في أيدي الحوثيين، لكنهم فشلوا -جنبا إلى جنب مع الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي" وقوات حزب "الإصلاح" المحسوب على الإخوان المسلمين- في وقف تقدم الحوثيين نحو مأرب؛ المعقل الحكومي الوحيد المتبقي.
وناشدت الرياض أبوظبي للمشاركة في المعركة الحاسمة، حيث ستكون اليد العليا في الشمال اليمني لمن يسيطر على مأرب، وتعهدت الإمارات بإشراك "ألوية العمالقة" الموالية لها إذا وافق الرئيس اليمني على إقالة محافظ مأرب المرتبط بحزب "الإصلاح"، وهو ما حدث لينطلق بعدها التحالف الذي تقوده السعودية في شن هجوم ناجح لطرد الحوثيين من المنطقة.
وكانت هزيمة الحوثيين نقطة تحول في الحرب وفي مستقبل الحوثيين كقوة مهيمنة في البلاد. ومع الذهول الذي أصاب الحوثيين من الهجوم الذي قادته "ألوية العمالقة" المدربة من قبل الإمارات، قررت جماعة الحوثي إطلاق عملية "إعصار اليمن" التي استهدفت مباشرة مواقع اقتصادية حيوية في أبوظبي، بما في ذلك مطارها ومرافقها المملوكة لشركة أبوظبي الوطنية للنفط (أدنوك).
وبعد بضعة أيام، أطلق الحوثيون موجة جديدة من هجمات الصواريخ الباليستية وهجمات الطائرات المسيرة على قاعدة الظفرة الجوية، التي تستضيف الأصول العسكرية الأمريكية والفرنسية والإماراتية.
وقبل بدء العملية، اختطف الحوثيون سفينة إماراتية محملة بمعدات عسكرية متجهة لموقع مجهول وأجبروها على التوقف في ميناء الحديدة، وهكذا كانت الرسالة واضحة: "الحوثيون لديهم القدرة على إلحاق الضرر بالإمارات بعدة طرق".
وأثارت هجمات الحوثيين غير المسبوقة سلسلة من الغارات الجوية الانتقامية من قبل التحالف الذي تقوده السعودية، لكن مشكلة التحالف أنه لم يعد هناك أهداف حوثية يدمرونها بعد 7 سنوات من القصف، كما أن الجبال الوعرة في اليمن تجعل من المستحيل إخراج مقاتلي الحوثيين من مخابئهم.
وبالرغم أن تدخل الإمارات أحدث انقلابا ميدانيا، إلا إن ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" لا يهدف لنقل المعركة إلى الشمال -حيث لا يزال الحوثيون يبسطون هيمنتهم- بل كان تدخله يهدف إلى الحفاظ على توازن القوى بين الحوثيين وحكومة "هادي" المأزومة، وهو التوازن الذي من شأنه أن يضمن بقاء الجنوب الذي تهيمن عليه الإمارات كقوة عسكرية حاسمة في البلاد.
وكان من المهم جدًا بالنسبة للإمارات أن تطرد الحوثيين من المناطق الغنية بالنفط في مأرب وشبوة، لأنه إذا احتل الحوثيون هذه المناطق، سيتجهون للسيطرة على عدن وأرخبيل سقطرى، مما يهدد وصول الإمارات إلى البحر الأحمر. لذلك فإن معرفة قيمة الهزيمة التي تعرض لها الحوثيون هناك، تفسر سبب إطلاقهم لهجمات كبيرة على أبوظبي.
القدرات العسكرية المتباينة
على مدار السنوات الـ7 الماضية، استثمرت أبوظبي في القوات العسكرية المحلية في جنوب اليمن، بما في ذلك "ألوية العمالقة" و"قوات المجلس الجنوبي الانتقالي" و"قوات النخبة الشبوانية"، بحيث أصبح لديها قوات يمنية قوية تحت قيادتها قادرة على ترجيح الكفة العسكرية لصالحها في أي مواجهة مع الحوثيين، أما السعودية فلم تكن قادرة على إحراز مثل هذا النصر بمفردها.
وكان بإمكان السعوديةحسم الأمور في عام 2014 بعد أن استولى الحوثيون على صنعاء، لكنها كانت منشغلة للغاية بالقضايا المحلية، خاصة بعد وفاة الملك "عبدالله".
وتولى العديد من المسؤولين العسكريين ومسؤولي الاستخبارات الملف اليمني لكنهم فشلوا في تطوير سياسة متماسكة، وتركز اهتمامهم الأساسي على هزيمة حزب "الإصلاح"، حتى لو كان ذلك يعني السماح للحوثيين بالسيطرة على معظم اليمن.
وأطلق ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" عملية "عاصفة الحزم" في مارس/آذار 2015 على افتراض أنه سيحرز انتصارًا سريعًا. ولكن بعد 6 أسابيع من الحملة، أدرك "بن سلمان" أن هزيمة الحوثيين ستكون مهمة شاقة وأعاد تسمية العملية لتكون "إعادة الأمل".
قدرة التكيف
هناك تصور عام لدى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مفاده أن المنطقة أصبحت في ذيل أولويات واشنطن، لكن أبوظبي تمكنت من التكيف. وحاليا، تنظر أبوظبي إلى ما يتجاوز النزاع في اليمن وتتطلع لتحقيق تعاون اقتصادي إقليمي واسع.
وعلى سبيل المثال، سعت الإمارات لتخفيف التوترات مع تركيا والانفتاح على إيران، وقد اقترحت أبوظبي على أنقرة مشروع خط بري لنقل البضائع بين البلدين مرورا بالأراضي الإيرانية وذلك لاستبدال طريق النقل البحري الطويل. وسيبدأ الطريق البري المقترح في ميناء الحاويات في الشارقة ويمر عبر ميناء "بندر عباس" الإيراني ليقطع الأراضي الإيرانية وصولا إلى تركيا.
أما السعودية فقد افتقدت التصميم على الانفتاح على العالم الخارجي، سياسيًا واقتصاديًا.
ولم يكن لدى إيران أي تأثير حقيقي على الحوثيين حتى انضمت السعودية إلى الحرب في عام 2015 مدفوعة بمخاوفها بشأن التوسع الإيراني في المنطقة، وكانت النتيجة هي اختراق إيراني لليمن. وهو تكرار للسياسة السعودية الفاشلة التي ساهمت في استحواذ إيران على العراق منذ عام 2003.
المصدر | هلال خاشان - جيوبوليتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجدي